الحرب على غزّة
أرض محروقة وإبادة جماعية وترحيل قسري
الأرض المحروقة
جاهرت دولة الاحتلال أن أحد أهداف حربها على قطاع غزّة هو إنزال أكبر الخسائر البشرية والمادية، وهي تعتمد سياسة «الأرض المحروقة» لتحقيق هذا الهدف.
تقوم هذه السياسة على تدمير كل ما يمكن أن يفيد «العدو» في مقاومته، وإسرائيل تعتبر قطاع غزّة كياناً معادياً، وتصنّف كل ما هو قائم في القطاع، كلّ شيء بالمعنى الحرفي، مفيداً للمقاومة وتسعى إلى تدميره، بما في ذلك السكّان، الذين قال الرئيس الإسرائيلي عنهم: «من الواضح، وبشكل لا لبس فيه، أن هناك أمّة كاملة تتحمّل المسؤولية، ليس صحيحاً القول أن المدنيين غير واعين وغير ضالعين في الأمر، هذا غير صحيح على الأطلاق».
في كل دقيقة، يسقط فلسطيني شهيداً أو جريحاً في حرب الإبادة الجماعية التي تشنّها دولة الاحتلال على قطاع غزّة، بدعم أميركي وغربي مباشر.
يرتفع عدّاد الضحايا باطراد، وحتى مساء الأحد، استشهد 2,670 فلسطينياً وأصيب 9,600 بجروح، من بينهم 3,174 طفلاً. ولا يزال 1,000 شخص في عداد المفقودين، والأرجح أنهم ما زالوا تحت الأنقاض.
عدد الشهداء في 8 أيام من الحرب الجارية تجاوز عدد الشهداء في 51 يوماً من الحرب التي شنّتها دولة الاحتلال على قطاع غزّة في العام 2014.
في الأيام الخمسة الأولى، أعلن جيش الاحتلال أنه قصف قطاع غزّة بأكثر من 6,000 قنبلة، تحمل أكثر من 4,000 طنّاً من المتفجرّات، وتعادل قوّتها ربع قنبلة نووية، وفق توصيف المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان.
كمّية المتفجّرات التي رمتها دولة الاحتلال على قطاع غزّة في أسبوع تساوي الكمية التي رمتها الولايات المتحدة على أفغانستان في سنة، وفق تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية. علماً أن مساحة قطاع غزّة لا تمثّل سوى 0.05% من مساحة أفغانستان، والكثافة السكّانية أعلى بكثير.
لا تتجاوز مساحة قطاع غزّة 365 كيلومتراً مربعاً، يعيش فيها نحو 2.2 مليون نسمة، أي أكثر من 6,000 شخص في الكيلومتر المربع الواحد. وتمثّل كمّية المتفجّرات التي أسقطها جيش الاحتلال 11 طنّاً على كلّ كيلومتر مربّع واحد من القطاع، بمعدّل طنّ من المتفجّرات على كلّ 545 شخصاً يعيش في القطاع.
حتى مساء الأحد، كان جيش الاحتلال قد دمّر أكثر من 10,500 وحدة سكنية، وشرّد أكثر من مليون شخص، واستهدف المرافق الصحية وطواقم الإسعاف والمدارس التي تُستخدم لإيواء مئات آلاف النازحين، الذين فقدوا مساكنهم أو يحاولون إيجاد ملاذ أكثر أمناً.
في الأسبوع الأول من الحرب، قصف جيش الاحتلال 6 آبار مياه و3 محطّات لضخّ المياه وخزّان مياه ومحطّة تحلية تخدم أكثر من 1,100,000 شخص، وفق ما ورد في تقرير مكتب الأمم المتّحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية يوم الجمعة الماضي.
الإبادة الجماعية
فرضت دولة الاحتلال حصاراً تامّاً وشاملاً على قطاع غزّة، ولم تسمح بدخول أي إمدادات إنسانية حتّى الآن، وعمدت إلى قصف معبر رفح على الحدود الفلسطينية-المصرية بهدف منع أي محاولات لكسر الحصار المطبق الذي تفرضه برّاً وبحراً وجوّاً.
تصف تقارير منظّمات الأمم المتّحدة «جرائم الحرب» الجارية، وتتهم دولة الاحتلال بممارسة «العقاب الجماعي» و«تحويل غزّة إلى جحيم»، إلا أنها تتلعثم في توجيه اتهام مباشر لاسرائيل بارتكاب جرائم «الإبادة الجماعية»، على الرغم من أن فرانشيسكا ألبانيز، المقرّرة الخاصّة المعنية بوضع حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلّة منذ العام 1967، وجّهت تحذيراَ من «نكبة جديدة، ولكن على نطاق أوسع»، وذكّرت أن «إسرائيل قامت بالفعل بالتطهير العرقي الجماعي للفلسطينيين تحت ضباب الحرب. ومرّة أخرى باسم الدفاع عن النفس، تسعى لتبرير ما قد يصل إلى التطهير العرقي».
إن محاصرة 2.2 مليون إنسان في أقل من 365 كيلومتراً مربعاً، وقصفهم بالآف الأطنان من المتفجّرات، وقتلهم، وجرحهم، وتشريدهم، وقطع الغذاء والدواء والمياه والكهرباء والوقود عنهم، ومنع نجدتهم في ظروف الحرب… هي جريمة إبادة جماعية إضافية ترتكبها دولة الاحتلال لقمع أي مقاومة من الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه.
في الأيام الخمسة الأولى من الحرب، أعلن جيش الاحتلال أنه قصف قطاع غزّة بأكثر من 6,000 قنبلة، تحمل أكثر من 4,000 طنّاً من المتفجرّات، وتعادل قوّتها ربع قنبلة نووية
«لم يُسمح بدخول قطرة ماء واحدة، ولا حبّة قمح واحدة، ولا ليتر من الوقود إلى قطاع غزّة في خلال الأيام التسعة الماضية»، وفق تعبير المفوّض العام لوكالة الأونروا فيليب لازاريني، «نعلم جميعاً أن الماء هو الحياة وأن المياه تنفد من غزّة وأن الحياة تنفد منها».
منذ 11 تشرين الأول/أكتوبر، تشهد غزة انقطاعاً كاملاً للكهرباء، الأمر الذي أدّى إلى انهيار خدمات الصحّة والمياه والصرف الصحّي الأساسية. المياه النظيفة تنفد في قطاع غزّة، بعد توقّف محطّة المياه وشبكات المياه العامّة عن العمل. ويضطر الناس الآن إلى استخدام المياه القذرة من الآبار، مما يزيد من مخاطر الإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه.
وناشدت وكالة الأونروا في بيان لها في 14 تشرين الأول/ أكتوبر: «نحن بحاجة إلى نقل الوقود إلى غزّة الآن. الوقود هو السبيل الوحيد للناس للحصول على مياه الشرب المأمونة. إذا لم يكن الأمر كذلك، فإن الناس سوف يموتون من الجفاف الشديد، ومن بينهم الأطفال الصغار وكبار السن والنساء. الماء الآن هو شريان الحياة الأخير المتبقي».
توقّفت جميع محطّات تحلية مياه البحر الثلاث عن العمل، والتي كانت تنتج في السابق 21 مليون ليتر من مياه الشرب يومياً. كما انقطعت إمدادات مياه الشرب من إسرائيل منذ مساء يوم 9 تشرين الأول/أكتوبر، واعتباراً من 12 تشرين الأول/أكتوبر، لم يعد بإمكان معظم السكّان في قطاع غزّة الحصول على المياه.
أمس، حذّر مكتب الأمم المتّحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية من أن جميع المستشفيات في غزّة لديها ما يقرب من 24 ساعة من الوقود لتشغيل المولّدات الاحتياطية. ومن شأن إطفاء الموّلدات أن يعرّض حياة آلاف الجرحى والمرضى لخطر داهم».
يعاني قطاع غزّة من نقص فادح في التجهيزات الصحيّة بسبب الحصار المديد، وأسفرت الحرب التي تشنّها دولة الاحتلال إلى تعطيل 3 مستشفيات من أصل 23 مستشفى، ولا تزال 20 مستشفى تعمل بأكثر من طاقتها بكثير، وتستقبل أكثر من 1,000 جريح إضافي كل يوم.
وفق وزيرة الصحّة مي الكيلة، استشهد 28 كادراً يعملون في القطاع الصحّي، وأصيب العشرات منهم، وتم استهداف 15 مركزاً طبياً، وتوقّف مستشفى بيت حانون ومستشفى الدرة للأطفال عن تقديم الخدمة، كما تمّ إلحاق الضرر بـ23 مركبة إسعاف وتعطّلت عن العمل.
يقترب سكان قطاع غزّة من المجاعة. تقترب مخزونات الأغذية، ولا سيّما الطحين، من النفاذ في ظل الحصار المطبق، في حين تمنع دولة الاحتلال المزارعين من التوجّه إلى أراضيهم، وتمنع الصيد كلّياً واستهدفت مصانع الاغذية.
الترحيل القسري
تحاول دولة الاحتلال افتعال كارثة إنسانية لتحقيق خططها المعلنة لترحيل السكّان إلى جنوب وادي غزّة، وتفريغ الشمال من سكّانه، ولا سيّما مدينة غزّة وجباليا ومخيم جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون وأم النصر، وهي مناطق ذات كثافة سكانية مرتفعة، ويعيش فيها نحو 1.1 مليون فلسطيني وفلسطينية.
تضمّ المناطق جنوب وادي غزّة دير البلح وخان يونس ورفح، وتبلغ مساحتها نحو 229 كيلومتراً مربعاً، ولديها حدود مع مصر تمتد على نحو 12.6 كيلومتراً.
إن محاولة حشر نحو 2.2 مليون نسمة في هذه المساحة الضيّقة المحاصرة، وغير الآمنة، سوف ترفع في حال نجاح دولة الاحتلال بخطّتها إلى رفع الكثافة السكّانية إلى أكثر من 9,570 شخصاً في كل كيلومتر مربّع، أو بمعدّل 9.5 شخص في المتر المربع الواحد.
في ظل إطباق الحصار، لا غذاء ولا مياه ولا أدوية ولا وقود ولا كهرباء ولا مآوي، وإسقاط آلاف أطنان من المتفجّرات على رؤوس الناس في كلّ مناطق قطاع غزّة، ومنع وصول أي مساعدات إنسانية… تحاول دولة الاحتلال جعل قطاع غزّة مكاناً غير صالح للحياة، وتراهن على كسر إرادة الصمود والمقاومة لدى السكّان، ودفعهم إلى اللجوء إلى سيناء في مصر.
وتتعرّض مصر لضغوط أميركية وإسرائيلية لفتح معبر رفح، والسماح بتدفّق اللاجئين من غزّة إلى الصحراء المصرية، وتُطرح مسألة «الترانسفير» في وسائل الإعلام الغربية كحل للكارثة الإنسانية، في حين أن الهدف واضح، وفق معظم التحليلات، وهو إفراغ القطاع من معظم سكّانه.
وذكرت تقارير إعلامية نشرتها «فوكس نيوز» و«أكسيوس» أن الرئيس الأميركي، جو بايدن، بحث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إجلاء المدنيين الفلسطينيين في غزّة إلى مصر، وقالت تلك التقارير إن «البيت الأبيض يناقش تلك الخطوة مع دول أخرى للبدء في تنفيذها». ونقلت وكالة «أسوشييتد برس»، الخميس الماضي، عن مسؤول مصري كبير رفض الكشف عن هويته، أن حكومة بلاده «رفضت مقترحاً أميركياً بالسماح للفلسطينيين بمغادرة قطاع غزّة نحو الأراضي المصرية».