ما أثر تخفيض الفيدرالي الأميركي لسعر الفائدة على الاقتصاد العالمي؟
في يوم الأربعاء 19 أيلول/سبتمبر 2024، خفّض مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سعر الفائدة نصف نقطة مئوية، لتراوح الآن بين 4.75% و5%، علماً أن المرة الأخيرة التي خفّض فيها المجلس أسعار الفائدة بهذا المقدار كان في العام 2008 أثناء الأزمة المالية العالمية، طبعاً باستثناء تخفيضات أسعار الفائدة الطارئة في خلال جائحة كوفيد-19.
في الأيام التي سبقت القرار، انقسم المحِّللون بشأن ما إذا كان الفيدرالي الأميركي سوف يعلن عن خفض بنسبة 0.25 نقطة مئوية أو سيذهب إلى خفض أكبر وأكثر غرابة بنسبة 0.5 نقطة مئوية. اختار الفيدرالي الأميركي الخيار الأخير في خطوة أدهشت كثيرين، وهدفت أن تريح الأسر والشركات التي تعاني من ضغوط في ظل معدّلات الفوائد المرتفعة، وجاءت في ضوء التقدّم المُحرز في مجال التضخّم، وفي محاولة لتجنّب التباطؤ في سوق العمل.
ما العلاقة بين أسعار الفائدة والتضخّم وسوق العمل؟
يمكن تخيّل أسعار الفائدة كتكلفة لاقتراض المال، عندما تخفِّض الحكومة أسعار الفائدة، يعني هذا أن اقتراض الما للاستثمار أو حتى لشراء منزل أو سيّارة قد أصبح أرخص، ما يشجّع الناس والمستثمرين على إنفاق المزيد، ويحفّز بالتالي الاقتصاد ويخلق فرص العمل. لكن، إذا أنفق الناس أكثر من اللازم، فقد يؤدي ذلك إلى تضخّم الأسعار، لذا يجب على الحكومة الموازنة بعناية بين الحاجة إلى تحفيز الاقتصاد وخلق فرص عمل من جهة، والسيطرة على التضخّم من جهة أخرى.
من هنا، كان اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي في أيلول/سبتمبر الحالي أحد أكثر الاجتماعات المنتظرة هذا العام. صحيح أن التضخّم بدأ في التراجع نحو مستوياته المعتادة، لكن الفدرالي الأميركي يواجه ضغوطاً لكي يقلِّص أسعار الفائدة المرتفعة، وذلك لمنع استمرار التباطؤ في سوق العمل. وبحسب البيانات الأخيرة، تباطأ معدّل التضخّم في الولايات المتّحدة إلى 2.5%، وأضيفت 142 ألف وظيفة إلى الاقتصاد الأميركي في الشهر الماضي، ولو أنها أقل من متوسط الزيادة البالغة 163 ألف وظيفة التي توقّعها خبراء الاقتصاد الذين استطلعت آراءهم «بلومبرغ»، علماً أن وزارة العمل خفّضت أرقامها لعدد الموظّفين الجُدد لشهري حزيران/يونيو وتموز/يوليو بمقدار 86 ألف وظيفة، وهي علامة أخرى على أن طفرة التوظيف الملحوظة بعد الوباء آخذة في الضعف.
يشير قرار المسؤولين في الاحتياطي الفدرالي إلى أنهم يحاولون تخفيف الضغط على الاقتصاد بشكل استباقي ومنع سوق العمل من التباطؤ أكثر، وبحسب البنك الاحتياطي الفدرالي: «اكتسبت اللجنة ثقة أكبر في أن التضخّم يتحرّك بشكل مستدام نحو 2%، وترى أن المخاطر التي تهدِّد تحقيق أهدافها في مجال التوظيف والتضخّم أصبحت متوازنة تقريباً».
بالطبع سوف يتأثّر الأميركيون بشكل مباشر بالتغيير الجديد في أسعار الفائدة، بل سوف يطال التأثير جميع الناس في أنحاء العالم، فسعر الإقراض الرئيسي الذي يحدِّده بنك الاحتياطي الفيدرالي، أي ما يفرضه على المصارف مقابل الاقتراض منه، سوف يحدِّد الأساس لما تفرضه الشركات على الناس في الولايات المتّحدة في مقابل القروض، مثل الرهن العقاري، أو أرصدة بطاقات الائتمان غير المدفوعة، وغيرها من أسعار الادخار.
من جهة الأخرى، فإن المصارف المركزية التي ترتبط عملاتها بالدولار، كما في هونغ كونغ والكثير من دول الخليج، غالباً ما تربط قراراتها بشأن أسعار الفائدة بالاحتياطي الفيدرالي الأميركي، وبالتالي فإن المقترضين في تلك البلدان سوف يرون أيضا تأثيراً. اليوم المصارف في منطقة اليورو وبريطانيا وكندا والمكسيك وسويسرا والسويد خفّضت جميعها أسعار الفائدة بالفعل. وأكد الكثير من صنّاع السياسات أنهم كانوا على استعداد لاستباق قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي الذي يُنظر إليه عادة على أنه الزعيم العالمي للمصارف المركزية.
بالنسبة إلى الكثير من الأشخاص خارج الولايات المتّحدة الذين يستثمرون في سوق الأسهم الأميركية، فإن خفض أسعار الفائدة من المرجّح أن يكون خبراً جيّداً. تساهم أسعار الفائدة المنخفضة في تعزيز أسعار الأسهم، وبالتالي يصبح بإمكان الشركات اقتراض الديون في مقابل أموال أقل وجعل استثماراتها أكثر ربحية. من الناحية الأخرى، فإن الأسواق في البلدان الناشئة سوف تتأثر أيضاً لأن الكثير من قروضها تتمّ بالدولار، وبالتالي يتعيّن عليها سداد الفائدة وأصل الدين بالدولار، وإذا تغيّرت أسعار الفائدة في الولايات المتّحدة، تتغيّر كل تكاليف الاقتراض.
سوف يؤثر قرار البنك المركزي الأول في العالم على أسعار الأصول العالمية بكل تأكيد، بما في ذلك الذهب، الذي سجّل أعلى مستوى قياسي هذا الأسبوع بعد توقّعات استبقت تخفيض الفائدة من جانب البنك المركزي الأميركي. يُنظر عموماً إلى أسعار الفائدة المرتفعة على أنها عبء على الذهب لأنها تجعل استثمارات كالسندات، أكثر جاذبية، على الرغم من أن هذا لم يكن الحال دائماً. بالإضافة إلى ذلك، غالباً ما يتلقّى النفط وغيره من السلع التي تسعّر بالدولار دفعة مع خفض أسعار الفائدة، ويمكن لانخفاض تكلفة الاقتراض أن تؤدي إلى تحفيز الاقتصاد وزيادة الطلب على هذه الأصول.