معاينة tiktok ban

الهجرة الأميركية الكبرى إلى RedNote بديلاً عن Tiktok

قبل ان يعكس الرئيس الاميركي دونالد ترامب المسار في الدقيقة الأخيرة قبل توليه منصبه اليوم الاثنين، كان الحظر على «تيك توك»، وإغلاق خدماته في الولايات المتحدة وشيكاً. ونتيجة لذلك، بدأ مستخدمو «تيك توك» المقيمون في الولايات المتحدة في التوافد على تطبيق صيني جديد للتواصل الاجتماعي يوفر وظائف مماثلة لـ«تيك توك»، وهو «RedNote». وقد أعدّ «لاجئو تيك توك» الأميركيون كثيراً من مقاطع الفيديو الكوميدية، أمتعت قاعدة مستخدمي RedNote التي يغلب فيها الصينيون وأسعدتهم.

تبدو هذه الهجرة مفهومة وغير مفاجئة، إذا ما نظرنا إلى المعارضة الواسعة النطاق لحظر «تيك توك»، لاسيما من آلاف الشركات الصغيرة التي تعتمد على التجارة الاجتماعية لـ«تيك توك» في معيشتها. وRedNote هو تطبيق للفيديوهات القصيرة، لطالما سعى إلى تحسين نفسه لأغراض التجارة الاجتماعية. و«الهجرة الأميركية الكبرى إلى RedNote للعام 2025» هي أيضاً فعل تحدّ رمزي من مستخدمي «تيك توك» الأميركيين، الذين يرفض كثير منهم السردية الرسمية الأميركية القائلة بأنه لابدّ من حظر التطبيق لأسباب تتعلق بالأمن القومي، إذ قد يكون التطبيق أداة تجسس محتملة للحكومة الصينية». وبالصدفة، يصبح فعل التحدّي هذا أكثر رمزية بسبب الاسم الصيني للتطبيق 小红书 - Xiao Hong Shu - الذي يُترجم حرفياً إلى «الكتاب الأحمر الصغير»، في إشارة إلى كرّاس اقتباسات ماو تسي تونغ الذي نشر وانتشر في خلال الثورة الثقافية في الصين. ومن المؤكد أن رمزية «الكتاب الأحمر الصغير» لن تروق للنخب الأميركية ذات الميول المكارثية (مثل السيناتور توم كوتون).

وبعيداً من قيمتها الترفيهية الرمزية، فإن «الهجرة الأميركية الكبرى إلى RedNote» تحمل أهمية تاريخية أعمق بكثير على المستوى الحضاري، وتمثّل حدثاً بارزاً لا يقل إثارة للصدمة عن الرحلة التجريبية التي أجرتها الصين أخيراً لمقاتلتها الجديدة  J-36.

القصة الأميركية الأصلية (الرقمية) و«صراع الحضارات» (الرقمي)

تُعدَّ الهجرة إلى RedNote أشدّ الظواهر «الأميركية» في خلال ما يزيد عن 30 عاماً من العيش في الولايات المتحدة، لأنها تجسّد «الروح الأميركية» في شكلها الأصلي. وهي تظهر أن «الروح الأميركية» حيّة وجيّدة في بعض النواحي، على الرغم من الآراء الشائعة بشأن الانحدار الثقافي والحضاري للولايات المتحدة. تأسست الولايات المتحدة الأميركية في الأصل من خلال أشخاص تركوا بلدانهم الأصلية عندما شعروا بتهميش حكوماتهم وقمعها لهم، وهاجروا إلى أرض جديدة، وحافظوا على أسلوب حياتهم. إن «الهجرة» إلى RedNote هي التجسيد الرقمي لـ «للقصة الأصلية» الأميركية.

حين يرى الأميركيون أن خلق القدر نفسه من الحداثة وتحقيق رخاء ممكن في ظل نظام حكم وثقافة بديلين، سوف يتهدّد الزيف الراسخ عن تصوراتهم للذات بشكل جذري

لكن في القصة القديمة، سرعان ما اتّخذ الشيء الذي بدأ كرحلة بطولية مساراً أكثر قتامة. عندما هاجر اللاجئون المهمّشون من أوروبا إلى العالم «الجديد» وأسّسوا هوية جديدة لأنفسهم باعتبارهم أميركيين، حاولوا إعادة تشكيل ذلك العالم على صورتهم ونجحوا في ذلك. لكن في خلال هذه العملية، ارتكبوا أيضاً بعضاً من أسوأ الجرائم ضد الإنسانية في حق السكان الأصليين. ومن الواضح أنّ المستخدمين الصينيين «الأصليين» لتطبيق RedNote لن يكونوا عرضة لفظائع مماثلة من جرّاء هذه «الهجرة» الرقمية الحديثة. ومع ذلك، إذا ظل «لاجئو تيك توك» مخلصين لأنفسهم كأميركيين، فسوف يحاولون حتماً «إعادة تشكيل RedNote على صورتهم»، من خلال تحدّي المعايير السلوكية والثقافية للتطبيق الصيني في الفضاء الإلكتروني. وبذلك، سوف يحدثون «صراعاً حضارياً» رقمياً يختبر قدرة شركة صينية على التكيّف مع التدفّق السريع لقواعد المستخدمين الجُدد والتلاؤم مع المعايير الثقافية في مجتمع سيبراني معولم.

تاريخياً، في كلّ مرة احتلّ فيها غزاة أراضٍ صينية، كان يتم استيعابهم ودمجهم في المجتمع الصيني. وهذه السمة هي جزء ممّا جعل الصين الحضارة الأكثر مرونة واستدامة في تاريخ البشرية. وفي حين أنّ لاجئي تيك توك ليسوا «غزاة» بالمعنى التقليدي للكلمة، سوف يكون من المثير أن نرى كيف سيحدث «الاستيعاب» على الطريقة الصينية بمرور الوقت في المجال الافتراضي، وما إذا كانت شركات الخدمات الرقمية الصينية قادرة حقاً على التكيّف مع هذه البيئة المتنوّعة والازدهار فيها.

الحرب الباردة الرقمية الحديثة

بالنظر إلى حالات تاريخية مماثلة قريبة العهد، فإن الهجرة إلى RedNote ما هي إلا تأكيد آخر لإعلان نايل فيرغسون: «نحن جميعاً سوفييت الآن». ففي الروايات الشعبية الأميركية عن الحرب الباردة، غالباً ما استذكر هذا المؤلف قصصاً تتناول كيف كانت المنتجات الثقافية البسيطة، مثل كوكا كولا وجينز ليفايز وموسيقى الروك أند رول، مقيدة بشدة في الاتحاد السوفياتي السابق، لكنها كانت مطلوبة بكثرة من قبل الشباب السوفياتيين كرموز للمكانة الاجتماعية لكونها «عصرية وتقدّمية ومعارضة للقيم السائدة». ولقد أظهرت هذه المنتجات الثقافية الأميركية لمحات من دينامية الغرب وازدهاره، وأدّت تدريجياً إلى خيبة أمل داخل المجتمع السوفياتي، والزوال النهائي للدولة السوفياتية نفسها.

من الممكن أن تكون هذه «لحظة سبوتنيك» بطيئة الحركة تحفّز الأميركيين على العمل لتجديد دينامياتهم

«للهجرة الأميركية الكبرى إلى RedNote» أوجه شبه قوية بظاهرة الحرب الباردة. لاجئو تيك توك الأميركيون اليوم هم «شباب الاتحاد السوفياتي» في الأمس. مع ذلك، فإن تأثير الهجرة إلى RedNote قد يكون أكبر وأسرع بكثير. وعندما يبدأ الأميركيون في التفاعل مع الصينيين العاديين على نطاق غير مسبوق، سوف يستوعبون زيف جانبين أساسيين من التصور الأميركي للذات: أولاً، أن الشعب الأميركي هو «الشعب الاستثنائي» الذي كان وسيظل دائماً في طليعة الحداثة والازدهار نظراً لخصائصه الوطنية الفطرية، وثانياً، أن قدر الأميركيين هو نشر هذه الخصائص الوطنية في جميع أنحاء العالم، بغية نشر الحداثة والازدهار لجميع الشعوب الأخرى في العالم.

حين يرى الأميركيون أن خلق القدر نفسه من الحداثة وتحقيق رخاء ممكن في ظل نظام حكم وثقافة بديلين - لاسيّما نظام «أدنى» تعلّموا احتقاره وخشيته - سوف يتهدّد الزيف الراسخ عن تصوراتهم للذات بشكل جذري. وحين يستوعب لاجئو تيك توك حقاً أنه تمّ تخطّي الولايات المتحدة في نواحٍ عديدة (على سبيل المثال البنية التحتية، والتحول الرقمي، والسلامة، وإدارة الكوارث، والاقتصاد منخفض الارتفاع، وما إلى ذلك)، سوف يتضخّم هذا التحدّي بشكل هائل مع نتائج غير متوقعة إلى حد كبير.

قد يميل المرء إلى الاعتقاد بأن أوهام الأميركيين سوف تتبدد مثل أوهام أسلافهم السوفييت. لكن من الممكن أيضاً أن تكون هذه «لحظة سبوتنيك» بطيئة الحركة تحفّز الأميركيين على العمل لتجديد دينامياتهم؛ «لحظة سبوتنيك» من نوع لم تتمكن «منتجات صينية بارزة» أخرى مثل J-36، أو شبكات Huawei 5G، أو الكمبيوتر الكمي Jiuzhang من إحداثها أبداً، لأنها كانت منتجات بعيدة جداً وغير مرتبطة بالأميركي العادي.

هل سوف تلجأ المؤسسة الأميركية إلى تكتيكات أكثر قسوة لتقويض الشركات الصينية من أجل مواجهة تأثيرها الثقافي والأيديولوجي غير المقصود في الشباب الذي تتبدّد أوهامه بازدياد؟ وهل «سوف يُصدم الأميركيون بالعودة إلى الواقع»، ويبدأوا بشكل جماعي في إصلاح الخلل الذي تسبّبت فيه نخبهم، ويبنوا، بفعلهم ذلك، منافس أكثر قوة للصين في حرب باردة صينية أميركية طويلة الأمد؟ سوف يخلق كل من السيناريوهين تحدّيات فريدة للمؤسسات الرقمية الصينية والحكومة الصينية والمجتمع الصيني ككل.

نُشِر هذا المقال في The China Academy في 15 كانون الثاني/يناير 2025، وتُرجِم إلى العربية ونُشِر في موقع «صفر» بموافقة مسبقة من الجهة الناشرة.