تداعيات الانهيارات الجديدة للبنوك الأميركية

إن الانهيار المتتالي والسريع لبنكي سيليكون فالي وسيغنتشر، ثاني وثالث أكبر البنوك المنهارة في تاريخ الولايات المتحدة، يثبت بما لا يدع مجالاً للشك الطابع المدمّر لسياسات التحفيز الأميركية، التي أُطلِقَتْ في سياق السعي لمعالجة التداعيات الاقتصادية لوباء كوفيد-19. من حزم التحفيز الباطلة إلى انهيار البنكين الأميركيين، يبدو أن الاتجاه يسير في الواقع في طريق مستقيم. وبالتالي، فهو يحتم على جميع الدوائر في الصين أن تعي خطأ هذه السياسات، وهو أمرٌ لا مفرّ منه، لأن بعض وسائل الإعلام في الصين، للأسف، دعمت حزم التحفيز الخاطئة التي جرى إطلاقها في الولايات المتحدة، واقترحت على الصين نسخها.

لقد أخضعتُ حزم التحفيز الأميركية الخاطئة للتحليل المطوّل في مقالتي في Guancha، ولذلك، لن أكرّر كل التفاصيل التي أوردتها فيها هنا. سوف تُركز المقالة الحالية على الروابط بين الانهيار الملموس للبنوك الأميركية والأخطاء في السياسة الاقتصادية الأميركية. كما سوف تفسِّر مفارقة ظاهرة: لماذا انهار هذان البنكان على الرغم من مشاركتهما في ما يعدّ الأكثر أمناً من بين جميع الأصول المالية وهي سندات الخزانة الأميركية، وواحدة من أكثر الأدوات المالية خطورة وهي العملات المُشفّرة.

الدعاية الأميركية مقارنةً بالواقع الاقتصادي الأميركي

ادّعت الولايات المتحدة مؤخّراً أن اقتصادها يعمل بشكل جيّد، وأن حزم التحفيز التي أطلقتها بالتزامن مع كوفيد-19 أحرزت نجاحاً كبيراً. عقد الرئيس بايدن المؤتمرات الصحافية لتقديم هذه المزاعم. لكن، كلّ من يتابع المال، وليس الكلمات، كان يعلم أن الأمر ليس صحيحاً. بالإضافة إلى الاتجاهات الهيكلية السلبية الكامنة في الاقتصاد الأميركي، كانت الأسواق المالية ترسل إشارات واضحة للغاية عن المشاكل الاقتصادية.

بالإضافة إلى الاتجاهات الهيكلية السلبية الكامنة في الاقتصاد الأميركي، كانت الأسواق المالية ترسل إشارات واضحة للغاية عن المشاكل الاقتصادية.وأكثر هذه الأمور جوهرية يتمثّل في ما قد يبدو مسألة فنّية للغاية، ولكنه في الواقع على درجةٍ كبيرة من الأهمية، بحيث يجدر بغير الاقتصاديين فهمها لأسبابٍ يمكن تفسيرها بإيجاز. سيكتشف القرّاء بسرعة لماذا تنطوي هذه المشكلات، التي تبدو فنية، على تبعاتٍ عمليةٍ بالغة الشدّة. وتكمن هذه المسألة بانقلاب منحنى العائد في الولايات المتحدة، ممّا يعني خلق وضع تصبح فيه أسعار الفائدة على السندات الأميركية طويلة الأجل أقل من مثيلتها على السندات قصيرة الأجل. ويعدُّ هذا حدثاً نادراً للغاية، فعلى امتداد السنوات الأربعين الماضية لم يحصل ذلك سوى أربع مرات فقط، وهو أحد أوضح المؤشرات وأكثرها موثوقية على المشاكل الخطيرة في الاقتصاد الأميركي.  

يوضح الشكل (1) على المدى الطويل العلاقة بين أسعار الفائدة على السندات الأميركية طويلة الأجل لمدة 10 سنوات، والسندات قصيرة الأجل لمدة عامين، أي أنه يوضح مدى اختلاف أسعار الفائدة. وكما يتضح، أنه دائماً ما تكون أسعار الفائدة طويلة الأجل في الولايات المتحدة أعلى من أسعار الفائدة قصيرة الأجل.

john-ross

عندما انعكس منحنى العائد في العام 1989، أعقب ذلك ركود في العام 1990. وعندما انعكس منحنى العائد في العام 2000، كان مصحوباً بانهيار حادّ في سعر سهم dot com وانكماش حادّ في الاقتصاد الأميركي. وتبع انعكاس منحنى العائد في العام 2006 انهيار سوق القروض العقارية العالية المخاطر في الولايات المتحدة، والأزمة المالية لعام 2008، والركود الاقتصادي الحادّ في الولايات المتحدة.

وهكذا، فإن ما يبرز للعيان ليس ندرة مؤشر انعكاس منحنى العائد فحسب، بل موثوقيته أيضاً. بمعنى أنه لا توجد حالات ينقلب فيها منحنى العائد من دون أن يتبع ذلك أزمة كبيرة. ولأنه مؤشر موثوق، ولطالما كان تتبعه تبعات اقتصادية وخيمة، فإنه يقتضي حتى من غير الاقتصاديين إيلاء اهتمام كبير لهذه المسألة.

لذلك، عندما انعكس منحنى العائد في الولايات المتحدة في تموز/ يوليو 2022، كانت تلك إشارة صارخة إلى أن المشاكل الخطيرة تتطور في الاقتصاد الأميركي. علاوة على ذلك، استمر هذا الانقلاب حتى وصل إلى ذروته عند -1.09% في 8 آذار/مارس 2023. ممّا أشار بوضوح إلى وجود مشكلة خطيرة، وبالتالي فإن جميع الادعاءات بأن كل شيء في الاقتصاد الأميركي يسير على ما يرام كانت خاطئة.

من انعكاس منحنى العائد إلى أزمة البنوك الأميركية

أدّت الآليّات التي دفعت هذا الانعكاس في منحنى العائد مباشرة إلى أزمات في كلٍ من سوق سندات الخزانة والعملات المشفرة، ومن خلالها انهار البنك.

يُظهر الجدول الزمني بوضوح أن التضخّم كان ناتجاً عن السياسة الاقتصادية الأميركية وليس عن حرب أوكرانيا، التي لم تندلع حتى شباط/ فبراير 2022في سياق السعي إلى التعامل مع التداعيات الاقتصادية لوباء كوفيد-19، أطلقت الولايات المتحدة برامج تحفيز كبيرة تركّز على المستهلك. وبما أن الاستهلاك، بحكم التعريف، ليس مدخلاً في الإنتاج، فهذا يعني أن جانب الطلب في الاقتصاد الأميركي قد تلقى دفعة هائلة، في حين أن جانب العرض لم يشهد زيادة مباشرة.  كان التضخم السريع هو النتيجة المحتومة للزيادة الهائلة في الطلب دون العرض. 

سعياً لخلق الحافز الاستهلاكي، زادت الحكومة الأميركية من اقتراضها بنسبة غير عادية قدرها 26% من الناتج المحلي الإجمالي في عام واحد. تم تسخير معظم هذه الأموال لتحفيز الاستهلاك، أي الطلب، والقليل منها لزيادة الاستثمار، أي العرض والطلب على حدٍّ سواء. في الوقت نفسه، زاد المعروض النقدي الواسع في الولايات المتحدة بنسبة 26% في عام واحد. وكانت النتيجة، أنه بين الربع الرابع من العام 2019، أي قبل الجائحة مباشرة، وحتى الربع الرابع من العام 2022، وهي أحدث البيانات المتاحة، ارتفع الاستهلاك الأميركي بمقدار كبير، وبلغ 3,769 مليار دولار، لكن صافي الاستثمار الأميركي، مع مراعاة الاستهلاك، انخفض بمقدار 93 مليار دولار. وأدّى ذلك إلى زيادة حادة في الطلب (الاستهلاك) من دون زيادة في العرض (الاستثمار).

نتيجة لذلك، بدأ التضخّم الأميركي في الارتفاع بسرعة، حيث ارتفع من 0.1% في أيار/ مايو 2020 إلى 7.5% في كانون الثاني/ يناير 2022. يُظهر الجدول الزمني بوضوح أن التضخّم كان ناتجاً عن السياسة الاقتصادية الأميركية وليس عن حرب أوكرانيا، التي لم تندلع حتى شباط/ فبراير 2022. ثم بلغ التضخّم الأميركي ذروته عند 9.1% في حزيران/ يونيو 2022.

رفع أسعار الفائدة

في محاولة للسيطرة على هذه الموجة التضخّمية، سارع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى رفع أسعار الفائدة. وقد شكّلت الارتفاعات في أسعار الفائدة الآلية التي أدّت إلى الأزمة المتزامنة في أسواق سندات الخزانة والعملات المشفّرة، ممّا قاد بدوره إلى انهيار البنك.

كما يوضح الشكل 2، ففي ظل محاولة السيطرة على الموجة التضخّمية التي تمخضت عنها السياسة الاقتصادية الأميركية، بدأ الاحتياطي الفيدرالي في رفع سعر الفائدة بسرعة. ارتفع هذا السعر من 0.25% في شباط/ فبراير 2022 إلى 4.75% في شباط/ فبراير 2023، بزيادة قدرها 4.5% في عام واحد فقط.

john-ross

مع الإصدار الهائل لسندات الخزانة لتمويل الاقتراض الحكومي الأميركي الضخم المذكور أعلاه، بدأ سعر سندات الخزانة الأميركية في الانخفاض بسبب الزيادة الهائلة في المعروض منها. لكن سعر الفائدة على السندات يتحرّك في الاتجاه المعاكس تماماً لسعره، أي مع انخفاض سعر سندات الخزانة الأميركية، ارتفع سعر الفائدة المدفوع عليها. أولاً، بدأ سعر الفائدة على عوائد سندات الخزانة الأميركية ذات العشر سنوات في الارتفاع - بلغ أدنى مستوياته مؤخرًا عند 0.5% في آذار/ مارس 2020. ثم بدأ سعر الفائدة على سندات الخزانة لمدة عامين في الارتفاع بسرعة، وكان ذلك مدفوعاً بقوة من مجلس الاحتياطي الفيدرالي برفع سعر فائدته - ووصلت عائدات سندات الخزانة لمدة عامين إلى أدنى نقطة لها مؤخرًا عند 0.11% في شباط/ فبراير 2021. في تموز/ يوليو 2022، ارتفعت أسعار الفائدة لمدة عامين فوق أسعار الفائدة لمدة عشر سنوات، ممّا عكس منحنى العائد. بحلول 8 آذار/ مارس 2023، ارتفع سعر الفائدة على سندات الخزانة الأميركية لمدة عشر سنوات من 0.5% إلى 3.98%، وسعر الفائدة على السندات لمدة عامين من 0.11% إلى 5.09%، ممّا أدى إلى انعكاس منحنى العائد بـ 1.09%.

الطريق إلى الانهيار البنكي

أدت الارتفاعات في أسعار الفائدة مباشرة إلى انهيار البنك، وذلك عبر طريقين: أولاً، نتج الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة على سندات الخزانة، والأدوات المالية ذات الصلة مثل السندات البلدية، عن انخفاض أسعارها. تحتفظ المصارف بهذه السندات باعتبارها أصولها «الأكثر أماناً». بيد أن هذا يعني أن الأصول الأكثر أماناً لهذه البنوك كانت تتراجع بشكل حاد من حيث القيمة. ونتيجة لذلك، إذا كان لدى البنك حيازة كبيرة من هذه السندات «الآمنة»، فقد تصبح أصوله أقل من التزاماته مما يتسبب في انهيار البنك. كان هذا هو السبب الرئيسي لانهيار سيليكون فالي. وانخفضت قيمة البنك السوقية من 6 مليارات دولار إلى صفر في أسبوع.

تضرر بنك شغنتشر بطريقةٍ أخرى، ليس من خلال التعرض لأصل «آمن» ولكن لواحد من أكثر الأصول خطورة، وهي العملات المشفرة. كان البنك منذ العام 2018، من البنوك القليلة التي قبلت ودائع الأصول الرقمية. لكن أصول العملات المشفرة تخضع لتقلبات هائلة في الأسعار لأنها غير مدعومة بأصول مادية، على عكس الذهب مثلاً. أدى ارتفاع أسعار الفائدة بالفعل إلى وضع سعر الأصول المشفرة تحت ضغط هبوطي، ثم عانت من أزمة عميقة أخرى مع انهيار بورصة التشفير FTX، والتي تخضع في الوقت الحالي لتحقيق الشرطة.

التداعيات على الولايات المتحدة

ما هي، إذن، عواقب ودروس هذه الأزمة المالية الأميركية الأخيرة؟

أولاً، بالطبع، إنها تهدم الزعم الدعائي لبايدن وآخرين بأن الاقتصاد والنظام المالي الأميركي في حالة ممتازة. بينما تثبت أن أولئك الذين جادلوا بأن حزم التحفيز الأميركية كانت مُزعزعة للاستقرار، إنما كانوا على صواب.

لا يجب إعطاء الأولوية لرفع أسعار الفائدة، وغيرها من التدابير للسيطرة على التضخم. والتضخم، بلا جدال، هو أحد أكثر العمليات الاقتصادية زعزعة للاستقرارثانياً، ثبت بطلان الادعاءات القائلة بأنه منذ الأزمة المالية لعام 2008، كان النظام المالي الأميركي مستقر. مرة أخرى، اندلعت أزمة مالية في قلب النظام المالي الأميركي.

ثالثاً، في حين أن الاقتصاد لا يمكن أن يعمل من دون سندات الخزانة، إلا أنه يمكن أن يعمل بشكل جيد تماماً من دون العملات الرقمية المزعزعة للاستقرار، ويتعين التخلص منها.

رابعاً، من السابق لأوانه تحديد مدى فداحة الضرر الذي سيلحق بالنظام المالي الأميركي. لكن من الواضح أن انهيار بنك مثل سيليكون فالي بأصول تزيد عن 200 مليار دولار، وهو ثاني أكبر انهيار مصرفي في تاريخ الولايات المتحدة بعد انهيار بنك واشنطن ميوتشوال في العام 2008 بأصول تبلغ 307 مليارات دولار، هو حدث مالي مروع. يمكن التحكّم في بعض الآثار المباشرة من خلال التدخل الفيدرالي الأميركي المكلف وضمان الودائع في البنوك. لا تزال التداعيات المباشرة غير واضحة. في وقت كتابة هذا التقرير، تشهد أسعار الأسهم في سلسلة من البنوك الأميركية الأخرى انخفاضاً حاداً.

ولكن حتى لو تم التعامل مع الآثار المباشرة، فسوف تكون هناك فضلاً عن ذلك آثار غير مباشرة يتعذر السيطرة عليها. على وجه الخصوص، سوف يتعين على مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أن يفكر فيما إذا كان تشديده النقدي سيؤدي إلى زعزعة النظام المالي. هذا هو السبب في أن بنك غولدمان ساكس، على سبيل المثال، قد تكهن بأن الاحتياطي الفيدرالي لن يرفع أسعار الفائدة في اجتماعه المقبل كما هو متوقع. على الرغم من أن غولدمان ساكس قد يكون غير مصيب في هذه النقطة المحددة، إلا أنه ما من شك في أن الاحتياطي الفيدرالي سوف يتعين عليه التصرف بحذر أكبر، مما يعني أنه لا يجب إعطاء الأولوية لرفع أسعار الفائدة، وغيرها من التدابير للسيطرة على التضخم. والتضخم، بلا جدال، هو أحد أكثر العمليات الاقتصادية زعزعة للاستقرار.

دروسٌ للصين

أخيراً، هناك دروس واضحة للصين. لقد أكدت الأحداث التحذيرات المتعلقة بمخاطر نوع سياسات التحفيز الأميركية التي صاغها المؤلف الحالي وآخرون. هذه السياسات المدمرة في الولايات المتحدة قد تُعزى إلى أخطاء جوهرية في النظرية الاقتصادية - أخطاء تتردّد للأسف في قطاعاتٍ من وسائل الإعلام الصينية.

ويتصل أكثر هذه العوامل جوهرية بدور الاستهلاك في الاقتصاد، أعني الفكرة الخاطئة القائلة بأن الاستهلاك يمثل مُدخلاً في الإنتاج، وبالتالي يمكن أن يساهم في نمو الناتج المحلي الإجمالي. هذا غير صحيح. الاستهلاك، بحكم التعريف، ليس مدخلاً في الإنتاج. الاستهلاك لا يعدو أن يكون جزءاً من جانب الطلب في الاقتصاد، وليس جزءاً من جانب العرض في الاقتصاد. على النقيض من ذلك، فإن الاستثمار ليس جزءاً من جانب الطلب في الاقتصاد فحسب، بل هو جزء من جانب العرض في الاقتصاد.

الفكرة الخاطئة القائلة بأن الاستهلاك يمثل مُدخلاً في الإنتاج، وبالتالي يمكن أن يساهم في نمو الناتج المحلي الإجمالي. هذا غير صحيحإن عبارات مثل «ساهم الاستهلاك بنسبة 75% في نمو الناتج المحلي الإجمالي» أو «الاستهلاك ساهم بنسبة 75% في نمو الناتج المحلي الإجمالي والاستثمار بنسبة 25%» هي عبارات خاطئة ومضللة. إن مساهمة الاستهلاك في الإنتاج، أي في جانب العرض في الاقتصاد، وبالتالي في نمو الناتج المحلي الإجمالي، هي دائماً صفر على وجه التحديد. التصريح بأن «75% من الناتج المحلي الإجمالي تم استهلاكه و25% تم استثماره» صحيح، لكن العبارة «ساهم الاستهلاك بنسبة 75% في نمو الناتج المحلي الإجمالي والاستثمار بنسبة 25%» خاطئة، لم يحدث أن خلق الإستهلاكُ الإنتاجَ قَطّ. من أجل التفكير بصفاء، يجب الإقلاع عن استخدام عبارات من قبيل « ساهم الاستهلاك بنسبة 75% في نمو الناتج المحلي الإجمالي»، لأنها تدشّن للالتباس.

في الولايات المتحدة، تم تسخير المفهوم الخاطئ في عقلنة وتبرير برنامج التحفيز الذي ارتكز بالكامل على زيادة الاستهلاك من دون أن يفعل شيئا للاستثمار. أي أنه كان ثمة خلط أساسي فيما يتعلق بالفرق بين جانب الطلب من الاقتصاد، الذي يشكل الاستهلاك جزءاً منه، والعرض، أي جانب الإنتاج، في الاقتصاد. وقد أطلقت السياسات الناجمة عن هذا الارتباك بدورها موجة تضخمية زعزعت استقرار الاقتصاد، وقادت إلى انهيار البنوك.

أعلم أن بعض القراء يفكرون الآن في أن المؤلف الحالي قد أمضى الكثير من الوقت في التصدي لمسائل ربما تبدو مجردة تتصل بنظرية الاقتصاد المنحصرة في الكتب. ولكن، مع انهيار البنك، فإن هذه القضايا النظرية ترتبط بتبعاتٍ قوية وعملية للغاية. تشرح الماركسية هذا الوضع الحقيقي للاقتصاد بجلاءٍ شديد.  فكما أشار ماركس، فإن الإنتاج، وليس الاستهلاك أو التبادل، هو العنصر الحاكم: «النتيجة التي توصلنا إليها، لا أن الإنتاج والتوزيع والتبادل والاستهلاك تمثل عناصر متطابقة، بل هي عناصر تُكوّن الكل، اختلافات داخل  وحدة. الإنتاج هو اللحظة الأساسية، سواء فيما يتعلق بنفسه، أي فيما يتعلق بالتحديد المتناقض للإنتاج، أو فيما يتعلق باللحظات الأخرى. تنطلق العملية دائماً  مع الإنتاج… يستحيل على التبادل والاستهلاك أن يكونا اللحظتين المهيمنتين… وبالتالي فإن نمط الإنتاج المعين يحدد طريقة محددة للاستهلاك والتوزيع والتبادل.

في المقابل، تسمح إلتباسات الاقتصاد «الغربي»، الهامشي في الواقع، بحجب الوضع الحقيقي، مما يؤدي إلى تداعيات خطيرة كحزم التحفيز الأميركية. لتجنب مثل هذه العواقب الضارة، من الأهمية بمكان ألا تنتقل مثل هذه الالتباسات إلى الصين. إن السهر على رعاية الخزانة النظرية ليست مسألة مجردة، ولكنها قضية عملية بالغة الأهمية، على نحو ما يتضح بيانياً فيما يتصل بانهيار بنك الولايات المتحدة.

نُشِر هذا المقال في Monthly Review في آذار/ مارس 2023