Preview نساء مصر

تمكين المرأة المصرية لا يمرّ في سوق العمل

لم يتردّد شعار «تمكين المرأة» في أي وقت في مصر أكثر من المرحلة الحالية. والحقيقة أن بعض الخطوات تأتي انعكاساً لهذا الشعار، مثل زيادة تمثيل المرأة في المجالس النيابية إلى 25% كحد أدنى، وزيادة عدد النساء في الحكومة وبلوغه 6 وزيرات، وغيرها من الخطوات التي تدعم وجود النساء سياسياً واجتماعياً. ولكن أوضاع سوق العمل في مصر تكشف حدود هذا التمكين الذي لا ينعكس على أوضاع الملايين من العاملات، وتستفيد منها شرائح محدودة من النخبة. 

تبيّن إحصاءات قوة العمل الرسمية على نحو صريح الطابع الذكوري لسوق العمل في مصر، فنسبة النساء في سوق العمل منخفضة عموماً قياساً للرجال، ومعدّل بطالة النساء أضعاف معدّل بطالة الرجال دائماً. ولكن الأهم هو الاتجاه الهبوطي لمشاركة النساء في سوق العمل، سواء كنسبة من قوة العمل أو كعدد مطلق. فقد تراجع عدد النساء في قوة العمل من 6.5 مليون إلى 5.1 مليون بين العامين 2013 و2022. علماً أن 4.9 مليون منهن كن يعملن فعلياً، وتراجع العدد إلى 4.2 مليون في خلال الفترة نفسها. ما يعني أن معدّلات عمل المرأة يتخذ اتجاهاً انكماشياً في العموم. يأتي ذلك على الرغم من أن النساء يشكّلن 51.5% من المجتمع المصري بحسب الإحصاء السكاني لعام 2024، بينما يبلغ معدل تشغيل النساء اللواتي يتجاوزن 15 عاماً نحو 13.1% فقط مقابل 66.3% للرجال.

نساء مصر

لا يمكن فصل الطابع الذكوري لسوق العمل في مصر عن السياسات الاقتصادية السائدة، فتشجيع القطاع الخاص وهيمنة سياسات السوق تخلق أوضاع عمل طاردة للمرأة. وهذا ما يتضح أيضاً من بعض المؤشّرات، فنسبة النساء اللواتي يعملن عملاً دائماً، أي 85.3% من إجمالي المشتغلات، تعبّر عمّا يوفره القطاع الحكومي والقطاع العام من وظائف، والتي تتراجع بشكل مطرد بسبب سياسات السوق النيوليبرالية. 

من ناحية أخرى، يعدّ القطاع الخاص طارداً للنساء، وهو يتوسّع باضطراد. وهذا ما يلفت إليه بالفعل «المجلس القومي للمرأة» في إشارته إلى تراجع انخراط النساء في سوق العمل، «وهو مؤشّر خطير حيث أنه في ظل الخصخصة والاتجاه نحو اقتصاديات السوق سوف تتأثر أوضاع المرأة، وخصوصاً الفرص المتاحة لعملها، نظراً لإقبال القطاع الخاص في الغالب على تشغيل الرجال أكثر من النساء خشية ارتفاع نسب تغيّب النساء عن العمل وحصولهن على إجازات متتالية بسبب واجباتهن العائلية». يعتبر القطاع الخاص أن إجازات الوضع ورعاية الأطفال وتوفير دور الحضانة للعاملات أعباء مضافة على تكلفة العمل، وبالتالي يعزف بشكل عام عن توظيف النساء، وفي الوقت الذي ينكمش فيه القطاع الحكومي والقطاع العام تنكمش معه فرص عمل النساء، كأحد النتائج السريعة للسياسات النيوليبرالية.

لكن إحصاءات العمل لا تكشف كلّ تفاصيل وضع المرأة في سوق العمل. على سبيل المثال، ووفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، هناك أكثر من 3 ملايين أسرة مصرية تعيلها امرأة بشكل كامل، وهو ما يعني أن نسبة كبيرة من النساء العاملات يمثل العمل ضرورة لهن وليس خياراً. ونظراً لانكماش فرص العمل في القطاعين العام والحكومي، وفي ظل عزوف القطاع الخاص عن توظيف النساء، تضطر أعداد كبيرة من النساء للعمل في القطاع غير الرسمي، مثل العمل في المنازل والعمل الموسمي وغيرها من الأعمال المنخفضة الدخل التي لا تتوافر فيها أي معايير عمل.

التحوّلات التي خلقتها سياسات النيوليبرالية في سوق العمل، أضرّت بالتأكيد بوضع العمّال عموماً، من ناحية الأجور وساعات العمل والاستقرار في العمل والتمتّع بضمان اجتماعي وتأمين صحّي، ولكن الضرر كان أكبر على العاملات، إذ ارتبط بفكرة العمل ذاتها. ولا يرتبط تراجع أوضاع النساء في العمل بالسياسات النيوليبرالية، فأوضاع النقابات والحركة العمّالية تكشف بدورها عن تراجع واضح في وضع المرأة.

وتجدر الإشارة أولاً إلى أن النساء كان لهن دوراً بارزاً في الحركة العمالية، وهو دور يسبق دور الرجال في الكثير من الحالات، مثل إضرابات شركة غزل المحلّة المتتالية، واحتجاجات عمّال الغزل والنسيج بشكل عام، وحركة موظّفي الضرائب العقارية، واحتجاجات عمّال القطاع الصحي، وغيرها. وعلى الرغم من المشاركة الكثيفة للنساء في الحركة العمالية، غابت النساء عن الأدوار القيادية في الحركة. على سبيل المثال، لم يكن للعاملات وجود يذكر في لجان التفاوض أو اللجان النقابية في شركة غزل المحلة على الرغم من دورهن البارز. أيضاً، خلت لجنة قيادة الإضراب التي تشكلت من قطاعات الضرائب العقارية من وجود أي موظفة على الرغم من دور موفات الضرائب العقارية في الاحتجاجات التي نجم عنها انطلاق النقابات المستقلة في 2008، في تناقض واضح مع قدرة الحركة العمّالية على تحدي التقاليد الثقافية والاجتماعية، والتي كانت تنظر وقتها لوجود النساء في الإضرابات ومبيتهن في مواقع العمل في خلال الاعتصامات باستهجان. لم تنعكس قدرة الحركة العمالية على تحدّي الثقافة الذكورية على وجود النساء في قيادة الحركة العمالية، ولم يحرز أي تغيير في الحركة النقابية التي بقيت ذات طابع ذكوري، ولا في طبيعة المطالب العمالية التي رفعتها الإضرابات وغابت عنها المطالب النسوية. 

والحقيقة أن الطرح الرسمي لأوضاع العاملات اقتصر دائماً على الدور الاجتماعي للمرأة، فمواد قوانين العمل التي تناولت وضع النساء في علاقات العمل ارتبطت دائماً بإجازة الأمومة وساعة الرضاعة وتوفير دور الحضانة، فضلاً عن بعض القيود التي تضعها قوانين العمل على العمل الليلي للنساء خضوعاً للتقاليد الاجتماعية.  وتكشف أوضاع المرأة في علاقات العمل، ووضع المرأة في الحركة العمّالية، عن أن تقاليد المجتمع الذكورية وثقافته أكثر عمقاً ورسوخاً في المجتمع ولن تتغير من دون مواجهتها مباشرة وبشكل قصدي.