معاينة Egypt health sector

تحالف نقابي جديد ضد الممارسات الاحتكارية في مصر

عادت النقابات المهنية للاشتباك مع القضايا المجتمعية من بوابة مواجهة الممارسات الاحتكارية في قطاع مختبرات التحاليل الطبية. وقرّرت نقابات المهندسين والمحامين والصحافيين وقف التعامل مع معامل «المختبر» و«البرج» و«ألفا»، بسبب زيادة أسعار الخدمات التي تقدّمها وتجاوزها نسبة 30% مقارنة بالأسعار المتفق عليها.

لم يكتفِ «التحالف الثلاثي» بذلك، بل سعى إلى إدخال المواطنين طرفاً في المواجهة، مشيراً إلى أن تلك المعامل الكبرى، أي المختبر والبرج وألفا التي تسيطر على نحو 70% من سوق التحاليل في مصر، تقدّم خدماتها للمرضى بأسعار تزيد أربعة أضعاف عن سعر تكاليف الخدمة. وفي ضربة ثانية موجعة لهذه الاحتكارات، وقّع تحالف النقابات ثلاث اتفاقيات جديدة مع 7 معامل تحاليل، يحصل أعضاء التحالف بموجبها على امتيازات أكثر بجانب تخفيض الأسعار.

المختبر والبرج وألفا التي تسيطر على نحو 70% من سوق التحاليل في مصر، تقدّم خدماتها للمرضى بأسعار تزيد أربعة أضعاف عن سعر تكاليف الخدمة

وقبل أيام، انضمّ النائب ورئيس حزب العدل، عبدالمنعم إمام، إلى هذه الحركة الاحتجاجية. وتقدّم في 18 كانون الثاني/يناير الجاري بطلب إحاطة للجنة الشؤون الصحّية في المجلس للسؤال عن غياب الرقابة على منظومة التحاليل الطبية وتأثيرها على صحة المواطنين. وطالب بتوضيح الآليات التي تتبعها وزارة الصحة للرقابة على المعامل الطبية وخصوصاً في المعامل الكبرى، وإعلان إرشادات واضحة لتحديد أسعار التحاليل الطبية، إلى جانب فتح السوق للمنافسة بشكل أوسع بما يضمن العدالة لجميع المواطنين. وشدّد في بيانه على أهمية إنشاء نظام رقابي دوري للتأكد من جودة الخدمات الطبّية ومنع استغلال بيانات المرضى.

شهدت الأعوام الماضية عمليات استحواذ كبيرة في القطاع الصحّي الخاص، غيّرت خريطة الاستثمارات في القطاع، وكانت من أهم أسباب ارتفاع أسعار مقدّمي الخدمات الطبّية. وبحسب عدد من التقارير، يتبيّن أن معملي «البرج» و«المختبر» هما جزء من شركة «التشخيص المتكاملة القابضة» التي تأسّست في العام 2014 وسجّلت في جيرسي إحدى أبرز الجنات الضريبية. وتمكّنت الشركة عبر سلسلة استحواذات، من خلال شركات إماراتية، من تملك معظم أسهم سلسلة معامل البرج والمختبر وغيرها من المعامل. وبذلك باتت تستحوذ على نحو نصف سوق التحاليل الطبية في مصر.

يقول المدير التنفيذي للمركز المصري لحماية الحق في الدواء، محمود فؤاد، أنه بحلول العام 2015، كانت معامل «البرج» تضمّ حوالي 926 فرعاً و55 معملاً، فيما تضمّ معامل «المختبر» 826 فرعاً آخر.

صحيح أن الشركة تمتلك استثمارات في دول أخرى، لكن تبقى استثماراتها في السوق المصرية هي الأكبر، وتشكّل أكثر من 80% من دخلها، فهي تستحوذ على ما يزيد عن نصف عوائد القطاع، بما فيه كل معامل المستشفيات العامة والخاصة. وتشير بيانات الشركة إلى تحقيقها أرباحاً قياسية. بلغ صافي الربح في الأشهر التسعة الأولى من العام 2024 نحو 724 مليون جنيه، بزيادة 87% عن العام السابق.

يؤدّي استحواذ الشركة على نصف سوق التحاليل الطبية في مصر إلى تحكّمها في الأسعار بحسب الباحث الاقتصادي وائل جمال، وحرمان المعامل الصغيرة من المنافسة، إذ يقتصر دورها غالباً على إرسال العينات إلى المعامل الكبرى.

لم تترك الشركات السعودية الساحة للشركات الإماراتية وحدها. إذ استحوذت على معامل «كايرو لاب» للتحاليل الطبية الواسعة الانتشار في معظم محافظات مصر، ومراكز «تكنو سكان» للأشعة التي تمتلك بدورها 24 فرعاً في محافظات مختلفة. كما أقرّت الجمعية العمومية لشركة «بريميم هيلثكير غروب» التي يرأسها السعودي الدكتور صلاح بن زهري بغدادي، والتي عقدت في 24 كانون الأول/ديسمبر الماضي، عقود الاستحواذ على 5 شركات ومعامل مصرية بقيمة 1.4 مليار جنيه، حسبما ذكر موقع «معلومات مباشر» السعودي الالكتروني.

يرى باحثون أن توسّع الاحتكارات لم يأتِ صدفة. تستمر الحكومة المصرية في تأدية دور الوسيط الذي يخدم مصالح الشركات الكبيرة والوكلاء المحلّيين للشركات الأجنبية باعتبارها مصدراً لرفد الاستثمارات الأجنبية إلى بلد يتزايد في الطلب على العملات الأجنبية. في حين تتنافس السلاسل الكبرى بضراوة على كعكة السوق المصري بسبب ارتفاع نسبة المصابين بالأمراض المزمنة. والواقع، تحتل مصر المرتبة العاشرة عالمياً في الإصابة بمرض السكري بنسبة تصل إلى 21% بما يعادل 11 مليون نسمة، بينما يعاني 40% من البالغين بمصر من ارتفاع ضغط الدم، بجانب نحو 59 ألف مريض بالفشل الكلوي. ويبلغ عدد مرضى الربو أو حساسية الصدر في مصر نحو 9 ملايين شخص تقريباً، إلى جانب 135 ألف مريض جديد بالسرطان سنوياً، بحسب الإحصائيات الرسمية.

تتنافس السلاسل الكبرى بضراوة على كعكة السوق المصري بسبب ارتفاع نسبة المصابين بالأمراض المزمنة

ويشير مركز «الحق في الدواء»، إلى الدور المحوري الذي تقوم به مراكز الأشعة والتحاليل في عملية العلاج، وقد طالب بسنّ قوانين لحماية خدمة التحاليل الطبية في المجالات الحيوية والمهمّة.

تزيد أهمية التحالف النقابي الجديد ضد الممارسات الاحتكارية، نظراً لاعتماد المهنيين وعددهم يصل إلى حوالي 9 ملايين شخص، على أنظمة تأمينية خاصّة نظراً لتخلّي الدولة عن ضمان حق مواطنيها في العلاج. والواقع أنه تحت ذرائع واهية، تواصل الحكومات المتعاقبة التهرّب من تطبيق بنود دستور 2014، الذي يلزمها بإنفاق ما لا يقل عن 3% من إجمالي الدخل القومي على الصحة. وتشير ورقة أعدّها علاء غنام إلى أن نحو 60% من الإنفاق الكلي على الخدمة الصحية هو إنفاق مباشر من المواطنين والمواطنات. ويلفت إلى أن نظام التمويل المتبع، يحد من إتاحة الخدمة مالياً خصوصاً للفئات المهمّشة، كما أن الخدمات العلاجية متدنية المستوى في المستشفيات الحكومية المركزية أو باهظة الثمن في مستشفيات القطاع الخاص.

وعليه لا يمكن فهم سعي الحكومة إلى تحويل الصحة إلى سلعة، يحصل عليها القادرون فقط، من دون العودة إلى أفكار منظّري الليبرالية المتوحشة، التي باتت عنوان الأنظمة الرأسمالية في معظم دول العالم. فيما تعتبر محاولات توحيد نضال المهنيين، ولو أنها ليست جديدة على المستوى العربي، خطوة مهمة لاستعادة تحالف النقابات دوره المجتمعي والسياسي. ويقول نقيب الصحافيين خالد البلشي، لموقع «صفر» إن «هناك ضرورة لدخول قوى المجتمع المختلفة في مفاوضات حقيقية من أجل الوصول إلى أسعار مناسبة، وكذلك من أجل الحفاظ على منافسة حقيقية، تحمي مقدمي الخدمة كافة».

لا شك أن نجاح التحالف الثلاثي في تحقيق أهدافه  قد يفرض ضغوطاً على الحكومة لتطبيق قوانين مكافحة الاحتكار وتعزيز الرقابة على السوق، وفتح المجال لإنشاء مظلة علاجية مشتركة بين النقابات للتحرّر من استغلال الشركات. إلا أن الطريق إلى بناء تحالف اجتماعي، يضمّ نحو 25 نقابة مهنية ضدّ غول الاحتكارات المتنامي ليس مفروشاً بالورود.

قبل عام وجّه البلشي الدعوة لنقابات مهنية لتبنّي موقف موحّد إزاء حرب الإبادة الصهيونية. وقد لاقت الدعوة تأييد عدد من النقابات في بداية الحرب، وعاد سلم نقابة الصحافيين، ليعبّر ولو من بعيد عبر وقفات نادرة عن مواقف سياسية واجتماعية. لكن سرعان ما أجهض العمل النقابي المشترك الداعم لفلسطين، وهو ما يمكن أن يتكرّر تجاه التحالف الراهن في ضوء عدم استقلالية النقابات والتضييق الأمني ونفوذ الاحتكارات. وعلى الرغم من ذلك، لا يمكن للقوى الديمقراطية سوى دعم هذا التحالف الوليد، إذ يظل الحراك القاعدي هو القادر على بلورة جماعات ضغط حقيقية في المجتمع، تكافح لوقف سياسات الاحتكار والإفقار، ويمنح نضالها القوى السياسية الأمل مجدداً في إمكانية التغيير واستعادة الديمقراطية.