Preview صناعة النفط والغاز

صناعة النفط والغاز تواجه لحظة الحقيقة

«صناعة النفط والغاز تواجه لحظة الحقيقة»؛ هذا هو السطر الافتتاحي لتقرير وكالة الطاقة الدولية الأخير عن صناعة النفط والغاز العالمية في زمن التحول الطاقي: «استهلك العالم زهاء 97 مليون برميل من النفط يومياً و4150 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في 2022. وأسفر ذلك عن انبعاث ما يزيد عن 18 غيغا طن من ثاني أكسيد الكربون، أي حوالى نصف إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالطاقة».

من الواضح أننا إذا أردنا تحقيق أي استقرار مناخيّ، فلا بد من تقليص هذه الصناعة العملاقة بوتيرة سريعة، كما تلاحظ الوكالة: «تسير التغيرات الهيكلية في قطاع الطاقة اليوم بسرعة كافية لبلوغ ذروة الطلب على النفط والغاز بحلول نهاية هذا العقد في ظل أطر السياسة الحالية. بعد الذروة، ليس من المتوقع حالياً أن ينخفض الطلب بسرعة كافية ليتماشى مع اتفاق باريس وهدف 1.5 درجة مئوية. لكن إذا أوفت الحكومات بكامل تعهداتها الطاقية والمناخية، فسيكون مستوى الطلب على النفط والغاز أقل بنسبة 45% من مستواه اليوم بحلول العام 2050، وقد يقتصر ارتفاع درجات الحرارة على 1.7 درجة مئوية. وإذا نجحت الحكومات في اتباع مسار الارتفاع بمقدار 1.5 درجة مئوية، ووصول الانبعاثات من قطاع الطاقة العالمي إلى صافي الصفر بحلول منتصف القرن، فسينخفض استخدام النفط والغاز بنسبة 75% بحلول العام 2050. في سيناريو التعهدات المعلنة، ينخفض الطلب على النفط والغاز بحوالي 2% سنوياً في المتوسط حتى العام 2050 (إلى 55 مليون برميل يومياً و2400 مليار متر مكعب)، وفي سيناريو صافي الانبعاثات الصفرية، ينخفض الطلب بنسبة أكثر من 5% سنوياً في المتوسط حتى العام 2050 (إلى 24 مليون برميل يومياً و920 مليار متر مكعب)».

إذا كان هذا مستقبلنا، فالسؤال كيف ستتكيّف الصناعة؟ هل ستساهم في التحول أم ستحرفه أو حتى تقاومه؟ قد تعتقد أنّ الإجابة بسيطة. تمثّل صناعة الوقود الأحفوري عقبةً أمام المستقبل الأخضر من الواجب إزالتها. ويوجد بعض الرافضين ممن تستحق مقاومتهم العلنية لسياسات المناخ هذه النظرة البسيطة. لكن هذه ليست الطريقة الطبيعية للرأسمالية العالمية. في منتديات كمنتدى دافوس، تحب شركات الطاقة الظهور بمظهر المُشرِف المستنير على مستقبل الكوكب. وتتفاخر بالتزاماتها تجاه مشروعات الطاقة الخضراء وتقطع وعوداً بالحياد الكربوني. وإلى سياسة الغسيل الأخضر هذه يوجّه تقرير الوكالة سهامه.

تستند الوكالة إلى الدعم الحكومي وتقع في قلب مجتمع سياسات الطاقة، لذا فلا ينبغي لنا توقع ضرب من الراديكالية الجذرية. لربما زادت درجة النفاق والتنافر المعرفي عن الحد، وهذا كل ما في الأمر. على أي حال، لهجة تقرير الوكالة هذا العام كانت مباشرة بشكل لافت في انتقادها عجز صناعة النفط والغاز عن فهم حجم التحول ووتيرته.

لا بد في البداية، كما تعلق الوكالة، من تبيان تركيبة صناعة النفط والغاز. الصناعة هائلة الحجم، وتوظف 12 مليون شخص وتدر إيرادات حرة تبلغ حوالي 3.5 تريليون دولار، مقسمة بين الضرائب الحكومية (50%)، وإعادة الاستثمار (40%)، والتوزيعات (10%). في الغرب، لا سيما في الولايات المتحدة وأوروبا، نميل إلى التفكير في صناعة الطاقة على أنها مكوَّنة من «شركات النفط الكبرى». الشركات الخاصة العملاقة على شاكلة إكسون. لكن هذه وجهة نظر بالية، إذ تمتلك شركات النفط العالمية السبع الكبرى اليوم أقل من 13% من إنتاج النفط والغاز العالمية واحتياطياته. أما شركات النفط الوطنية فتستأثر بأكثر من نصف الإنتاج العالمي وزهاء 60% من احتياطيات النفط والغاز في العالم.

صناعة النفط والغاز

ومن قاعدة احتياطياتها المحدودة، توسع شركات النفط الغربية الكبرى نفوذها عبر شبكة من المشروعات المشتركة والشراكات. وتعمل هذه على تبادل الخبرات وتوزيع المخاطر. وهي تطمس الخط الفاصل بين المؤسسات العامة والخاصة في ظل اقتصاد مختلط تماماً.

صناعة النفط والغاز

إن الحصة الأكبر من الاستثمار في الصناعة ليست من الشركات الكبرى أو شركات النفط الوطنية، بل ما يسمى بالشركات المستقلة التي تقول الوكالة عنها: «تشمل مجموعة واسعة من الشركات، مثل لوك أويل، وريبسول، وأو إم في، وود سايد، والعديد من شركات أمريكا الشمالية – بما فيها شركات الغاز الصخري والنفط الخفيف – مثل أباتشي، وهس، وماراثون أويل، وبيونير ناتشورال ريسورسز، وأوكسي، والتكتلات الدولية المتنوعة التي لديها أنشطة عند المنبع، كشركة ميتسوبيشي».

كما يوضح تقرير الوكالة، فإن الغالبية العظمى من هذه الصناعة المترامية الأطراف، على الرغم من كل خطاباتها عن مستقبل الطاقة الأخضر، «تراقب تحولات الطاقة من على الهامش. فاستثمارات منتجي النفط والغاز لا تشكّل سوى 1% من إجمالي الاستثمار في الطاقة النظيفة على مستوى العالم. ويأتي أكثر من 60% من هذه النسبة من أربع شركات من أصل آلاف منتجي النفط والغاز حول العالم اليوم. وفي الوقت الحالي، صناعة النفط والغاز ككل ليست إلا قوة هامشية في تحول العالم إلى نظام الطاقة النظيفة».

إنّ حديث صناعة النفط والغاز عن مستقبل أخضر محض بروباغندا. ولكن كما تُذكِّرنا الوكالة، هذا لا يعني أنّ التحول الطاقيّ ضربٌ من الخيال. إنه يحدث. فقد تحول ميزان الاستثمار في الطاقة الجديدة عن الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة الجديدة. وكل ما في الأمر أن شركات أخرى وسياسات حكومية هي مّن تقوده، خارج قطاع الوقود الأحفوري.

«من المتوقع أن يصل إجمالي الاستثمار في الطاقة في العام 2023 إلى 2.8 تريليون دولار أميركي. ومن هذا المبلغ، سوف يُستثمَر حوالي 1.8 تريليون دولار أميركي في الطاقة النظيفة (بما فيها السيارات الكهربائية وما شابه)، و1 تريليون دولار أميركي في النفط والغاز والفحم (بما فيها أنشطة الاستخراج والتكرير والنقل والتوزيع، ومحطات توليد الكهرباء التي تستخدم أنواع الوقود هذه)».

بحلول العام 2030، في ظل سيناريو الانبعاثات الصفرية، سيكون الاستثمار في الطاقة النظيفة أكبر بعشر مرات من الاستثمار في الوقود الأحفوري. وما تريد الوكالة معرفته هو كيف تواصل صناعة النفط والغاز تبرير استثمار ما لا يقل عن 800 مليار دولار سنوياً في البنية التحتية للوقود الأحفوري اذا كانت أيامه قد اصبحت معدودة.

هكذا، إما أنّ صناعة النفط والغاز تراهن بصمت على أن تحول الطاقة لن يحدث، وأننا سنظل في ما يسمى سيناريو السياسات المعلنة الذي ينذر بكارثة على الكوكب. أو إذا افترض المرء أنّ الاتجاهات الحالية مستمرة وأنّ المصالح السياسية وغيرها من المصالح التجارية غير الأحفورية تدفع الآن تحولاً طاقويّاً حتمياً، فمن الصعب أن يتجنب المرء استنتاج أنّ عمالقة قطاع النفط والغاز يدفنون رؤوسهم في الرمال. لذا، مَن يفقد الاتصال مع الواقع ليس المدافع عن الطاقة الخضراء، بل المتمسك بالوقود الأحفوري.

صناعة النفط والغاز

وكما تعلق الوكالة، إذا كانت «التوقعات أن الطلب والأسعار يتبعان سيناريو يستند على أطر السياسة الحالية، فمن شأن ذلك تقدير قيمة شركات النفط والغاز الخاصة اليوم بحوالي 6 تريليون دولار أميركي. وإذا تحققت جميع الأهداف الوطنية المتعلقة بالطاقة والمناخ، فهذه القيمة ستكون أقل بنسبة 25%، وبنسبة 60% إذا سار العالم على المسار الصحيح للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية». عندئذٍ، ستكون خسائر شركات النفط الوطنية أكبر نسبياً بحكم امتلاكها احتياطيات أكبر.

يقود هذه الخسارات الانخفاضُ في الطلب والأسعار. في سيناريو الانبعاثات الصفرية، ينخفض سعر النفط إلى 42 دولاراً للبرميل بحلول العام 2030 و25 دولاراً بحلول 2050، وعند هذه النقطة تتكبد غالبية شركات هذه الصناعة خسائر ثقيلة.

صناعة النفط والغاز

وبطبيعة الحال، فإن التحول عن النفط والغاز إلى الطاقة المتجددة يحمل معه تكاليف ومخاطر، ومن الشائع القول إن مشروعات الطاقة الخضراء ليست «قابلة للاستثمار». بيد أنّ «العائد على رأس المال في صناعة النفط والغاز»، بحسب الوكالة، «بلغ في المتوسط نحو 6% إلى 9% بين عامي 2010 و2022، أما في مشروعات الطاقة النظيفة فقد بلغ 6%».

صناعة النفط والغاز

بمعنى أن مواصلة استثمار مئات المليارات في الطاقة الأحفورية يعرّض أصحاب المصلحة لمخاطر كبيرة مقابل مكسب فوري متواضع من ناحية العائد الآمن.

ولسد «الفجوة الإدراكية»، يستعين مديرو النفط والغاز على أنفسهم بحجج هروبية متنوعة.

ومن الحجج الشائعة أنّ بعض الاستثمارات الجديدة في الوقود الأحفوري ضرورية لتعويض الانخفاض الطبيعي في الإنتاج من حقول النفط والغاز المستنفدة وضمان استمرارية العرض. ولكن وفقاً لحسابات الوكالة فإن إجمالي الاستثمار السنوي الجديد المطلوب لغاية العام 2030 لا يزيد عن 400 مليار دولار، أي نصف المستوى الحالي. والأكيد أنه لم يعد المطلوب استثمار المزيد في اكتشاف حقول جديدة، إلّا أنّ هذا الأمر لا يزال يسير على قدم وساق.

الخلاصة أنّه بحلول العام 2050، في ظل سيناريو 1.5 درجة مئوية، سيصل الاستهلاك العالمي من النفط إلى 24 مليون برميل يومياً، أي قرابة ربع المستوى الحالي. ويذهب معظمه إلى البتروكيماويات بدلاً من الاحتراق. وسيكون هناك أيضاً طلب على 920 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، نصفها تقريباً لإنتاج الهيدروجين. وبدلاً من النظر إلى ذلك بوصفه إشارة واضحة إلى الحاجة إلى الاستعداد لانكماش كبير، «يقول العديد من المنتجين إنهم هم الذين سيواصلون الإنتاج خلال الفترات الانتقالية وما بعدها». ولكن كما تشير الوكالة: «لا يمكن لجميع هؤلاء أن يكونوا مصيبين. فليس بإمكان كل المنتجين أن يكونوا الصامد الأخير».

صناعة النفط والغاز

ما سيحدد توازن العرض المستقبلي ليس إلا التكاليف، وهذا في صالح المنتجين الأقل كلفة في الشرق الأوسط. فالطاقة في الشرق الأوسط ليست أرخص فحسب، بل أنظف في الإنتاج أيضاً. لذا يبدو مستقبل المنتجين الملوّثين وأصحاب الكلفة العالية في بقية العالم قاتماً، إلا لو تدخلت أولويات الأمن القومي أو غيرها من المخاوف غير الاقتصادية.

وإذا لم تتدخل هذه العوامل، فإن مسار الانبعاثات الصفرية يتوقع انكماشاً بنسبة 80% في إنتاج النفط في الولايات المتحدة وأوراسيا، مقارنة بانخفاض بنسبة 50% إلى 60% في الشرق الأوسط. وحتى في الشرق الأوسط، إذا سادت قوى السوق، فلن يتمكن من البقاء سوى أقوى المنتجين - السعوديين والإماراتيين والقطريين.

صناعة النفط والغاز

ومن المرجح حدوث نفس الانكماش غير المتكافئ في صناعة الغاز العالمية، فتعاني صناعة أميركا الشمالية المفرطة في توسعها من انخفاض كبير. وبافتراض تنفيذ سياسات المناخ والطاقة المعلنة أو اتباع مسار الانبعاثات الصفرية، ستكون هناك قدرة فائضة كبيرة جداً في الغاز الطبيعي المسال على أبعد تقدير بحلول منتصف ثلاثينيات القرن الحالي، أو على الأرجح في وقت أقرب.

صناعة النفط والغاز

والمشروعات التي ستتضرر أكثر من غيرها هي سلسلة القدرات الجديدة المعلنة مؤخراً في مجال الغاز الطبيعي المسال، ولا سيما في إفريقيا. فتكاليفها أعلى بكثير من الأسعار التي تتوقعها وكالة الطاقة الدولية للغاز الطبيعي المسال بحلول ثلاثينيات القرن الحالي. وكما توضِح الوكالة، فإن المنتجين أصحاب الدخل المنخفض والكلفة المرتفعة، كالموزمبيق في مجال الغاز أو أنغولا ونيجيريا في مجال النفط، لا مستقبل لهم كمنتجٍ رئيسٍ للوقود الأحفوري، إلا إذا مُنِحَوا أفضلية خاصة في سياق عملية الانكماش.

صناعة النفط والغاز

لا تستند اليوم معارضة استحداث مشروعات الغاز في إفريقيا إلى حجة الأثر المناخي. إذ لو وُضِعَت في مرحلة الإنتاج الكامل، فإنها بحسب تقديرات الوكالة لن تزيد حصة إفريقيا من الانبعاثات التراكمية إلا بنصف نقطة من 3% إلى 3.5%. إنما تستند إلى أنها لن تكون ناجعة اقتصادياً، على خلفية التحول العالمي عن الوقود الأحفوري، وستشكّل عبئاً كبيراً على الحكومات الوطنية التي تدعمها.

وهذا السيناريو المستقبلي هو ما ترفض صناعة النفط والغاز مواجهته باستثماراتها السنوية البالغة 800 مليار دولار. وهذه ليست تصورات الناشطين البيئيين الطوباويين، بل هي السياسات المعلنة للحكومات الوطنية في مختلف أنحاء العالم وأفضل تخمين بشأن ما يجب القيام به لتحقيق استقرار المناخ. وسواء حققنا هدف الانبعاثات الصفرية أم لا، فما من شك أنّ الطلب على النفط والغاز سوف ينخفض وأنّ الصناعة لا تتكيف مع هذه الحقيقة البسيطة.

قد يوجد مستقبل لرأس المال والخبرة اللذين تسيطر عليهما شركات النفط والغاز في تقنيات الطاقة النظيفة في المستقبل، ولا سيما في «الهيدروجين والوقود الهيدروجيني والتقاط الكربون واستخدامه وتخزينه والرياح البحرية والوقود الحيوي السائل والميثان الحيوي والطاقة الحرارية الأرضية». لكن المال صاحب كلمة. إذا كانت تلك الشركات جادة بشأن تلك البدائل، فإنّ استثمار صناعة النفط والغاز في الطاقة النظيفة يجب أن يرتفع من حوالي 20 مليار دولار أميركي في العام 2022، أو حوالي 2.5٪ من الإنفاق الرأسمالي القطاعي، إلى 50٪ من الإنفاق الرأسمالي بحلول العام 2030، أي إلى مئات مليارات الدولارات سنوياً.

وكما توضح الوكالة، فإن الشركات التي تختار عدم المشاركة في الانتقال، تحتاج إلى التخلي عن افتراض «العمل كالمعتاد» والبدء في تقليص أنشطتها في مجال النفط والغاز، ودفع أرباح الأسهم والسماح للمساهمين بإعادة تخصيص رأس المال في أماكن أخرى.

أحد السيناريوهات التي لا ينبغي لصناعة الوقود الأحفوري أن تريح نفسها بها، بحسب الوكالة، هو فكرة أنّ التقاط كميات ضخمة من الكربون سيسمح باستمرار الصناعة الحالية أو حتى توسيعها.

«إذا كان لاستهلاك النفط والغاز الطبيعي النمو حسب المتوقع في ظل أطر السياسة الحالية، فسيتطلب هذا التقاط 32 مليار طن من الكربون لاستخدامه أو تخزينه بحلول العام 2050، بما في ذلك 23 مليار طن عن طريق الالتقاط المباشر من الهواء للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية. سوف تتطلب تقنيات التقاط الكربون الضرورية 26000 تيراواط ساعي من توليد الكهرباء لتشغيلها في العام 2050، وهو أكثر من الطلب العالمي على الكهرباء في العام 2022. وسوف يتطلب الأمر أكثر من 3.5 تريليون دولار أميركي من الاستثمارات السنوية من اليوم وحتى منتصف القرن، وهو مبلغ يساوي متوسط الإيرادات السنوية للصناعة بأكملها في السنوات الأخيرة».

بالنظر إلى الاعتماد الشديد للصناعة على أوهام التقاط الكربون، فإن هذا التصريح من الوكالة قوي ومهم.

وبالعموم، ترسم الوكالة صورةً «لرحلة متقلبة ووعرة». وتزداد أهمية هذا الأمر بالنظر إلى التحول المستمر في موازين الاقتصاد العالمي واستهلاك الطاقة: «إن آثار أي اضطرابات مادية في الإمدادات محسوسة بقوة في الاقتصادات الناشئة والنامية في آسيا التي ترتفع حصتها من واردات النفط الخام العالمية من 40% اليوم إلى 60% في العام 2050 في سيناريو يلبي الأهداف الوطنية للطاقة والمناخ. ومن ناحية العرض، فحتى مع تراجع الطلب الإجمالي، يمارس الشرق الأوسط دوراً كبيراً في الأسواق العالمية كمنتج منخفض الكلفة لكل من النفط والغاز».

بالمجمل يجب النظر إلى تقرير الوكالة كدعوة للصناعة بأكملها خارج قلب الشرق الأوسط إلى الاستيقاظ. إن استمرار نمو المعروض في آسيا سيوفر أسواقاً مستقبلية للمنتجين الأقل كلفة في الشرق الأوسط. لكن أي مستقبل ينتظر مجموعة كبيرة من الشركات المستقلة التي تضخ مئات المليارات من الدولارات في قدراتٍ جديدة خارج محور الشرق الأوسط وآسيا؟

توقيت التقرير لم يكن مصادفة، إذ تستضيف دولة الإمارات العربية المتحدة مؤتمر قمة المناخ 28، ورئيس مؤسستها النفطية الوطنية، أحمد الجابر، يرأس مؤتمر المناخ العالمي، وهو أول رئيس تنفيذي يشغل هذا المنصب. ولا شك أنّ القمة ستشهد مطالبات جريئة بالشراكة مع القطاع الخاص. ويكشف التقرير المفيد الصادر عن وكالة الطاقة الدولية الوهم القائل بأنّ صناعة النفط والغاز تمارس دوراً رئيساً في التحول حتى الآن، ويقدم لنا معايير يمكن من خلالها تقييم التطورات على مدى السنوات المقبلة.

نشر هذا المقال على مدونة أدم توز في 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2023.

علاء بريك هنيدي

مترجم، حاصل على ماجستير في المحاسبة، وشارك في تأسيس صحيفة المتلمِّس. صدر له ترجمة كتاب ديفيد هارفي «مدخل إلى رأس المال» عن دار فواصل السورية، وكتاب جوزيف ضاهر «الاقتصاد السياسي لحزب الله اللبناني» عن دار صفصافة المصرية، وكتاب بيتر درَكر «الابتكار وريادك الأعمال» عن دار رف السعودية، وكانت أولى ترجماته مجموعة مقالات لفلاديمير لينين عن ليف تولستوي صدرت ضمن كراس عن دار أروقة اليمنية. كما نشر ترجمات عدّة مع مواقع صحافية عربية منها مدى مصر، وإضاءات، وذات مصر، وأوان ميديا.