Preview رياض سلامة

بعد 5 سنوات على انهيار الهرم الاحتيالي
رياض سلامة موقوف على ذمّة التحقيق

أوقف المدعي العام التمييزي بالتكليف القاضي جمال الحجّار حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة على ذمّة التحقيق لمدّة 4 أيام، ونُقِل من قصر العدل في بيروت إلى نظارة التوقيف في المديرية العامّة لقوى الأمن الداخلي، على أن يُحال إلى قاضي التحقيق الذي قد يُصدِر مذكّرة توقيف وجاهية بحقّه أو يخلي سبيله.

واستمع الحجّار إلى سلامة بشبهة اختلاس أموال في ملف شركة «أوبتيموم» والعقود التي أبرمتها مع مصرف لبنان لشراء وبيع سندات خزينة وشهادات إيداع بالليرة لقاء عمولات حصلت عليها.  وهذه القضية هي واحدة من عشرات القضايا الجرمية التي يتهم سلامة بالتورط فيها خلال ولاياته المتتالية على رأس حاكمية البنك المركزي منذ العام 1993 وحتى العام 2023.

ما هي أبرز محطّات القضية؟

بعد عرقلته لفترة طويلة، صدر في آب/أغسطس الماضي 2023 تقرير التدقيق الجنائي الأولي الذي أعدّته شركة «ألفاريز أند مارسال» في حسابات المصرف المركزي بين عامي 2015 و2020، وبيّن تورّط شركة «أوبتيموم إنفست» في صفقتيْ وساطة مالية أجرتهما بالنيابة عن مصرف لبنان بين كانون الأول/ديسمبر 2015 وحزيران/يونيو 2016. 

عزّزت هاتان الصفقتان رصيد حساب «الاستشارات» (الخدمات الاستشارية) لدى مصرف لبنان، الذي حوِّل منه مبلغ 330 مليون دولار إلى حسابات خاصّة للحاكم السابق لمصرف لبنان رياض لبنان، والتي تحقق فيها أجهزة قضائية أوروبية عدة وصدرت في ضوئها مذكرات توقيف لم ينفذها القضاء اللبناني.

يقول الاقتصادي توفيق كسبار في ورقة بعنوان «مصرف لبنان: تحليل جنائي»، ونشرها موقع «صفر»، إن نتائج التدقيق الجنائي الأولي تبيّن تلقّي مصرف لبنان تدفّقات إجمالية بالدولار بقيمة 72.5 مليار دولار بين نهاية عامي 2014 و2019.

لم يظهر في البيانات سوى وجهة إنفاق 35 مليار دولار، في حين أن 37.5 مليار دولار، أو نحو 52% من مجمل الدولارات التي دخلت إلى مصرف لبنان في هذه الفترة لم يُكشف عن وجهتها بعد.

وفي سعيها لتبرئة نفسها من تهم الاحتيال والاختلاس وتبييض الأموال التي ورد ذكرها في تقرير التدقيق الجنائي، طلبت «أوبتيموم إنفست» من شركة «كرول» إجراء تدقيق جنائي مستقلّ بالعمليّات التي أجرتها مع مصرف لبنان في خلال الفترة الممتدّة بين عامي 2015 و2020.

وفي تشرين الأول/أكتوبر 2023، أنجرت «كرول» تقريرها الذي كشف عن 45 صفقة خاصّة جرت بين المصرف المركزي و«أوبتيموم إنفست»، درّت مبالغ بقيمة 8 مليارات دولار على مصرف لبنان، وبيّنت بوضوح بعضاً من الآليّات الاحتيالية التي استخدمها سلامة تحت ستار الهندسات المالية لإخفاء خسائر البنك المُتضخّمة وتسهيل عمليات اختلاس المال العام والخاص.

قضت هذه العمليات بمنح مصرف لبنان الشركة قروضاً بالليرة اللبنانية، على أن تستخدمها لشراء شهادات إيداع أو سندات خزينة بالليرة اللبنانية من مصرف لبنان نفسه. من ثمّ، يقوم المصرف في اللحظة نفسها بإعادة شراء السند نفسه لقاء عمولة له تراوحت بين 22% في حدّها الأدنى و239% في حدّها الأقصى. وتشكّل هذه العمولة مجموع قيمة الفوائد المترتبة على سندات الخزينة أو شهادات الإيداع عند استحقاقها. وقضت العقود الموقّعة التي اطلعت عليها «كرول» بتسديد قيمة العمولات على الفور إلى المصرف المركزي، فيما تحصل «أوبتيموم إنفست» على رسوم وساطة. لم تحدّد الرسوم التي ستحصل عليها الشركة في العقود. في الحصيلة، أسفرت هذه العمليات عن بيع مصرف لبنان سندات وشهدات إيداع بقيمة 8.6 مليار دولار إلى شركة «أوبتيموم إنفست»، ثم اشتراها منها بسعر 16.6 مليار دولار. فأعادت الشركة تحويل نحو 8 مليارات دولار منها كعمولات إلى مصرف المركزي، فيما حقّقت هي أرباحاً متواضعة بنحو 571,733 دولاراً في نحو ثلاث سنوات. 

أوبتيموم

تعدّ هذه الصفقات احتيالاً محاسبياً وغسيل أموال مُتقن ابتكرها حاكم مصرف لبنان، وسهّلتها شركة «أوبتيموم إنفست». 

أدّت «أوبتيموم إنفست» دوراً رئيساً ومُسهّلاً لتنفيذ السياسات النقدية للمصرف المركزي، وقد ذكر تقرير للجنة الأسواق المالية صادر في العام 2018 نحو 96 مخالفة ارتكبتها الشركة في خلال تنفيذها هذه المهام المطلوبة منها. وقد ذكرت «كرول» في تقريرها بعضاً من أشكال العمليات التي كانت تجري بين «أوبتيموم إنفست» والمصرف المركزي، ومن ضمنها عمليات إعادة الشراء (Repo) التي شكّلت ثلث إيراداتها بين عامي 2014 و2019، ووصلت قيمتها التراكمية إلى 74 مليون دولار بين عامي 2014 و2020. فضلاً عن تسهيل فتح حسابات ائتمانية لصالح مصرف لبنان جنت الشركة منها فوائد مرتفعة للغاية، بالإضافة إلى انخراطها في عمليات مبادلة سندات (Swap) سمحت لها بتحقيق أرباح طائلة. على سبيل المثال، حقّقت الشركة أرباحاً بقيمة 3 ملايين دولار من خلال أربع عمليات مبادلة فقط جرى تنفيذها في شهري حزيران/يونيو وتموز/يوليو 2016.