Preview الانظمة الضريبية في البلدان العربية

كيف موَّل صندوق النقد ثروات الأغنياء عبر الضريبة؟

في الأزمات الاقتصادية، تُعدّ أفضل طريقة لتنشيط الاقتصاد وتحقيق النموّ هي «إعادة توزيع الثروة من أسفل إلى أعلى، والإنفاق على خدمات الرعاية الاجتماعية، ما قد يُشجِّع الفئات الأدنى على الاستثمار في التعليم والصحّة، وبالتالي تفعيل إنتاجية الطبقة العاملة وتحقيق النموّ بنسبة أعلى ممّا لو مُنحت المليارات للأغنياء». يُقدِّم هذه الفكرة الاقتصادي الكوري ها-جوون تشانج في كتابه «23 حقيقة يخفونها عنك بخصوص الرأسمالية»، وهذه الفكرة تتوافق مع ما ورد في تقرير منظّمة «أوكسفام» الأخير - بعنوان «الفجوة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: الرخاء للأغنياء والتقشّف للآخرين» - عن إعادة توزيع الثروة والإجراءات الضريبية التي يجب على الحكومات فرضها في محاولة للحدّ من حالة عدم المساواة التي تعمّ دول المنطقة. 

عدم فرض الضرائب على الأثرياء ليس مُجرّد إجراء، بل حربٍ تشنّها الأنظمة على الطبقات العاملة، وتؤدّي إلى «تفقير الخزينة العامة لصالح خدمة سندات الدين، التي يملكها الأفراد نفسهم الذين لم تُمسّ ثرواتهم»

القاسم المُشترك بين الدول العربية، خصوصاً المشمولة بدراسة «أوكسفام» (مصر، الأردن، المغرب، لبنان) هو غياب الضريبة التصاعدية واللامساواة في تقديم الخدمات الاجتماعية. الأمر «ليس صدفة. فالحكومات والنُخب الثرية تعمل على ترسيخ عدم المساواة في الدخل والثروة واستبعاد الفئات المهمّشة». هي إذاً «سياسة» يتمّ تطبيقها، وتُعبّر عن النموذج الاقتصادي الذي تُريده الطبقات العربية الحاكمة، وهو نموذج قائم على مراكمة أرباح الأغنياء. غياب أنظمة ضريبية عادلة في الدول العربية «يكشف عن هوية الفائزين والخاسرين في اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا».

صندوق النقد مسؤول

عدم فرض الضرائب على الأثرياء ليس مُجرّد إجراء، بل حربٍ تشنّها الأنظمة على الطبقات العاملة، وتؤدّي إلى «تفقير الخزينة العامة لصالح خدمة سندات الدين، التي يملكها الأفراد نفسهم الذين لم تُمسّ ثرواتهم». هكذا يستفيد الدائنون من أرباح باهظة نتيجة الفوائد المرتفعة، في حين تزيد الضغوط على الفقراء والطبقات الوسطى «بحجّة التقشّف».

الضرائب

يُحمِّل تقرير «أوكسفام» بشكل مُباشر صندوق النقد الدولي مسؤولية عدم تبنّي الحكومات في الدول العربية سياسات ضريبية تصاعدية، والاعتماد على الضرائب غير المُباشرة، عبر «تأدية دور رئيسي في دعم ضريبة القيمة المضافة بقوة». خطورة زيادة الضرائب غير المُباشرة أنّها تضرب القدرات المعيشية للفئات الوسطى والفقيرة، «ومع ذلك فإنّ الآثار السلبية الطويلة الأمد والمُثبتة لفرض الضريبة على القيمة المضافة لم تقنع صندوق النقد الدولي بتغيير مساره. في التقرير الأخير عن لبنان، حثّ صندوق النقد المسؤولين على رفع ضريبة القيمة المضافة مرّة أخرى». وتتضمّن «نصائح» صندوق النقد للبنان «فرض ضرائب على الخدمات الصحية والتعليمية والوقود. في هذه الحالة، سوف تزيد الأسعار بنسبة كبيرة وترتفع معها تكاليف المعيشة».

تتضمّن «نصائح» صندوق النقد للبنان «فرض ضرائب على الخدمات الصحية والتعليمية والوقود. في هذه الحالة، سوف تزيد الأسعار بنسبة كبيرة وترتفع معها تكاليف المعيشة»

ولكن، هل ينتج عن هذه الزيادات الضريبة غير المباشرة تمويل لعملية إعادة توزيع الثروة وتمويل مشاريع استثمارية وتقليص فجوة اللامساواة؟ جواب تقرير «أوكسفام» أنّه لا توجد أدلّة على أنّ المبالغ التي تُجمع من خلال زيادة الضرائب غير المباشرة يتم توجيهها لإعادة التوزيع، بل تنتهي في كثير من الأحيان إلى دفع خدمة الديون»، أي تُصبّ في جيوب الأثرياء وحاملي السندات.

فرض الضرائب على الأغنياء… الآن

يُعدّد تقرير «أوكسفام» النقاط التي يجب التركيز عليها في إعادة صياغة الأنظمة الضريبية التي تحتاجها بلدان المنطقة، وهي:

  1. فرض ضريبة تضامن لمرّة واحدة على صافي ثروات الـ1% الأغنى من السكان، وبنسبة لا تقل عن 5%.
  2. فرض ضرائب تصاعدية دائمة على الثروات، مع فرض ضريبة دائمة بنسبة 2% على الأقل على صافي الثروة.
  3. فرض ضرائب تصاعدية على الميراث. 
  4. فرض ضرائب عقارية تصاعدية تضمن المساهمة العادلة لكبار ملاك الأراضي والعقارات.
  5. جعل ضريبة دخل الشركات أكثر فعالية وإلغاء الأنظمة الضريبية التفضيلية، وخصوصاً للمناطق الخاصة والمؤهّلة، وإعادة النظر في الحوافز والإعفاءات الضريبية الحالية.
  6. إلغاء الحوافز الضريبية على الدخل السلبي (وتتضمّن الأرباح الناتجة عن بيع أرباح الأسهم والممتلكات غير المنقولة والمنقولة). 
  7. إصلاح الأنظمة الضريبية الحالية لضمان العدالة وإعادة توزيع الثروة والدخل، وتمويل الرعاية الشاملة وأنظمة الحماية الاجتماعية. ومن أجل إعادة توجيه الموارد لبناء اقتصادات مُنتجة بعيداً من الاعتماد المفرط على السياحة والخدمات الريعية المنخفضة التكلفة.
  8. إرساء الشفافية الضريبية والمساءلة من خلال إتاحة البيانات الضريبية للعامة، وخصوصاً فيما يتعلّق بضرائب الدخل الشخصي وضرائب الشركات.
  9. الامتناع عن زيادة المعدّلات العامّة لضريبة القيمة المضافة.
  10. إعفاء السلع والخدمات الضرورية الأساسية من ضريبة القيمة المضافة.
  11. زيادة ضريبة القيمة المضافة على المنتجات والخدمات المخصّصة لاستهلاك الأسر الثرية.
  12. الاستثمار في سياسات القضاء على عدم المساواة.
  13. زيادة الاستثمارات العامة في مجالي المياه والكهرباء والنقل العام.
  14. ضمان رعاية عالية الجودة للأطفال، رعاية كبار السنّ، الأشخاص ذوي الإعاقة أو الأمراض، وأي شخص آخر يحتاج إلى رعاية من الأسر الأكثر فقراً.