Preview أكثر الدول المتلقية للمساعدات الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية

الـ 10 الكبار
أكثر الدول المتلقية للمساعدات الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية

أصاب المشهد السياسي العالمي تغيّرات كبيرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ما أدّى إلى تحوّلات في تحالفات الولايات المتحدة وتدفّق الدعم الاقتصادي والعسكري للدولة الأقوى في العالم. 

بريطانيا، التي خرجت من الحرب باقتصاد مدمّر، لم تعد بحاجة إلى القروض الأميركية الميسّرة للنهوض مجدّداً. ومصر، التي كانت ذات يوم في الخندق السوفياتي، أصبحت مؤيِّدة للولايات المتحدة وجديرة بمساعداتها الاقتصادية والعسكرية. سقط الاتحاد السوفياتي ومعه نفوذه في أفغانستان التي سيطرت عليها حركة طالبان مرّتين، ما عرّض البلاد لحصار اقتصادي جديد وعزله عن نظام المساعدات الدولية والأميركية. لم تعد فيتنام الجنوبية موجودة، وأوكرانيا لم تعد جزءاً من الاتحاد السوفياتي، أطيح بحكم حزب البعث في العراق، وشهدت تركيا انقلابات وتغيّرات في اصطفافها السياسي. مع ذلك، بقيت العلاقة الأكثر ديمومة وجوهرية على مدى العقود الثمانية الماضية هي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، التي تستمر في تلقي مليارات الدولارات من المساعدات الأميركية من دون انقطاع، وحتى في ذروة إبادتها الجماعية للفلسطينيين في قطاع غزة.

أكثر 10 دول مستفيدة من المساعدات الأميركية في 8 عقود

1- إسرائيل

تلقّت إسرائيل نحو 310 مليارات دولار من المساعدات الأميركية منذ العام 1946 حتى اليوم، ما يجعلها أكبر دولة متلقّية للمساعدات الأميركية بلا منازع. تساوي هذه الأموال ضعف ما تلقته مصر، ثاني أكبر ملتقّي للمساعدات الأميركية في الفترة نفسها. ثلاثة أرباع الدعم الأميركي لإسرائيل هو دعم عسكري وقد بلغ نحو 230 مليار دولار، أمّا الباقي (80 مليار دولار) فهو دعم اقتصادي. 

تسجّل المساعدات الأميركية لإسرائيل أعلى مستوياتها اليوم. منذ عملية طوفان الأقصى، في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، سنّت الولايات المتّحدة تشريعات توفّر ما لا يقل عن 20 مليار دولار من المساعدات العسكرية لإسرائيل لتمارس إبادتها في قطاع غزة.

بدأ الدعم الأميركي لإسرائيل منذ إنشائها بعد الحرب العالمية الثانية. مع ذلك، لم يكن الدعم كبيراً في العقود الأولى من نشأة الدولة الإسرائيلية، إلا أن انتصارها على تحالف الدول العربية، واحتلالها مساحات واسعة من الأراضي الجديدة في حرب العام 1967، جعلها حليفاً جذاباً للإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط. فالولايات المتّحدة كانت منشغلة بحرب فيتنام، ولم يكن لديها القدرة الكافية للتدخّل عسكرياًفي الشرق الأوسط، وكانت تشعر بالقلق إزاء النفوذ السوفياتي في المنطقة.

في البداية، كانت الولايات المتّحدة تمنح الأسلحة للإسرائيليين، وتبيعها إياها أيضاً، فضلاً عن السماح لها بالاقتراض من المصارف الأميركية بأسعار فائدة أقل من السوق. وفي الثمانينيات والتسعينيات، بدأت الولايات المتحدة وإسرائيل التعاون في مجال البحث والتطوير وإنتاج الأسلحة. 

مع الوقت، أصبح مفهوم «التفوّق العسكري النوعي» لإسرائيل، بمثابة العمود الفقري للمساعدات العسكرية الأميركية لعقودٍ من الزمن، وكُرِّس رسمياً في القانون الأميركي في العام 2008. ومعناه أن على الولايات المتحدة الحفاظ على قدرة إسرائيل «على هزيمة أي تهديد عسكري من أي دولة فردية أو تحالف محتمل من الدول أو من جهات فاعلة غير حكومية، مع تحمّل الحد الأدنى من الأضرار والخسائر». وبموجب قانون العام 2008، يجب على الولايات المتّحدة التأكد من أن أي أسلحة توفرها لدول أخرى في الشرق الأوسط لا تؤثر على «التفوّق العسكري النوعي» لإسرائيل. في الكثير من الحالات، تطلب ذلك من الولايات المتّحدة تزويد إسرائيل بأسلحة موازنة كجزء من مبيعات الأسلحة الإقليمية الأكبر. بالنتيجة، إسرائيل هي الأولى في المنطقة التي تحصل على الأسلحة والمنصات العسكرية الأميركية الأكثر تطوّراً، مثل مقاتلة F-35 التي تمتلك إسرائيل 50 قطعة منها. بين عامي 1950 و2020، جاء أكثر من 80% من واردات إسرائيل من الأسلحة من الولايات المتحدة.

في العام 2016، وقّعت الحكومتان الأميركية والإسرائيلية مذكرة تفاهم لعشر سنوات ممتدّة بين سنتيْ 2019 و2028 الماليتين. وبموجبها، تتعهّد الولايات المتحدة بتقديم مساعدات عسكرية لإسرائيل بقيمة 38 مليار دولار. حلّت هذه المذكرة محل اتفاقية سابقة بقيمة 30 مليار دولار مدّتها 10 سنوات، واستمرت حتى السنة المالية 2018. وفي السنة المالية 2021، شكّل التمويل العسكري الذي طلبه الرئيس الأميركي لإسرائيل نحو 59% من إجمالي تمويل التمويل العسكري المطلوب من الولايات المتّحدة في جميع أنحاء العالم.

2- مصر

منذ العام 1946 إلى اليوم، وصل إجمالي المساعدات الأميركية إلى مصر نحو 168 مليار دولار، ما يجعلها ثاني أكبر متلقٍ للمساعدات الأميركية بعد إسرائيل. 54% من هذه المساعدات هي مساعدات عسكرية، وتبلغ قيمتها نحو 90 مليار دولار. في السنة المالية 2023، بلغ إجمالي المساعدات المقدّمة من جميع الوكالات الأميركية إلى مصر نحو 1.43 مليار دولار أميركي، فضلاً عن 1.44 مليار دولار أميركي مطلوبة للسنة المالية 2024. 

تعد الولايات المتحدة حليفاً رئيساً لمصر، وظلت كذلك لعقود، خصوصاً بعد أن تحوّلت مصر من حليف وثيق للاتحاد السوفياتي في خلال الحرب الباردة إلى حليف للولايات المتّحدة. ومنذ توقيع اتفاقيات كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل في العام 1979، قدّمت الولايات المتّحدة مساعدات سنوية لمصر تزيد قيمتها عن مليار دولار. وبعد 11 أيلول/سبتمبر، تم تعزيز هذا الدعم لدعم رؤساء عرب، مثل حسني مبارك، الذي اعتبر قوّة تعمل على استقرار المنطقة والصمود في وجه صعود الأحزاب الإسلامية. 

أيضاً تمتلك مصر أهمية اقتصادية بالنسبة إلى الولايات المتّحدة، ما يجعل دعمها أكثر أهمّية. في العام 2021، بلغ إجمالي التجارة السلعية بين الولايات المتحدة ومصر نحو 9.1 مليار دولار، مع العلم أن مصر هي أكبر سوق تصدير إلى الولايات المتحدة في أفريقيا. وتشمل الصادرات الأميركية إلى مصر القمح والذرة والوقود المعدني والنفط والآلات والطائرات ومنتجات الحديد والصلب. وتشمل واردات الولايات المتحدة من مصر الملابس والغاز الطبيعي والنفط والأسمدة والمنسوجات والمنتجات الزراعية. أيضاً، بلغت تدفقات الاستثمار المباشر الأميركي إلى مصر 1.5 مليار دولار في العام 2020.

حالياً، تحتل مصر المرتبة الثالثة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بعد إسرائيل والأردن، من حيث أموال المساعدة المطلوبة للسنة المالية 2024. 

3- أفغانستان

تأتي أفغانستان في المرتبة الثالثة في القائمة، وقد بلغت قيمة المساعدات الأميركية المتدفقة إليها نحو 158 مليار دولار منذ العام 1946، علماً أن 105 مليارات دولار منها كانت مساعدات عسكرية، في مقابل 53 مليار دولار مساعدات اقتصادية. 

في أعقاب الغزو السوفياتي لأفغانستان في العام 1979، دعمت الولايات المّتحدة المقاتلين الأفغان والجهود الدبلوماسية لتحقيق الانسحاب السوفياتي. أدّى هذا في نهاية المطاف إلى صعود حركة طالبان إلى السلطة، في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفياتي. بعد حادثة 11 أيلول/سبتمبر وإطلاق الولايات المتحدة ما سمّته «الحرب على الإرهاب»، رفضت طالبان طرد بن لادن ورفاقه من مكانهم الآمن  في الأراضي الأفغانية، حينها أطلقت الولايات المتّحدة وحلفاؤها حملة عسكرية في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2001، استهدفت المنشآت والأصول العسكرية والسياسية لطالبان، وأدّت إلى سقوط كابول في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2001، واحتلال أفغانستان.

بعد أشهر من سقوط كابول، وتعيين حامد كرزاي رئيساً مؤقتاً للإدارة، وإنشاء قوة حفظ سلام دولية للحفاظ على الأمن في كابول، دعا الرئيس بوش إلى إعادة إعمار أفغانستان تثبيتاً للسلطة الجديدة، وفي خطاب ألقاه في معهد فيرجينيا العسكري، استحضر جورج بوش خطة مارشال التي أعقبت الحرب العالمية الثانية وأحيت أوروبا الغربية بعد الدمار الذي أصابها، لكن الولايات المتحدة وحلفائها لم يقتربوا أبداً من الإنفاق في أفغانستان على غرار خطة مارشال. بين عامي 2001 و2009، خصّص الكونغرس الأميركي أكثر من 38 مليار دولار من المساعدات الإنسانية ومساعدات إعادة الإعمار لأفغانستان.

في آب/ أغسطس 2021، اجتاح مقاتلو حركة طالبان العاصمة كابول، واستولوا على القصر الرئاسي. أعقب التغيير المفاجئ للنظام انسحاب مفاجئ لجميع المساعدات الدولية، وسقوط البلاد اقتصادياً، والتعجيل بحدوث أزمة إنسانية. قبل انهيار جمهورية أفغانستان الإسلامية، شكّلت المساعدات الخارجية 40% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وموّلت أكثر من نصف الميزانية السنوية للحكومة البالغة 6 مليارات دولار. 

اتساقاً مع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والأمم المتحدة ضد قادة طالبان، جمّدت الولايات المتحدة وأوروبا نحو 9.5 مليار دولار من الاحتياطيات الخارجية لأفغانستان، تاركين البنك المركزي الأفغاني، في حالة من الفوضى، ما جعل الشعب الأفغاني محروماً ومعزولاً عن النظام المالي العالمي.

تعد أفغانستان واحدة من أفقر الدول وأقلها نمواً. تحتل المرتبة 182 من أصل 193 دولة وإقليماً على مؤشر التنمية البشرية. ووفقاً لأحدث مسح أجراه البنك الدولي لرصد الرعاية الاجتماعية في أفغانستان بين أبريل/نيسان ويونيو/حزيران 2023، كان معدل البطالة بين الأسر التي شملتها الدراسة يقترب من 20%. 

4- فيتنام الجنوبية

تأتي فيتنام الجنوبية في المرتبة الرابعة ضمن القائمة، إد وصلها 95 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأميركية، و49 مليار دولار من المساعدات الاقتصادية، أي ما مجموعه 144 مليار دولار منذ العام 1947 وحتى زوال الدولة في العام 1975. 

تركّز الدعم الأميركي لفيتنام الجنوبية في خلال حرب فيتنام (1954-1975)، وهو صراع طويل الأمد بين الحكومة الشيوعية في فيتنام الشمالية وحلفائها ضدّ حكومة فيتنام الجنوبية وحليفتها الرئيسة الولايات المتحدة. كانت الحرب التي أُطلق عليها اسم «الحرب الأميركية» في فيتنام جزءاً من صراع إقليمي أكبر، وأحد حلبات الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وحلفائهما.

بين عامي 1962 و1975، تلقت فيتنام الجنوبية الجزء الأكبر من المساعدات الاقتصادية الأميركية، وفي العام 1967 وحده، خصّصت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) أكثر من 550 مليون دولار من ميزانيتها العالمية البالغة أكثر من 2 مليار دولار لدولة لا يتجاوز عدد سكانها 17 مليون نسمة.

بحسب بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، تتضمن الأسلحة الأميركية المنقولة إلى فيتنام الجنوبية، نحو 500 دبابة، وأكثر من 1,000 طائرة هليكوبتر، والمئات من طائرات الهجوم الأراضي، وعشرات الطائرات المقاتلة، فضلاً عن مئات الطائرات والدبابات الخفيفة، وناقلات الجنود المدرعة، وبنادق الدفع الذاتي. 

5- أوكرانيا

تحتل أوكرانيا المرتبة الرابعة في القائمة، إذ وصلتها مساعدات أميركية بقيمة 113 مليار دولار؛ نحو 70 مليار منها مساعدات عسكرية ونحو 43 مليار مساعدات اقتصادية.

منذ استقلالها في العام 1991، تدعم الولايات المتّحدة انتقال أوكرانيا إلى اقتصاد السوق. ركّزت المساعدات التقنية الأميركية على إعادة الهيكلة الاقتصادية، وتغيير النظام الضريبي، وتطوير القطاع الخاص، بما في ذلك خصخصة الكهرباء. وصلت إجمالي المساعدات الأميركية لأوكرانيا في مطلع الألفين إلى 3 مليار دولار.

بحسب الأرقام الرسمية الأميركية، وصل الدعم الأميركي لأوكرانيا إلى مئات ملايين الدولارات سنوياً بين عامي 2001 و2021، وبلغت ذروة الالتزامات المالية الأميركية لأوكرانيا نحو 700 مليون دولار في العام 2020. لكن مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، ارتفعت الالتزامات المالية 26 ضعفاً، من أقل من نصف مليار دولار في العام 2021 إلى 12.5 مليار في العام 2022، ونمن ثمّ 17 مليار دولار في العام 2023.

سعت الولايات المتّحدة إلى المحافظة على القوى العسكرية لأوكرانيا في حربها مع روسيا. وبحسب قاعدة بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلاح التي ترصد تحويلات الأسلحة حتى العام الماضي 2023، شملت الأسلحة الأميركية المنقولة إلى أوكرانيا نحو 23,500 قطعة من مضادات الدبابات من طرازات مختلفة، وحوالي 19,500 صاروخ موجّه، ونحو 900 مركبة برية من أنواع مختلفة، وغير ذلك من الأسلحة...

6- العراق

يحل العراق في المرتبة السادسة ضمن القائمة. حصل على مساعدات أميركية بقيمة 99 مليار دولار. علماً أن 56 مليار دولار منها مساعدات اقتصادية، و43 مليار دولار مساعدات عسكرية. يتلطّى خلف هذا الدعم عقدين من الغزو والاحتلال والتدخّل الأميركي في العراق.

في نيسان/أبريل 2003، وبعيد الاجتياح الأميركي للعراق، وافق الكونغرس على 2.5 مليار دولار من مساعدات الإغاثة الفورية - مثل الغذاء والدواء والمياه - من خلال صندوق إغاثة وإعادة إعمار العراق (IRRF). وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2003، أضاف الكونغرس مبلغ 18.4 مليار دولار لمساعدة العراق في تلبية احتياجات إعادة الإعمار، علماً أن 5 مليارات دولار منها كانت مخصّصة للبرامج الأمنية.

فضلاً عن كونها أموالاً أنفقت بهدف استمالة الرأي العام العراقي، وخلق جو من الرضا الشعبي على الاجتياح الذي ظلّ يخلّف الدمار والقتل، فإن منطق الدعم المالي والعسكري للعراق، هو منطق الغزو نفسه، أي ترسيخ الهيمنة السياسية والاقتصادية الأميركية في المنطقة، تحت حجّة مكافحة الإرهاب والتخلّص من أسلحة الدمار الشامل ونشر الديموقراطية.

لاحقاً، حاولت الولايات المتّحدة أيضاً النفاذ إلى الأجهزة الأمنية العراقية بحجة مكافحة داعش. بين سنتي 2015 و2020 الماليتين، خصّص الكونغرس أكثر من 6.5 مليار دولار من تمويل وزارة الدفاع لتدريب العراق وتجهيزه بهدف مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية.

اليوم، أصبح الاقتصاد العراقي والقطاع المالي مجالين رئيسين للتوتر بين الولايات المتحدة وإيران خصوصاً بعد جهود إيران للإفلات من العقوبات الأميركية عبر العراق. ضغطت وزارة الخزانة الأميركية على البنك المركزي العراقي لتوسيع منصة إلكترونية عبر النظام المصرفي في البلاد للمساعدة في منع تهريب الدولار الأميركي إلى إيران أو وجهات أخرى. وقد استغل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني هذا الضغط لإجراء إصلاحات في القطاع المصرفي. 

7- كوريا الجنوبية

كوريا الجنوبية هي السادسة ضمن القائمة، مع تلقيها 45 مليار دولار من المساعدات الاقتصادية، و50 مليار دولار من المساعدات العسكرية منذ العام 1946 حتى اليوم.

في حلبة أخرى من حلبات الحرب الباردة الأميركية-السوفياتية، كان للولايات المتّحدة دور أساسي في دعم كوريا الجنوبية في حربها ضد كوريا الشمالية، التي استمرت لثلاث سنوات ممتدّة بين عامي 1950 و1953. وقد نشر الجيش الأميركي ثماني فرق في شبه الجزيرة طوال الحرب، وقتل من عناصره أكثر من 33 ألف جندي وجُرح 103 آلاف آخرين، إلى حين إعلان الهدنة الكورية وإنشاء منطقة منزوعة السلاح على طول خط العرض 38.

بحسب بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام شملت الأسلحة الأميركية المنقولة إلى كوريا نحو 83 طائرة مقاتلة، و3,600 مدفع مقطور، و5 طائرات نقل، و6 طائرات خفيفة، و5 زوارق حربية،  فضلاً عن سفن الشحن وسفن الإنزال ومضادات الدبابات والطائرات الخفيفة وغير ذلك من الأسلحة والمركبات العسكرية.

بعد الهدنة، وفي 1 تشرين الأول/أكتوبر 1953، وقّعت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية معاهدة الدفاع المشترك، التي تضمن الدفاع الأميركي عن كوريا الجنوبية ضد العدوان الخارجي، وتلتزم بالوجود العسكري الأميركي في كوريا الجنوبية. في العام 1978، شكّل البَلَدان قيادة القوات المشتركة، التي تعمل  كمقرّ قيادة حربية مع القدرة على تشغيل أكثر من 600 ألف من أفراد الخدمة. وتقف القيادة على أهبة الاستعداد لتوفير دفاع منسّق من خلال القوات الجوية والبرية والبحرية المشتركة في شبه الجزيرة في حالة تعرّضها لهجوم من الشمال.

في العام 2007 بلغت المساعدات الخارجية الأميركية إلى كوريا 13.5 مليار دولار. وفي العام 2014 زوّدت الولايات المتحدة كوريا بنحو 40 طائرة مقاتلة F-35. لكن في عهد ترامب أثيرت تساؤلات عن الالتزامات الأمنية الأميركية، مع إشارات الرئيس الأميركي الدورية إلى سحب القوات الأميركية من شبه الجزيرة، وانتقاده لقيمة التحالفات على نطاق أوسع.

على الرغم من بوادر التحسن في العلاقات بين الكوريتين في العام 2018 بعد أن أصبح كيم جونغ أون أول زعيم كوري شمالي تطأ قدماه كوريا الجنوبية منذ العام 1953، تزايدت التوترات في شبه الجزيرة الكورية منذ العام 2021. وفي الفترة التي تلتها، أطلقت كوريا الشمالية أكثر من 80 صاروخاً، بما في ذلك اختبارات متعدّدة للصواريخ الباليستية العابرة للقارات والقادرة على حمل رؤوس حربية نووية. 

في العام 2020 وصل الدعم الأميركي لكوريا إلى أعلى مستوياته في العقد الأخير، وبلغ 15.7 مليار دولار بحسب البيانات الحكومية الأميركية، وفي العام الماضي، سجّلت طلبية بنحو 20 طائرة F-35 بحسب بيانات معهد ستوكهولم. وفي العام 2022، كانت كوريا الجنوبية سابع أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، وكانت الولايات المتحدة ثاني أكبر شريك تجاري لكوريا الجنوبية، بعد جمهورية الصين الشعبية. بلغ الاستثمار الأجنبي المباشر الأميركي في كوريا الجنوبية 36.7 مليار دولار في العام 2022، بينما بلغ الاستثمار الأجنبي المباشر للجنوب في الولايات المتحدة 74.7 مليار دولار.

8- بريطانيا

لم ترسل الولايات المتحدة إلى بريطانيا أي مساعدات حقيقية في العقدين الأخيرين، ما عدا التزامات مالية بنحو 20 مليون دولار في العام 2007، عبارة عن مساعدات اقتصادية بحتة. مع ذلك، تبقى بريطانيا ثامن أكبر متلقٍ للمساعدات الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية، غالبيتها مساعدات اقتصادية بقيمة 78 مليار دولار، بالإضافة إلى 10 مليارات دولار مساعدات عسكرية.

تبدأ قصة هذا الدعم مع نهاية الحرب العالمية الثانية في آب/أغسطس 1945، حين خرجت بريطانيا من الحرب باقتصاد مدمّر وقوة سياسية أضعف. ما فرض عليها إعادة تنشيط اقتصادها. ومن بين مشاريع نهضة الاقتصاد البريطاني التوقيع على اتفاقية قرض أميركي بقيمة 3.75 مليار دولار (50 مليار دولار وفق القدرة الشرائية الحالية للدولار) يتم سداده على مدى 50 عاماً.

9- الهند

الهند هي التاسعة في قائمة أكبر عشر متلقين للمساعدات الأميركية بحصولها على 82 مليار دولار من المساعدات الأميركية منذ العام 1946. من ضمنها 80 مليار دولار كمساعدات اقتصادية، ما يجعل الهند أكبر متلق للمساعدات الاقتصادية من الولايات المتحدة، متفوقة حتى على إسرائيل بمليار دولار. لكن بالنظر إلى عدد سكان إسرائيل بالمقارنة مع عدد سكّان الهند، فإن حصة الفرد في إسرائيل من المساعدات تتجاوز مئات أضعاف حصة الفرد منها في الهند.

في أعقاب الخطة الخمسية الثانية في العام 1956، انهارت احتياطيات الهند من النقد الأجنبي، ولجأت البلاد إلى الاقتراض من الولايات المتحدة والبنك الدولي. في البداية، كانت الهن متردّدة للغاية بشأن المساعدات، بما فيها المساعدات الفنية. ثمّ تضاءلت لاعتبارات إستراتيجية، وجرّت الهند بعدها إلى حلبة المنافسة بين القوى العظمى. وطوال الوقت، كان المسؤولون الأميركيون والسوفيات يتحدثون الكلام نفسه المتمثل في المساعدة على «وضع الهند على قدميها».

تم صرف الجزء الأكبر من المساعدات الأميركية للهند بين عامي 1955 و1971، عندما تم تأميم الاقتصاد الهندي وتركيزه على الصناعة الثقيلة. ونتيجة لذلك، ذهبت معظم المساعدات الأميركية إلى القطاع العام الهندي.

استُخدمت المساعدات الأميركية لتمويل الأسمدة الحكومية، والمصانع الصناعية، ومشاريع الري، ومشاريع الطاقة المملوكة للدولة، وبناء الطرق السريعة والقطارات ونظم السكك الحديدية العامة، والطيران الدولي المملوك للدولة، والإرشاد الزراعي وإنشاء الجامعات الزراعية، والمساعدة الفنية والتجهيزات لمؤسسات التعليم العالي الرسمي. كما وظّفت المساعدات الأميركية لتأمين الغذاء. تم تقديم المساعدات الغذائية، بموجب برنامج الغذاء من أجل السلام مباشرة إلى الحكومة الهندية.

على الرغم من تراجع المساعدات الأميركية المرسلة إلى الهند في العقد الأخير، لا تزال الهند حليفاً مهماً للولايات المتحدة، سياسياً كعنصر من الجبهة المناوئة للصين من جهة، واقتصادياً أيضاً إذ بلغت الصادرات الأميركية إلى الهند 73.0 مليار دولار في العام 2022، بينما بلغت الواردات 118.8 مليار دولار.

10- تركيا

تركيا هي الدولة العاشرة في القائمة، مع تلقيها مساعدات أميركية بقيمة 81 مليار دولار، من ضمنها 52 مليار دولار مساعدات عسكرية. 

العلاقات التركية الأميركية المتأرجحة هي مثال فاقع على تفوّق الاعتبارات المصلحية للولايات المتحدة على الاعتبارات الإنسانية عند تقديم الدعم لأي بلد. في العقود الماضية، كان الدعم الأميركي لتركيا ينقطع ويعود وفقاً للتغيرات الجيوسياسية وتقاطع المصالح بين البلدين.

في 21 شباط/فبراير 1947، أبلغت الحكومة البريطانية حكومة الولايات المتحدة أنه بحلول الأول من نيسان/أبريل، سوف توقف مساعداتها العسكرية والاقتصادية إلى اليونان وتركيا بسبب الصعوبات التي تواجهها. وأعربت عن أملها في أن تتمكّن الولايات المتحدة من تحمل هذا العبء في كلا البلدين. أدرك الرئيس هاري ترومان على الفور أنه ما لم تفعل الولايات المتحدة ذلك، سوف يستولي الشيوعيون على اليونان، وبالتالي ستجد تركيا نفسها في وضع لا يمكن الدفاع عنه على الرغم من جيشها الضخم، وأن شرق البحر الأبيض المتوسط ​​والشرق الأدنى سوف يقع حتماً تحت السيطرة الشيوعية. وعليه، طلب الرئيس ترومان من الكونغرس حزمة مساعدات لليونان وتركيا، فضلاً عن إذن لإرسال أفراد مدنيين وعسكريين أميركيين إلى اليونان وتركيا، وأن يتم تدريب وتوجيه مجموعة مختارة من الأفراد العسكريين والمدنيين الأميركيين وإرسالهم إلى اليونان وتركيا. 

في العام 1947، عيّن الكونغرس تركيا (إلى جانب اليونان) كمتلقي خاص للمساعدات المناهضة للسوفيات بموجب مبدأ ترومان. ووصل التعاون العسكري بين تركيا والولايات المتحدة إلى حدّ انضمام القوات التركية إلى قوات الولايات المتحدة والأمم المتحدة في الحرب الكورية في العام 1950. وفي العام 1952، أصبحت تركيا عضواً في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو). وفي العام 1954، اتفقت الولايات المتحدة وتركيا على الاستخدام المشترك لما أصبح قاعدة إنجرليك الجوية.

في العام 1974، احتلّت تركيا، باستخدام المعدات التي زوّدتها بها الولايات المتحدة، الثلث الشمالي من جزيرة قبرص (احتلال مستمر حتى الوقت الحاضر) نيابة عن الأقلية القبرصية التركية، ونتيجة ذلك جمّد الكونغرس المساعدات إلى تركيا وفرض حظر الأسلحة عليها. 

لكن، أدّى الغزو السوفياتي لأفغانستان في العام 1979 والثورة الإسلامية في إيران إلى زيادة الأهمية الاستراتيجية للعلاقات بين تركيا والولايات المتحدة. في العام 1980، وقعت الولايات المتحدة وتركيا على اتفاقية التعاون الدفاعي والاقتصادي. 

وفي أعقاب حرب الخليج وانهيار الاتحاد السوفياتي مباشرة، تراجعت أهمية تركيا النسبية بالنسبة إلى صانعي السياسة الأميركية. بين عامي 1991 و1992، أعلنت الولايات المتحدة إغلاق 8 من قواعدها العسكرية الـ12 في تركيا، وتوقفت المساعدات العسكرية الأميركية الرئيسية لتركيا في بيئة ما بعد الحرب الباردة. 

زادت تحدّيات العلاقة الأميركية-التركية في ظل التطورات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك الحرب في سوريا، والنظرة المتعارضة تجاه روسيا. في العام 2020، فرضت إدارة ترامب عقوبات على وكالة شراء الأسلحة التركية وبعض مسؤوليها بسبب شراء النظام الصاروخي الروسي إس-400. لكن، في أعقاب الحرب الروسية-الأوكرانية، وفي محاولة أميركية لتمتين حلف الناتو، أعلنت إدارة بايدن دعمها لاحتمال بيع طائرات F-16 لتركيا لتعزيز قوتها الجوية وتماسك الناتو.