
عدوان إسرائيلي على موسم الزيتون أيضاً
في مثل هذا الوقت من العام الماضي، كانت الحرب لا تزال في بدايتها ما أتاح للمزارعين في القرى اللبنانية الحدودية قطف ما أمكن من ثمار الزيتون مع بدء موسم القطاف، ومن ثم عصره. أما هذه السنة، «فقد تغيّر الوضع ونحن غير قادرين على قطاف الموسم»، بحسب فادي مرقص، أحد أبناء بلدة دير ميماس الحدودية، الذي يضيف: «لقد اقتلعنا الأعشاب من كروم الزيتون لتقليص احتمالات اشتعال النار فيها، وفعلنا ما بوسعنا لحمايتها من احتمالات الأذى كفحص التربة والتأكّد من سلامة المحصول بعد استخدام الفوسفور، ولكننا لا نعلم إن كنّا سنقطف كرومنا قبل أن ينتهي الموسم وتُتلف الثمار». والحال في بلدة دير ميماس يشبه حال مالكي بساتين الزيتون في محافظة النبطية، خصوصاً أن 85% من الأراضي المزروعة في هذه المحافظة مزروعة بالزيتون، وتشكّل 21% من مجمل زراعة الزيتون في لبنان.
زراعة الزيتون مورد رزق إضافي للأسر في النبطية
تعتمد الأسر في محافظة النبطية بشكل أساسي على زراعة الزيتون كمورد إضافي سنوي يساهم في تخفيف تكاليف المعيشة الباهظة في لبنان. يعطي فادي مثالاً عن بلدته دير ميماس مشيراً إلى أن «أقل أسرة من دير ميماس تنتج ما بين 20 إلى 30 تنكة زيت زيتون»، بقيمة إجمالية تصل إلى حوالي 4 آلاف دولار سنوياً.
وبحسب الإحصاء الزراعي الشامل (2010)، يصل معدّل عدد أفراد الأسرة إلى 5 أفراد لكلّ حيازة زراعية في لبنان. وتسجّل النسبة الأعلى من العمالة العائلية الدائمة في الزراعة في محافظة النبطية، بمعدل 1.8 فرد لكل أسرة، في حين تصل العمالة العائلية المؤقتة إلى فردين من كلّ أسرة.
ومن المتوقّع أن تكون معدلات العمالة العائلية الدائمة في الزراعة قد ارتفعت أكثر بكثير عما ورد في إحصاء العام 2010، إذ تقدّر الدولية للمعلومات أن عدد الذين عادوا إلى قراهم واستقرّوا فيها بعد انهيار العام 2019 وتفشّي جائحة كورونا يتراوح ما بين 55 ألف و77 ألف مواطن، وقد تحوّل هؤلاء إلى العمل في مجالات الزراعة والصناعات الخفيفة.
مزارعو الجنوب يخسرون كلفة الإنتاج والمحصول
يعبّر سليم طحطح في حديث مع موقع «صفر» عن حال هؤلاء المزارعين الدائمين في محافظة النبطية، ويقول: «ما باليد حيلة، لقد خسرنا كل شيء». كان الزيتون يعد بموسم وفير في القرى الممتدة من بلدات العرقوب حتى العديسة والطيبة ورب ثلاثين مروراً بالقليعة وبرج الملوك ودير ميماس، ولكن «الرزق بيشمت بصحابه» كما يقول سليم.
ولا تقتصر الخسارة على ضياع المحصول بل أيضاً على أكلاف الإنتاج، إذ يكلّف الدونم الواحد قرابة 100 دولار أميركي، تشمل الفلاحة والتشحيل والتسميد. ويستحوذ الجنوب والنبطية على 36% من إنتاج زيت الزيتون في البلاد، التي تقدّر بأكثر من 139,128 دونم وفق إحصاء 2010.
إن منع الاحتلال الإسرائيلي للمزارعين في الجنوب من قطاف موسم الزيتون وإعادة زراعته بسبب الأعمال العدوانية، يعيد هذا القطاع حوالي عقد كامل إلى الوراء. ففي العام 2015، بلغ إنتاج زيت الزيتون نحو 21 ألف طن، وهو يزداد بشكل مستمرّ بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 6.5% منذ العام 2011. ما يعني أن إنتاج الزيت هذا العام كان من المتوقع أن يصل إلى حوالي 37 ألف طن، ضمنهم أكثر من 13 ألف طن كان من المفترض أن تنتجهم محافظتي الجنوب والنبطية.
وفي وقت تشكّل خسارة المواسم الزراعية، لاسيما موسم الزيتون، أحد الآثار المباشرة للعدوان الإسرائيلي على لبنان، تستمرّ الإدارة الحكومية اللبنانية في التصرّف وكأنها غير معنية بالقطاع ولا بالعمّال الزراعيين، سواء الذين امتهنوا الزراعة قبل انفجار الأزمة الاقتصادية والمالية في العام 2019 أو بعدها.