معاينة pollution

الجنوح المُفرط نحو الاستثمار في الوقود الأحفوري
مدمِّرو الكوكب

4 اقتصادات كبرى، هي: الولايات المتحّدة وكندا والنروج وأستراليا، ستكون مسؤولة عن نحو 70% من الانبعاثات الناتجة عن التوسّع في مشاريع النفط والغاز بين عامي 2025 و2035. وكانت تقديرات سابقة قد أشارت إلى أن أغنى 20 دولة ستكون مسؤولة عن نحو 90% من الانبعاثات بين عامي 2023 و2050. 

تأتي هذه التقديرات بعد مرور 10 سنوات على اتفاقيّة باريس للمناخ، إذ تتضاءل الآمال المعقودة على التزام دول الشمال العالمي في الحدّ من ارتفاع درجة حرارة الأرض، ويشهد العالم جنوحاً خطيراً نحو ضخّ استثمارات ضخمة ومتزايدة في استخراج الوقود الأحفوري، والابتعاد أكثر فأكثر عن هدف التحوّل نحو الطاقة المتجدّدة، والنكوص بوعود التمويل الكافي والعادل للدول النامية، التي تضعها الدول الغنية أمام مستقبلٍ كارثي.

1

مليار طن اضافي من الانبعاثات الكربونيّة الملوّثة

في العام 2023، التزمت معظم الدول في خلال قمّة المناخ في دبي بالانتقال بعيداً من الوقود الأحفوري بشكل منصف وعادل، كما تعهّدت في العام الماضي خلال قمّة باكو بتأمين التمويل اللازم لذلك وحشد الدعم لسدّ الحاجات التمويلية للدول النامية. إلا أنّ الدول القوية والغنية ما تزال تتجاهل هذه الالتزامات، وتمعن في التوسّع المستمرّ بإنتاج النفط والغاز على أوسع نطاق خلال العقد المقبل.

يشير تقرير «مدمّرو الكوكب» الصادر عن Oil Change International الى أنّ أربع دول من الشمال العالمي، وهي الولايات المتحدة الأميركية وكندا والنروج وأستراليا، ستكون مسؤولة بشكل جماعي عن نحو 70% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، التي ستصدر عن الاستثمارات الجديدة في حقول وآبار النفط والغاز بين الأعوام 2025 و2035، أي نحو 32 مليار طن من الانبعاثات الكربونيّة الملوّثة. 

تشير التقديرات الحالية إلى أن الانبعاثات المتأتية من الحقول والآبار الحالية تتسبب بثلاثة أضعاف ونصف ضعف كميّة الكربون المفترض عدم تجاوزها حتى عام 2100 لإبقاء ارتفاع درجة حرارة الأرض دون 1,5 درجة مئويّة فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. تساهم الولايات المتحدة (58%) وكندا (9%) مجتمعتين بثلثي الانبعاثات المتوقّعة، في حين تبرز البرازيل، الدولة المستضيفة لقمة المناخ هذا العام، بين الدول العشر الأوائل في مجال توسع النفط والغاز حتى عام 2035، حيث تتجاوز خططها تلك التي وضعتها السعودية.

تأتي هذه الأرقام بعد سنتين تقريباً من تقرير آخر صادر عن المنظّمة نفسها في العام 2023، والذي أشار الى أنّ عشرين دولة متطوّرة ستكون مسؤولة عن حوالي 90% من الانبعاثات الصادرة من جرّاء استخدام الوقود الأحفوري واستمرار مشاريع النفط والغاز بين أعوام 2023 و2050، بمن فيهم الدول الأربع المذكورة أعلاه بقيادة الولايات المتّحدة (تستحوذ على أكثر من ثلث المشاريع حتى 2050). تضيف المنظّمة أنّ حجم التوسّع هذا من شأنه أن يجعل خطط مكافحة التغيّر المناخي شبه مستحيلة، ويؤدي إلى فوضى مناخية ومناطق غير صالحة للعيش.

تدلّ هذه المؤشرات الى حجم الانفصام الحاصل اليوم، والذي يُتوقَّع أن يستمرّ مستقبلاً، بين ما تتعهّد به دول الشمال المتطوّرة، وبين ما تقوم به فعليّاً. فبينما كانت اجتماعات مدينة «بون» المناخية، وهي الاجتماعات السنويّة التي تسبق قمّة المناخ من كل عام، تُعقد للتباحث بجدول القمّة والبنود المتعلقة بتمويل المناخ وصندوق التكيّف المناخي، كانت بعض حكومات هذه الدّول تزيد استثماراتها في الوقود الأحفوري للسنوات المقبلة.

2

النموذج الأميركي: احفر يا عزيزي احفر

تتربّع الولايات المتحدة كأكبر منتج للنفط حول العالم منذ أكثر من خمس سنوات، وشكّلت مع روسيا والسعودية مجتمعين حوالي 40% من النفط المنتج عالميّاً. يأتي ذلك مصحوباً بسياسات مترافقة تهدف إلى تسريع التوسّع في مجال النفط والغاز كسلاحٍ أميركي في الحرب التجارية العالميّة. بناء على ذلك، استندت تقديرات المنظّمة على المشاريع المنوي تطويرها بين 2025 و2035، وتحديداً الآبار الجديدة لإنتاج الزيت الصخري والتي ارتفعت في السنوات الأخيرة.

في الحقيقة، تسعى إدارة دونالد ترامب في ولايته الثانية إلى تسريع آليات الموافقة على بنى تحتية جديدة للإنتاج والتصدير، أو ما عُرف بشعار Drill Baby Drill «احفر يا عزيزي احفر»، مع ما يُرتّب ذلك من ضرر بيئي. تجلّى ذلك في الأشهر القليلة الماضية بإلغاء القوانين البيئية كما قرارات إدارة بايدن المتعلّقة بالمناخ، والتي ستكون تداعياتها أكثر شدّة على المجتمعات.

وكانت آخر هذه القرارات صدور قانون الموازنة وتصديقه في الكونغرس الأميركي في الأسبوع الأول من تموز/يوليو الحالي، والذي من شأنه إعادة صياغة قطاع الطاقة الأميركي من خلال خفض الإعفاءات الضريبية المخصّصة لطاقتي الشمس والرياح كما السيارات الكهربائية. التشريع يعزّز استخدام الوقود الأحفوري ويفكّك العديد من أكبر الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفيدرالية لمكافحة التغيّر المناخي في الأعوام الأخيرة. وتشمل الاجراءات أيضاً إلغاء تمويل العديد من مختبرات المناخ، بما في ذلك مختبر «ماونو لاو»  في هاواي، والذي يقيس نسبة الانبعاثات الكربونية في الغلاف الجوّي، وفق ما ذكرته شبكة سي أن أن.

نتيجة لهذه الاجراءات، يُتوقّع أن تُضيف الولايات المتحدة حوالي 7 مليارات طن من الانبعاثات من الآن وحتى عام 2030، وأن تستقرّ نسب انبعاثاتها على ما هي عليه اليوم، فيما الحاجة اليوم لإنقاذ البشرية تدعو الى خفضها بنسبة 40% لتتلاءم مع أهداف المناخ.