معاينة تربية النحل في جنوب لبنان

كيف أثّرت الحرب على تربية النحل في جنوب لبنان؟

بحسب البنك الدولي، أدّت الحرب الإسرائيلية على لبنان إلى تدمير حوالي 5,000 خلية نحل بشكل كامل بين 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023 و20 كانون الأول/ديسمبر 2024، وقدّر قيمة الأضرار بنحو 800 ألف دولار أميركي. وبالرجوع إلى تصريح رئيس اتحاد نقابات مرّبي النحل في لبنان باسل عمرو، في نيسان/أبريل 2023، حين أفاد بوجود حوالي 417 ألف خلية نحل في لبنان قبل الحرب، تمثّل الخلايا المدمّرة حوالي 1.2% من الإجمالي.

يؤكد مربّو النحل في المناطق المتضرّرة أن هذه الأرقام لا تعكس الكارثة التي حلّت بالقطاع، فقد خسر الكثير منهم 60% أو 70% من نحلهم، وتعرّضت ممتلكاتهم وأدواتهم للدمار الجزئي أو الكلي، فضلاً عن أنهم لم يتمكّنوا من الاعتناء بنحلهم في فترة العناية كما فوّتوا فرصة الاستفادة من موسم زهر الليمون.

 يحدث هذا بينما تستمر معاناة قطاع تربية النحل من الإهمال الحكومي منذ سنوات طويلة، وفي الوقت الذي تواجه فيه وزارة الزراعة أزمة حادة في الميزانية، وتعتمد بشكل شبه كلّي على هبات المتبرّعين وأهوائهم الشخصية، ما يعطّل أي خطة حقيقية لتعويض أضرار قطاع النحل الناجمة عن الحرب، دع عنك أي خطة تنموية شاملة تنهض بالقطاع وتنظّم عمله ليحقّق مستوى الإنتاجية الذي يليق به.

تأثيرات الحرب

يقدم رئيس جمعية مزارعي ونحالي لبنان المتجدد علي شقير موجزاً للأحداث التي عصفت بقطاع تربية النحل منذ بداية الحرب الإسرائيلية على لبنان: «مع اندلاع الحرب في 7 تشرين الأول/أكتوبر، لم نتمكن من الاقتراب من النحل، إذ أن النزول إلى البرية كان يعني الموت. أهملنا النحل، فلم نقم بمعالجته أو إطعامه. مع تصاعد الحرب في أيلول/سبتمبر، تدهور الوضع تماماً، فقد تركنا النحل في الفترة الأهم التي يجب أن نعتني به. بعض النحل تضرر بالقصف واحترق، وفرّت قفران عدة سبب القصف الذي وقع حوله، ولم يجد ما يأكله أو يشربه. عند العودة وجدنا أنه لم يتبق لديهم سوى %30 إلى 40% من النحل». ويتابع أن «الفرّازات والبراميل والعدّة والطبقات والصناديق تدمّرت أو احترقت»، بحسب شقير عاد النحّالون إلى نقطة الصفر، وهم يعملون على هذا الأساس.

لا دولة تلتفت إلينا، ولا جمعية، ولا أحزاب، إننا نقاتل وحدنا. لم تعدنا الوزارة بشي حتى الآن

يُخبر عضو نقابة مربّي النحل في الجنوب، مجيد كويّس، أنه خسر 53 خلية نحل. فهو يملك مناحل في بلدات روم والنبطية وميفدون، لكن فقدان النحل ليس أكثر ما يزعج كويّس، «لأن الخسارة تمتد لتشمل الموسم بأكمله، فالنحل الذي تبقى لديّ صغير في السن، ولن يتمكن من الإنتاج في موسم زهر الليمون. فالشهرين ونصف الشهر اللذين تغيبنا فيهما، (بسبب الحرب) أي أيلول/سبتمبر وتشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر، هي فترة العناية بالنحل، إذ لا يتوفر شيء في الطبيعة، ونقوم نحن بتغذيته ومعالجته، ولم يتم فعل أي من ذلك». 

لكن المأساة لم تطل جميع نحالي الجنوب بالتأكيد، بحسب كويس: «هناك من وضعوا خلايا النحل على الساحل، ونجوا من الأضرار، فالموز يوفر لهم عسلاً لا نستهلكه نحن، بل نتركه للنحل، وهذا ما حافظ على خلايا نحلهم ولم يضعفها وبقيت ثابتة. لكن في المناطق المرتفعة التي تزيد عن 300 متر، كان الدمار شاملاً للأسف». 

وزارة الزراعة مفلسة والتعويضات متوقفة على المتبرّعين

يشكو نحّالو الجنوب من تقصير الدولة في تعويض الأضرار الناتجة عن الحرب، يعتبر كويّس أن «التقصير يطال جميع الجهات وما من مجيب»، أما شقير فيرى أن «لا دولة تلتفت إلينا، ولا جمعية، ولا أحزاب، إننا نقاتل وحدنا. لم تعدنا الوزارة بشي حتى الآن، لكننا سنحصل على موعد من الوزير في هذه الأيام القليلة لنقوم بالزيارة».

يشرح رئيس مصلحة الزراعة في الجنوب المهندس حسين السقّا أنه «ما من ملف تعويضات خاص بقطاع النحل، بل ملف التعويضات هو حزمة متكاملة. لا تعمل وزارة الزراعة على قطاع واحد فقط، بل على جميع القطاعات». ويشير السقّا إلى أن هذا هو الحال منذ عهد الوزير السابق وحتى عهد الوزير الحالي، إنهما يسيران على النهج نفسه تقريباً في موضوع التعويضات، «لقد بدأ الوزير السابق بخطة تسمح لجميع المزارعين  في مختلف القرى بتسجيل أضرارهم، وأرسلنا رابطاً قاموا من خلاله بتعبئة بياناتهم. بالطبع، لم يقم الجميع بذلك، ولكن نسبة لا بأس بها قامت بالتعبئة، وأصبح لدينا البيانات كاملة».  بحسب السقّا فإن »جميع الملفات جاهزة اليوم، وهذا إنجاز كبير للوزارة، أصبحنا نعرف حجم الأضرار ومواقعها، والآن نشرع في مرحلة التثبّت من المعطيات، ففي الأسابيع الآتية أو مباشرة بعد شهر رمضان، سيقوم 80 موظفاً من وزارة الزراعة بزيارات ميدانية يومياً لتوثيق هذه الأضرار بالتعاون مع أصحاب الأراضي والبلديات والقطاعات الخاصة».

خصّصت الميزانية مبلغ 1.91 تريليون ليرة فقط لوزارة الزراعة، وهو ما يمثل 0.42% من إجمالي الإنفاق في العام 2025

لكننا نفهم من تصريحات السقّأ أنه على الرغم من جميع الجهود المبذولة، فإن ملف تعويضات - بما يشمل قطاع تربية النحل - يتوقف على اختيارات الجهات المانحة، ما يثير القلق في أن لا يحصل قطاع تربية النحل على التعويض المناسب إن لم يرد أحد أن يتبرّع بماله من أجل القطاع بالذات. «للأسف، على الرغم من وجود خطة لدينا، فإننا نحتاج إلى أموال ومساندة من جهات داعمة، لأن الدولة تعاني من نقص في الموارد المالية». ويشرح «عندما تأتي أي جمعية أو جهة مانحة، وتقول إنها تريد اختيار سلسلة القيمة التي ستعمل عليها، كأن تقول إنها تريد العمل على قطاع الماعز، فإننا نقدم لها بيانات قطاع الماعز، ونساعدها ونقف إلى جانبها، ونذلل لها العقبات». 

يعزّز كلام السقا المعطيات المنشورة المتعلقة بميزانية العام 2025، فقد خصّصت الميزانية مبلغ 1.91 تريليون ليرة فقط لوزارة الزراعة، وهو ما يمثل 0.42% من إجمالي الإنفاق في العام 2025، مقارنة بـ 39 ضعف هذا المبلغ لوزارة الدفاع مثلاً (74 ترليون ليرة). وكون هذه الميزانية، التي أقرت بمرسوم من حكومة نواف سلام، هي نفسها التي أقرتها الحكومة السابقة قبل تفاقم الحرب في أيلول/سبتمبر، فإنها لم تراعِ الأضرار التي لحقت بالقطاع الزراعي، بما في ذلك قطاع تربية النحل. 

من هنا، يخبرنا السقا عن السعي الحثيث لوزارة الزراعة في الحصول على الأموال من المتبرّعين «إذا تابعتَ الأخبار أو صفحة وزارة الزراعة، ستلاحظ أن معالي الوزير يعقد لقاءات يومية مع جهات مانحة، حيث يلتقي بالسفراء وممثلي المنظمات غير الحكومية». ويشير السقا إلى أن العمل في الوزارة يمضي بـ«اللحم الحي». طبعاً، مهما كانت الجهود المبذولة من موظفي الوزارة، فإننا نواجه أزمة هيكلية تتجاوز مسألة تفاني ونزاهة كوادر القطاع العام، نحن أمام خطة تعويضات زراعية تفتقر إلى الشمولية، ولا تراعي أولويات القطاعات المختلفة، ولا تلبي احتياجات كل قطاع بشكل مناسب، بل تقتصر على رغبات المتبرعين التي قد تكون شخصية في كثير من الأحيان، وأحياناً أخرى شعبوية أو تخدم مصالح سياسية ضيّقة.

مشاكل قديمة جديدة

سواء حصل قطاع تربية النحل على تعويضات أم لا، فإن هناك قلقاً من أن تكون خطة التعويض سطحية وتفوّت فرصة إصلاح المشاكل التي تم تجاهلها لسنوات، خطة ترمّم تبعات الحرب فقط من دون النظر إلى الأزمات المتجذرة التي تعيق نمو القطاع وتطوره. يؤكد شقير وكويّس عن وجود مشاكل «قديمة جديدة» كانت موجودة قبل الحرب ولا تزال قائمة بعدها.

يوضح شقير أن مشكلة رش المبيدات هي من المشاكل «القديمة الجديدة» التي يعاني منها النحالون، إذ يؤدي رش أحد المزارعين لمبيدات على مزروعاته إلى موت نحل جاره، و«حيث يتم استخدام أسوأ أنواع الأدوية المحظورة عالمياً، والتي يتم تهريبها وإدخالها إلى البلاد». ومشكلة رش المبيدات ليس سببها المزارعين فحسب بل قد تساهم فيها جهات رسمية، «حتى البلديات تقوم برش الأعشاب التي تنمو على جوانب الطرق، ما يتسبب في موت النحل. يجب على الدولة أن يكون لديها مرشدون زراعيون يتجولون على جميع المزارع، ويحدّدون نوعية الأدوية التي يمكن رشها».

سواء حصل قطاع تربية النحل على تعويضات أم لا، فإن هناك قلقاً من أن تكون خطة التعويض سطحية وتفوّت فرصة إصلاح المشاكل التي تم تجاهلها لسنوات

أما كويّس، فيشير إلى أن «المستجد هو زراعة الفول في المنطقة، ففي العام الماضي، فقدنا ما بين 400 إلى 500 خلية نحل نتيجة للرش أثناء فترة إزهار الفول. يتوجه النحل إلى الفول لأخذ الرحيق من الأزهار، فيتسمّم ويموت. توجهنا إلى وزارة الزراعة للاستغاثة، لكننا لم نلقَ اهتماماً من أحد».

تعتبر مسألة رش المبيدات من المشاكل التي يستعصى حتى الآن على وزارة الزراعة حلها، بحسب السقا فإن «وزارة الزراعة لا تستطيع منع أي شخص من الرش، أي أنك محصور بين نارين: نار المزارع ونار النحال». يقترح السقا أن «الحل لهذه المشكل حتى الآن هول حل أخلاقي، أي أن يكون هناك اتفاق بين المزارع والنحّال، لكنه يتحدث عن مشاريع مستقبلية تخطط لها الوزارة  من أجل تدارك الأمر، مثل إنشاء مراعٍ خاصة بالنحل. هذا المشروع يسير على قدم وساق، وسيكون رائداً في لبنان، ولم يسبق له مثيل، ونأمل أن تعمم الفكرة. وعندما تتوفر مراعٍ للنحل، ستنتهي هذه المشكلة».

المشكلة الأخرى التي يعاني منها القطاع هي اكتساح العسل المغشوش والمهرب للسوق اللبناني، بحسب شقير: «يتم تصنيع العسل المغشوش وبيعه بسعر يتراوح بين 5 و5 دولارات للكيلوغرام الواحد»، بالإضافة إلى ذلك، «هناك العسل المهرّب الذي يأتي من الخارج، ويُباع الكيلوغرام منه بنحو 6 دولارات، في حين أن الرسوم الجمركية المتعارف عليها تبلغ 8 دولارات. فكيف يُباع بسعر 6 دولارات والرسوم الجمركية 8؟»

يساهم في المشكلة قلة انتشار الثقافة المتعلّقة بالنحل والعسل في المجتمع اللبناني، وفقاً لكويّس: «يقول كثير من اللبنانيين أنهم لا يتناولون العسل المجمد، معتبرين إياه مغشوشاً، على الرغم من أن هذا العسل هو الأصلي. فكل عسل مستخلص من الأزهار من المفترض أن يتجمد أو يتبلور، بينما يبقى العسل المصنوع من القطر سائلاً»، لذا «لا يدرك الناس أن ما يشترونه عبر منصّات مثل فيسبوك، كثلاثة علب عسل مقابل 20 دولاراً، هو عبارة عن قطر أو مكمل غذائي، إنه مثل سيروب الحلويات، عبارة عن براميل غلوكوز مضاف إليها نكهة وملون». هذا الأمر يضر النحّالين الذي ينتجون العسل الطبيعي، فحتى لو استطاع النحّال أن يبيع كمية من العسل في السوق، فإنه لا يستطيع بيعها بالسعر المناسب.

هناك مشاكل أخرى تتجاوز قضايا التهريب والغش في العسل ورش المبيدات، وتتعلق بسياقات أوسع تحتاج إلى خط وطنية لمعالجتها تتجاوز صلاحيات وزارة الزراعة

أوضح المهندس حسين السقا أن وزير الزراعة تطرق إلى مشكلة التهريب في مناسبات عدة، وأكّد أنها ظاهرة عالمية وليست مقتصرة على لبنان. وأشار إلى أن هذه المشكلة بدأت في التراجع حالياً بسبب الأزمة السورية والاضطرابات على الحدود اللبنانية السورية.

هناك مشاكل أخرى تتجاوز قضايا التهريب والغش في العسل ورش المبيدات، وتتعلق بسياقات أوسع تحتاج إلى خط وطنية لمعالجتها تتجاوز صلاحيات وزارة الزراعة، وتحتاج إلى ميزانية حكومة صلبة وعلمية مختلفة عن التي لدينا، مثل مشكلة التغير المناخي، مثلاً يشير كويّس إلى أنه في العام الماضي «شهدنا موسم زيتون واعداً، ولكن موجة حر استمرت 3 أيام تسببت في تساقط الأزهار، ما أدى إلى خسارة الموسم بالكامل».

من المشاكل التي تريد حلاً شاملاً أيضاً هي مشكلة التوسع العمراني، في هذا الصدد يشير كويّس «في الماضي، كانت منطقة الحوش في صور عبارة عن بساتين، أما الآن فقد أصبحت مليئة بالمباني. وكذلك الأمر في النبطية وبلدة تول، حيث كانت بساتين وتحولت إلى مبانٍ. والتوسع الحضري يؤثر سلباً على النحل»، يأتي هذا مع «القطع الجائر للأشجار» بحسب علي شقر، و«الذي يتم دون حسيب أو رقيب. فالنحل يعتمد على النباتات والأشجار في غذائه».