
سيناريوهات الحرب في أسواق النّفط والغاز العالمية
أدخلت إسرائيل وإيران منشآت النّفط والغاز إلى قائمة الأهداف العسكرية لكل منهما. إلا أن أسعار النّفط لم تسجّل قفزات كبيرة منذ بدء العدوان الإسرائيلي يوم الجمعة الماضي. وحتى الآن، ارتفعت الأسعار العالمية بنسبة 8% لتلامس 75 دولاراً للبرميل، في ظل توقعات أن تبقى تذبذبات الأسعار ضمن هوامش مضبوطة، ما لم تقدم إسرائيل أو إيران على توسيع نطاق استهداف المنشآت النفطية لتعطيل الإنتاج والتكرير والتصدير ومنصّات إنتاج الغاز وإقفال المعابر الحيوية لنقل النفط والغاز، ولا سيما مضيق هرمز.
المنشآت المستهدفة في الأيام الماضية
استهدفت إسرائيل حتى الآن بعض منشآت النفط والغاز في إيران، ذات الاهمية للطلب المحلي. وقد تركّزت هذه الاستهدافات على 4 منشآت أساسية. وقد أعلنت وزارة النفط الإيرانية يوم السبت الماضي أن إسرائيل ضربت خزّان وقود رئيسي في منشأة «شهران» للنفط شمال غربي العاصمة طهران، ومخزناً آخر للوقود بالقرب من مصفاة في جنوب طهران، كما استهدفت إسرائيل واحدة من المصافي الأربع للغاز في المرحلة 14 من حقل بارس الجنوبي، وهو أكبر حقل للغاز في العالم وتتقاسمه إيران مع قطر، ما أدّى إلى تعليق العمل في هذه المنشأة جزئيّاً وتعليق إنتاج نحو 12 مليون متر مكعب في اليوم للاستهلاك المحلي. بالإضافة إلى ذلك، تمّ استهداف منشأة «فجر جام» للغاز، وهي أكبر منشآت المعالجة في إيران وتقع في محافظة بوشهر، وتعالج الوقود من حقل بارس الجنوبي. يُذكر أن حوالي 95% من إنتاج الغاز في إيران يستخدم في الدّاخل لإنتاج الكهرباء والصناعات المحليّة.
سارعت إيران إلى الردّ على هذه الاعتداءات، فاستهدفت أوّلاً خطوط أنابيب في حيفا شمالي فلسطين المحتلة عصر الأحد، حيث أعلنت شركة مصافي النفط الإسرائيلية تضرّر خطوط أنابيب جراء الضربات الصاروخية الإيرانية. أمّا ليلاً، فتمّ قصف مصفاة حيفا الواقعة في مجمّع «بازان»، ما استدعى إغلاق بعض المرافق فيها. وكانت الحكومة الإسرائيلية قد اتخذت إجراءات احتياطية قضت بوقف الإنتاج من حقلي «كاريش» و«ليفياتان» مع بدء العدوان، وذلك خوفاً من استهدافها.
على الرّغم من هذه الاستهدافات، لم تتأثر الصادرات من النفط حتى الآن، في حين تأثرت صادرات الغاز الإسرائيلي إلى الأردن ومصر تحديداً. إلّا أن هذا الوضع قد يتغيّر في ضوء السيناريوهات المتداولة لتوسع الحرب، وفي مقدمها وجود مخاطر عالية إذا أسفرت الحرب عن إغلاق مضيق هرمز. ما هي هذه السيناريوهات؟
السيناريو الأول: مسار الحرب الحالي
في حال بقاء الأمور على ما هي عليه اليوم من حيث استهداف المرافق الحيوية المرتبطة بصناعة النفط والغاز في كلّ من إيران وإسرائيل من دون أن يؤدّي ذلك إلى قطع الإمدادات أو حجب كميّات كبيرة من الصادرات عن الأسواق، فمن المتوقّع أن تبقى الأسعار ضمن المستويات التي وصلت إليها في اليومين الأخيرين، مع إمكانيّة وصولها إلى سقف 80 دولاراً للبرميل.
في الواقع، يُتوقّع أن يكون هدف العمليّات الإسرائيلية من ضمن هذا السيناريو هو زيادة الضغط على الداخل الإيراني وإحداث الضرر على إمدادات الكهرباء والوقود المحليّة في إيران، وخصوصاً في المحافظات الجنوبية والوسطى التي تعاني أصلاً من ضغوط هائلة. كما يهدف استهداف هذه المنشآت إلى تجفيف استخدام الوقود للأغراض العسكريّة.
السيناريو الثاني: استهداف مصافي الإنتاج والتصدير الإيرانيّة ومنصات الغاز الإسرائيليّة
أمّا في حال تدحرج الأمور عسكرياً، واستهداف مصافي إنتاج وتكرير وتصدير النّفط في إيران (كجزيرة خرج مثلاً)، فانّ ذلك سيؤدّي إلى فقدان بعض إمدادات النفط الإيرانية، وإيقاف الصادرات التي تبلغ حوالي 1,6 مليون برميل في اليوم، والتي تذهب بمجملها إلى الصين. يُتوقّع أن ينعكس ذلك ولو جزئيّاً على العرض العالمي، وفي حال بقاء إنتاج تحالف أوبك+ على ما هو عليه اليوم، فمن المرجّح أن تقتصر ارتفاعات الأسعار على هامش 5-10 دولارات للبرميل، أي أن يصل هذا الأخير بشكل تدريجي إلى سقف يقلّ أو يلامس 90 دولاراً، ما يصبّ في مصلحة اقتصادات دول الخليج المصدّرة للنفط.
كذلك، إنّ استهداف منصات الغاز الاسرائيلية، مثل «كاريش» و«ليفياتان»، والتي تُستخدم لتصدير الغاز إلى مصر والأردن، سيكون له آثار طويلة الأمد على أسواق الغاز في المنطقة، التي ارتفعت عقودها بحوالي 5% منذ يوم الجمعة.
السيناريو الثالث: إغلاق مضيقي هرمز وباب المندب
السيناريو الأسوأ لدى محللي الأسواق يتعلّق بلجوء إيران إلى إقفال مضيق هرمز أمام ناقلات النّفط. اذ يُعتبر المضيق النقطة الأكثر حساسية التي قد تستخدمها طهران، ويمرّ عبره حوالي خُمس مجمل الاستهلاك العالمي للنفط، أو ما يعادل نحو 20 مليون برميل يومياً من النفط والوقود.
في حال حصول ذلك، تصبح إمكانية تخطّي برميل النّفط عتبة 100 دولار واردة وأكثر ترجيحاً، إذ سيستغرق الأسواق وقتاً للتعويض عن هذه الكميّات الكبيرة. في هذا الإطار، توقّع مصرف JP Morgan في تقرير نشره قبل يوم واحد من اندلاع العدوان الإسرائيلي على ايران ارتفاع الأسعار إلى ما بين 120 و130 دولاراً للبرميل، في حال استخدام ايران لورقة المضيق. لا بدّ من الإشارة هنا أن إقفال مضيق هرمز مع مضيق باب المندب سيكون له تأثيرات بالغة على سلاسل التوريد العالمية التي تتعرض لضغوط شديدة اصلا بسبب الحروب التجارية التي تشنّها الولايات المتحدة وسيعقّد اوضاع الاقتصاد العالمي أكثر.
دورٌ ما لتحالف أوبك+؟
في ظلّ أجواء عدم اليقين، والتي من المتوقّع أن تستمرّ في الأيام والأسابيع المقبلة مع تفاقم المخاطر الجيوسياسيّة، برز سؤالٌ مركزي حول التوقيت الذي قرّر فيه تحالف «أوبك+» (وتحديداً مجموعة الدّول الثمانية السعودية، روسيا، العراق، الإمارات، الكويت، كازاخستان، الجزائر، وعمان) المضي قدماً بالعودة التدريجية لزيادة الإنتاج بحوالي 2,2 مليون برميل يوميًا بدءاً من الأول من نيسان/ابريل الماضي. فقد ضخّ التحالف حتى اليوم حوالي مليون برميل إضافي في الأسواق. وفي حين كان يتمّ ربط القرار بحالة الأسواق الحاليّة ومحاولة التماهي مع طلبات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأسعار نفط منخفضة، خلقت إمدادات «أوبك+» مساحة واسعة لامتصاص بعض الاضطرابات في الأسواق نتيجة الهجوم الإسرائيلي على إيران، وتعويض الكميّات التي قد يتمّ خسارتها.