التمرّد الخاضع
انتقادات ماركسية لليسار المعاصر

  • التهمة التي يوجِّهها مؤلِّفو الكتاب إلى اليسار هي تركيزه السياسي على المقاومة الفردية والجزئية «للاضطهاد»، والتي تؤول أكثر فأكثر إلى تبنّي «سياسة الإصلاح الليبرالي». 
     
  • من المُتعذّر التمييز بين اليسار الرجعي المُعاصر وهذه النظرية الاجتماعية الماركسية الميكانيكية الفجّة. كلاهما يُعلن أنّه الراديكالي الحقيقي، وكلاهما يُبدي اندهاشه من عدم الفعالية السياسية المُطلقة.

جُوبه المفكِّرون السياسيون والفلاسفة قبل قرنٍ مضى بمفارقةٍ صارخةٍ، ألا وهي إذعان الثورة. ولم تتبدَّل الأوضاع إلّا عندما وفّرَت الظروف المادية والمنظّمات السياسية للجماهير الشعبية لحظة ثورية مواتية. بيد أنّ ظهور الفاشية أحبط في النهاية كلّ الجهود المبذولة لتحرير البشرية من أغلالها الرأسمالية. وينصبّ جزءٌ مهمٌّ من التحليلات التي ظهرت في تلك الفترة على العلاقة بين الواقع السياسي والاجتماعي، وهي مشكلة سوف تظلّ محوراً للخلاف بين معسكرين مُتعارضين تقريباً داخل التوجّه الماركسي: أولئك الذين جعلوا الأولوية للظروف الاقتصادية في تحديد الوجود الاجتماعي، وهؤلاء هم ماركسيو الاقتصاد السياسي؛ وأولئك الذين ارتأوا أنّه من المحال على مجتمع حُرِّ أنّ يتولّد منطقياً من ظروف المجتمع عديم الحرّية، وهؤلاء هم الماركسيون السياسيون. يمكن النظر إلى جمهورية فايمار في عشرينيات القرن الماضي باعتبارها لحظة تأسيسية للمقولة الخاصّة بالتيّار الأخير، وكان الفيلسوف والصحافي سيغفريد كراكور من بين أولئك الذين أخضعوا تلك المقولة للفحص المُدقّق خلال تلك الحقبة. بالنسبة لكراكور، كانت أدلجة الاقتصاد إحدى الصفات الجديدة حقّاً في بنية رأس المال. وهي صفة لا تنفصم عن العناصر الطبقية الجديدة - «الجماهير ذوي الرواتب» - الذين وإن كانوا ينتمون مادياً إلى الطبقة البروليتارية، إلّا أنهم كانوا يتقاسمون كل المثل العليا والقيم الأيديولوجية للطبقة الحاكمة. لقد تجلّت السمة المميّزة لهذه الطبقة الجديدة في التجائها إلى تنميق اللغة وزخرفتها، وهو ما خدم في تستير الواقع الوحشي للبؤس الحديث، وحال بالتالي دون نمو الوعي الطبقي السديد. لقد وصف كراكور هذه الرؤية الأيديولوجية، نقلاً عن موظّفٍ صغيرٍ في الإدارة الوسطى، بـ «الأخلاقوية الوردية».

تتردّد أصداء الماضي في جنبات الأوضاع الحالية، لأنّ الأسئلة التي طرحها الماضي لا تزال قائمة. وفي «التمرّد الخاضع»، وهو مجلّد جماعي يضمّ «انتقادات ماركسية لليسار المعاصر»، تُعاد صياغة المسألة على النحو التالي: في الوقت الذي تتدهور فيه باضطراد الظروف المعيشية لغالبية العمّال والمعطّلين عن العمل، لماذا لا توجد مقاومة واسعة النطاق للهيمنة الرأسمالية النيوليبرالية، ولماذا لا نرى أي فاعل تحرّري؟ بماذا نفسر غياب السياسة (الثورية)؟ إن طرح السؤال بهذه الصيغة الكلاسيكية نوعاً هي السمة الغالبة على شتّى المواقف النظرية للكتاب، والتي تتلاقى جميعاً عند تشخيص واحد وهو أنه لا توجد سياسة اليوم تحمل وعداً بتغييرٍ جذري، ناهيك عن الثورة. وفي حين أنّ الظروف المادية - تشير فصول الكتاب إلى التفكّك الأوروبي والليبرالية الاستبدادية وأزمة كوفيد-19 والتضخّم المتأجِّح والحرب في أوكرانيا - تشي ببؤس مُضطرد، فإن القوى السياسية المعارضة والمُعبِّرة عمّا يُسمّى بـ «الأجزاء التقدّمية من المجتمع» تغيب تماماً عن المشهد. والأسوأ من ذلك، و«مع التخلّي غير المُبرَّر عن الاستعارات اليسارية الكلاسيكية مثل تقرير المصير ورفض سلطة الدولة والدفاع عن مصلحة الطبقة العاملة»، يلوح أنّ أولئك الذين ينتمون رسمياً إلى اليسار المعاصر يرتضون تماماً أو حتى يؤازرون الهيمنة النيوليبرالية، في الوقت الذي يزعمون فيه شفاهةً مناصرة مصالح المظلومين والبؤساء. وباعتبارها «موضوع النقد» الذي يدور عليها الكتاب، واسترشاداً بكراكور، يمكن للمرء أن يطلق على هذه النظرة الأيديولوجية لليسار في الرأسمالية الغربية الراكدة اليوم: الأخلاقوية الحمراء.

لقد أعطى اليسار ظهره تماماً لمهمّة التحرّر الاجتماعي، وبات يشكّل حجر عثرة تمنع ظهور مثل هذه السياسة التحرّريةإن هذا اليسار التقدّمي، يسار الانتصارات الرمزية والهزيمة المادية الدائمة، وفقاً لمقدّمة المُحرِّرين، هو الذي يموِّه الطرق المختلفة المؤدِّية لاكتساب الوعي الطبقي. وبتعبير أدقّ، بنبذه لمنظور «الديناميكية الكلّية للكلّ الاجتماعي»، و«مسألة الهيمنة الموضوعية التي تنظر إلى الرأسمال كعلاقة»، قام اليسار المعاصر، الذي يتميّز بـ «الوضعية» و«المنطق الأخلاقي والمعرفي المعيب»، بـ «حجب الديناميكية الأساسية للمجتمع الحديث»، أي «العلاقة الاجتماعية والعالمية العامة في ظل قانون القيمة». التهمة التي يوجِّهها مؤلِّفو الكتاب إلى اليسار هي تركيزه السياسي على المقاومة الفردية والجزئية «للاضطهاد»، والتي تؤول أكثر فأكثر إلى تبنّي «سياسة الإصلاح الليبرالي» في إطار العلائق الرأسمالية، حيث تحوّلت الدعوة إلى الفردية الأخلاقية إلى واحدة من الأخلاقيات الشائعة. قاد هذا التحوّل في النقد الاجتماعي في نهاية المطاف إلى وضع بات فيه «نقد الشكل المُحدَّد تاريخياً للكل الاجتماعي وتوضيح إمكاناته التحرّرية التي لا يمكن اختزالها، والتي لم تتحقّق بعد، حكراً على الجماعات الهامشية والنقّاد المنعزلين». علاوة على ذلك، وكما يضيف سمير غانديشا، «هناك العديد من الدلائل على تعرُّض النقد والنزعة النقدية للهجوم مِن طرف مَن يَعِدُّ نفسه يساراً».

وتوفِّر المساهمات المختلفة أدلة على هذه التهمة من منظور ماركسي، وقائمة الاتهامات طويلة: التوثين اللاواعي للديمقراطية، صبغ النضالات بصبغة رومانتيكية داخل الجماعات اليسارية، الراديكالية الزائفة لأجندات ما بعد الاستعمار، النرجسية النخبوية المُتضمَنة في سياسات الهوية الليبرالية، أو فرض الرقابة على ما يفترض أنه تطوّر فني مستقل. وعلى النقيض من الشكل السائد للنشاط السياسي اليساري، والذي يبدو أنه يكرِّس نفسه بسذاجة لكلّ موضوع لحظي يشكّل أحدث الصرعات السياسية، يحاول منتقدوه الماركسيون تحاشي الخطأ عن طريق إدراج هذه التناقضات الأيديولوجية ضمن الكلّ الاجتماعي للرأسمال: لقد أعطى اليسار ظهره تماماً لمهمّة التحرّر الاجتماعي، وبات الآن يشكِّل حجر عثرة تمنع ظهور مثل هذه السياسة التحرّرية.

يتمثّل الدور الأيديولوجي لليسار في خلق «فراغ» سياسي عملي، يوصف بأنه إمّا «مناهض للسياسة» أو «ما بعد السياسة». يتمّ الحفاظ على هذا الفراغ من خلال أيديولوجية ما يُسمّى في بداية الكتاب «التركيبة الثلاثية لليسار»: العرق والطبقة والجندر. ضمن إطار هذه المقولات الثلاث، يرسم اليسار المُعاصر الاضطهاد في لوحة ملوّنة بالمشاعر الذاتية والغامضة للمظلومية، تقود إلى معارك سياسية تعسّفية من أجل المساواة أو العدالة أو الضمائر أو الهويات. عبر تجاهل مسألة الاستغلال باعتبارها الخاصية الكبرى للرأسمالية والفكرة الأساسية في «التغلّب على المجتمع البرجوازي»، فقد اليسار بصيرته الاستراتيجية.

المهمّة العملية التي يتصدّى لها النقّاد الماركسيون تتمثّل في السؤال عن كيفية تحويل هذا الفراغ إلى قوّة مادية تقدّمية. وبينما ترى غالبية مؤلّفي الكتاب أنه لا يمكن تحقيق هذا الهدف من دون نسف اليسار باعتباره أيديولوجية الرأسمالية النيوليبرالية، فإن الاستراتيجيات الحاسمة المؤدّية إلى ذلك تختلف اختلافاً كبيراً. مثلاً، في دراسة جورج هواري المتعلّقة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يشار إلى اليسار بوصفه مُمثّلاً للوضع القائم ويثير على الدوام المخاوف التي من شأنها أن تنفر من التغيير أو توحي باستحالته. الأمر الذي يؤدّي، في الأخير، إلى ثلم المطالب الجماهيرية وتحويلها إلى أجندة إصلاحية كلّما اندلعت أزمة حقيقية، من نوعية النتائج المُترتبة على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. عبر الانتقال من التركيز على اتهام اليسار بالتعامل المزدوج سياسياً إلى التركيز على تحليل أكثر هيكلية للأيديولوجية الجديدة، يجادل روبرت فالير في فصله أنّ اليسار في شكله النيوليبرالي، يسار سياسات الهوية، يمثِّل نوعاً من طوطم  الهزيمة: لم ينسَ اليسار كيف يربح فحسب، بل إنه بات يتلذّذ الهزيمة، ويعوّض الخسائر المادية الحقيقية بـ «الصورة المثالية لهويّتنا المضطهدة». من منظور التحليل النفسي لفالير، يكمن سرّ الهزائم المُتكرّرة، وبالتالي الألم المستمرّ، في متعةٍ مُستسرة، تتمثّل في الولع الشهواني بعدم الحصول على ما يخال المرء أنه يريده. وعليه، فإن التخلّي عن العالم العجائبي الخيالي للهويات، وفقاً لفالير، يصبح الشرط الأساسي الضروري لمعاودة الانشغال بالسياسة مرّة أخرى. من المُمكن النظر إلى هاتين المقالتين على أنّهما محض مقاربات انفعالية، لكن هناك المزيد ممّن وقّعوا على إعلان الحرب على اليسار، كنقد نيفديتا ماجومدار لما بعد الاستعمار، أو تحليل التضامن الشرير مع المجموعات المُهمّشة التي تخلّى عنها «حلفائها» اليساريين كما يؤكّد راجي سي شتاينك.

الفاعل الوحيد الذي يمكن رؤيته لا يريد أكثر من البقاء على قيد الحياة ويشيح عن المشاركة في تغيير العالماستكمالاً لهذه المساهمات التحريضية، انطلقت فصول أخرى لدراسة التطوّر التاريخي الذي قاد إلى المأزق الحالي. تدرس مساهمة سمير غانديشا أسباب انهيار الفكر الشيوعي و/أو الماركسي بعد العام 1989 وظهور التيّارات السياسية والأخلاقية التي تعتقد أن عنف اللغة يمثِّل المشكلة الأساسية للفكر السياسي، والتي تستنكر بالتالي التغيير المادي الذي يمرّ من خلال السياسة المُنظّمة باعتباره أمراً خطيراً وضارّاً. عوضاً عن ذلك، تقوم مارين ثوم بتتبع المحاولات الفاشلة لـ «مناهضة السياسة»، على غرار سيريزا وبوديموس وجيليت جونس، وغيرها من النماذج التي ظهرت في العشرين عاماً الماضية. بدءاً من «الضعف العدواني» في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ومروراً بمرحلة الحركات التنظيمية الضحلة المُفتقرة للأجندة السياسية فيما تلى الأزمة المالية في العام 2008 (حركة "احتلّوا وول ستريت" مثلاً)، وكذلك موجة الأحزاب اليسارية الشعبوية، يكشف أنطون جاغر في مثال مارك فيشر عن الروابط القوية بين الفكر السياسي وسياسة اليسار. هنا يرسم جاغر خطاً ينتهي بتشخيص «وهم» اللاجماهيرية «في عصر ما بعد السياسة الجماهيرية»، عالم سياسي في خضم أزمة كوفيد حيث الفاعل الوحيد الذي يمكن رؤيته «لا يريد أكثر من البقاء على قيد الحياة» ويشيح عن المشاركة في تغيير العالم المُهدِّد لرأس المال العالمي. لا تنتهي الفصول إلى إجماع على مآل الحركات السياسية اليسارية، ومع ذلك، فإنها تثري التحليل المنطقي وتضيف المزيد من الفروق الدقيقة إلى النقاش.

وبينما يزخر الكتاب بثمار الهدف الأساسي المُتمثّل في تسليط الضوء على بعض التشكيلات الأيديولوجية الحالية واقتفاء أصولها التاريخية، إلّا أن اللحظة المُنتظرة التي سيحلّ فيها المنظور الماركسي «السديد» محل اليسار «الرديء» تتسبّب في خيبة أمل. فإن المقترحات النظرية الأكثر إيجابية للكتاب مشوبة بمسألة الثورة العتيقة المتقدّم ذكرها، ولا نجد شيئاً بخلاف الفهم النظري الفظّ للسببية الاجتماعية والسياسية. وبينما يظفر القارئ بتبصّرات ثاقبة صوب معضلات الفكر السياسي الحالي، نتيجة «النقد القاسي للحاضر» المنوَّه به في بداية الكتاب و«الاستراتيجية السياسية» المُشتقّة من «النقد الصارم لرأس المال»، ينحرف الجزء الثاني المُتعلّق ببناء «حزب المعارضة الجذرية»، ويعلق في منتصف الطريق من خلال استحضاره شبحاً صورياً لا تاريخي للبروليتاريا (المُحدّدة اجتماعياً). يصبح السؤال في محلّه إذا لم تكن المشكلة الأولية ناجمة جزئياً عن نقدٍ ماركسي مُعيّن يصوِّر نفسه باعتباره القطعة البطولية المفقودة في معرفة الثورات التي تُعَدّ غير كافية.

وبالطريقة نفسها، فإن «الفراغ» السياسي لا يدلّ على عدم تمكّن اليسار من الإجابة على السؤال المُتعلّق بطريقة التفكير في السياسة فحسب، بل يكشف كذلك عن تأخّر الماركسية العلمية عن مواكبة تغيّر العلاقة الاجتماعية لرأس المال. في بعض الأجزاء، يظلّ من المفيد توضيح المفاهيم الماركسية الكلاسيكية عن طريق مجابهتها مثلاً بتحليلات ما يُسمّى بـ «الرأسمالية العرقية» التي اضطلع بها نيك نيسبيت. أو مسألة النوع الاجتماعي، التي أثيرت ضمن مقابلة المُحرّرين مع جين، للإشارة إلى تغيّرات مهمّة. مع ذلك، فإنّ النهج الماركسي الأرثوذكسي لنقد الاقتصاد السياسي، إذا ما طُبّق آلياً، فلن يرى في هذا «الفراغ» غير الافتقار إلى الوعي الطبقي داخل الطبقة العاملة. وبالنسبة لمعظم الماركسيين الأرثوذكس، فإنّ هذا النقص يحتاج بالطبع إلى أن يُملأ بـ «الوعي العلمي (البروليتاري)»، أي الحزب الاشتراكي، لأن من دون الحزب، سوف يبقى العمّال الجهلة في حالتهم المتدنّية عاجزين عن الوعي بوضعهم. كلّ هذه الإحداثيات ترِد في الفصل الذي كتبه جوشوا بيكيت ديبوليس كإطار مفاهيمي للتفكير في «الضرورة العابرة للتاريخ والوساطة التنظيمية والوعي العلمي والقيادة الاستراتيجية»، غير قادر على التعاطي جدلياً مع الإخفاقات التاريخية الهائلة التي مُني بها هذا النهج خلال القرن العشرين، وغير راغبٍ على ما يبدو في استخلاص النتائج حتّى من الأحداث الحاسمة وفقاً للمادية التاريخية. يختزل بيكيت ديبوليس السياسة إلى مسألة استقراء حاضرنا البائس، المحكوم أبداً بإعادة إنتاج منطق الهيمنة عبر إعادة إنتاج تقسيم العمل اليدوي والفكري مرارًا وتكرارًا.  إذا كان اليسار يجثو على ركبتيه، فهذه هي النسخة البالية والرجعية من الماركسية.

عند هذه النقطة، يغدو من المُتعذّر التمييز بين اليسار الرجعي المعاصر وهذه النظرية الاجتماعية الماركسية الميكانيكية الفجّة. كلاهما يعلن أنه الراديكالي الحقيقي، وكلاهما يبدي اندهاشه من عدم الفعالية السياسية المُطلقة. وكلاهما ينطبق عليه وصف «الأخلاقوية الحمراء».

من أين المخرج إذن؟ يبدأ «التمرّد الخاضع» بثلاثة اقتباسات، أحدها مأخوذ من رواية «الأساتذة القدامى» للكاتب النمساوي «توماس برنارد»، في إشارة إلى ضرورة الدعم الجماهيري لأي مشروع (سياسي) حيوي. ما يحذفه البيان الافتتاحي للنقّاد الماركسيين هو سياق هذا الاقتباس: في الصفحات السابقة، يوضح بطل الرواية أن الصمود في أزمنة اليأس يتطلّب من المرء أنّ يخون، أنّ يسيء استخدام القوالب النظرية الحاكمة. وبالمثل، يجب على المرء ألا يكتفي بالصورة التقليدية للماركسيين وهم يعلِّلون أنفسهم في موقف من العزلة الراديكالية والراديكالية الذاتية التي نجدها جزئياً في التمرّد الخاضع. يبدو أن إساءة استخدام الأساتذة القدامى، ليس على الأقل ماركس نفسه مع الحرص الشديد على تزويد مشروعه ومشروعنا النظري بمضمون حيّ، هي إحدى المهام التي يتقدّم فيها برنارد على مشروع التمرّد الخاضع. لأن التغلّب على المأزق الأخلاقوي الأحمر، يستلزم أكثر من مجرّد المطالبة بحقّ حصري في التلويح بالعلم الأحمر.

نُشِرت هذه المراجعة في Marx and Philosophy Review of Books في 30 كانون الثاني/يناير 2023