معاينة Oil

شركات النفط العالمية شريكة في حرب الإبادة

على الرّغم من صدور الكثير من القرارات عن محكمة العدل الدّولية والمحكمة الجنائيّة الدّولية منذ بداية هذا العام، تجمع على ضلوع اسرائيل في ارتكاب جرائم إبادة ضدّ الفلسطينيين في حربها على غزّة، لا تزال الكثير من الدّول حول العالم تحافظ على علاقاتها التجارية مع اسرائيل وكأن شيئاً لم يكن، لا سيّما في مجال تصدير النّفط والمشتقات النفطية. في الواقع، يعبّر ذلك عن أمرين أساسيين، فمن جهة، يعكس ازدواجيّة المعايير التي تتّبعها هذه الدّول من حيث التضامن الإنساني واستنكار ما يحصل في غزّة يوميّاً عبر الإعلام، من دون أن يرقى ذلك إلى وقف الصادرات التجارية بما فيها إمدادات النّفط التي تؤثّر مباشرة على ميزانيّات هذه الحكومات. ومن جهة أخرى، يشير إلى ازدياد تحكّم كبرى شركات النّفط العالميّة العامّة والخاصّة بالقرارات المركزية المتعلقّة بالتصدير من الحقول التي تسيطر عليها حول العالم.

من أين تأتي إسرائيل بنفطها؟

في آب/أغسطس الماضي، صدر تقرير عن منظّمة Oil Change International المعروفة بمناصرتها لتسريع التحوّل نحو الطاقات النظيفة عبر الكشف عن الكلف الحقيقية للوقود الأحفوري، قامت من خلاله بكشف الدول والشركات التي تقف وراء توريد الوقود لإسرائيل، وذلك من خلال تتبّع حوالي 65 شحنة من النفط الخام (46 شحنة) والمشتقّات النّفطية (19 شحنة) بين 23 تشرين الأول/أكتوبر 2023 و12 تموز/يوليو 2024. وقد انطلقت 54% (35 شحنة) بعد القرار الصادر عن محكمة العدل الدّولية في 26 كانون الثاني/يناير الماضي، في إشارة إلى عدم اكتراث الدّول المصدّرة للقوانين الدّولية وعدم فرض حظر على الصادرات النّفطية نتيجة جرائم الإبادة.

رسم بياني 1

ربّما، ليس مستغرباً أن تكون الولايات المتحدّة الأميركية في طليعة هذه الدّول، بعد تصدّرها صادرات السلاح أعلى مدى العام المنصرم، حيث كانت أيضاً المصدّر الأساسي لاسرائيل على صعيد وقود الطيران الحربي المعروف ب JP8 المستخدم حصريّاً من الجيش الأميركي. أمّا لجهة النّفط الخام، والذي بلغت كميّته حوالي 4,1 مليون طن خلال فترة التتبّع، فقد سيطرت كلّ من أذربيجان (28%) وكازاخستان (22%) على 50% من الواردات الاسرائيلية، وقد تمّ نقل كلّ النفط الأذري عبر خط أنابيب باكو-تبليسي-جيهان (TBC Pipeline) المملوك والمشغًّل من قبل شركة BP (British Petroleum)، لينقل بعدها بالناقلات من مرفأ جيهان إلى اسرائيل. والجدير بالذكر هنا أن كلّ من أذربيجان وتركيا كانتا (ولا تزالان) في طليعة المطالبين بوقف حرب الابادة في غزة.

بالإضافة إلى أذربيجان وكازاخستان، استحوذت دول أفريقيا الوسطى والغربية على 37% من واردات إسرائيل خلال الأشهر العشر المشمولة بالمسح، حيث احتلّت الغابون الطليعة بحوالي 22%، ومن بعدها نيجيريا (9%) وكونغو-برازافيل (6%). يتبع هذه الدّول كلّ من البرازيل التي استحوذت على 9% من واردات إسرائيل منذ بداية الحرب (مع العلم أيضاً أن الرئيس البرازيلي هو من أشدّ المعارضين لحرب إسرائيل)، ومن ثم إيطاليا وألبانيا واليونان. ففي حين أرسلت إيطاليا عدّة شحنات من النّفط، قامت اليونان بإرسال المازوت، فيما ساهمت قبرص بتقديم الخدمات ونقل البضائع لكلّ الشحنات العابرة نحو إسرائيل. 

رسم بياني 2

من جهة أخرى، وصلت إلى إسرائيل حوالي 7 شحنات روسية من المشتقات النفطيّة منذ كانون الأول/ديسمبر 2023 وتحديداً من مادّة الغاز أويل (Vacuum Gas Oil) الذي يستخدم لتحسين نوعيّة البنزين والمازوت في محطّات التكرير. في حين كانت كولومبيا من الدّول القليلة التي فرضت حظراً على صادرات الفحم إلى إسرائيل في حزيران/يونيو الماضي بعد أن كانت مسؤولة عن 50% من واردات هذه الأخيرة من هذه المادّة.

شركات النّفط العالميّة شريكة في الحرب أيضاً

يشير التقرير أنه في تدقيق للشركات النفطية العاملة في هذه الدّول، يظهر أن كبرى شركات النّفط العالمية الخاصة والمملوكة من مستثمرين، وتحديداً BP، Chevron،ENI، ExxonMobil، Shell، وTotalEnergies تمتلك حصصًا كبيرة في إنتاج النفط في العديد من البلدان التي تزود إسرائيل بالنفط، وقد استحوذت من خلال عملياتها على حوالي 35% من النفط المورّد الى اسرائيل منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، حيث من المرجح أن يتم تكريره إلى وقود لآلة الحرب الإسرائيلية. واذا ما أضيفت الشركات الخاصة الصغرى، يصبح مجمل ما هو مورّد حوالي 66% في حين تستحوذ شركات النّفط الوطنية على 44% من تلك الواردات.

ففي أذربيجان، تملك شركة BP حصّة الأسد من حقول النفط على الساحل الغربي لبحر قزوين بالتوازي مع شركة سوكار الوكنية الأذرية، ليُنقل بعدها عبر خط أنابيب باكو-تبليسي-جيهان ومن هناك الى اسرائيل. أمّا لجهة كازاخستان، فيملك فيها تحالف شركات Chevron، ENI، Shell وExxonMobil خط أنابيب بحر قزوين  (CPC)الذي يمرّ عبره النّفط نحو اسرائيل. من جهة أخرى، تمتلك شركتا ENI و Shell المشروع النفطي جنوب مدينة نابولي، والذي أُرسلت منه ناقلات النّفط مؤخراً الى اسرائيل أيضاً، فيما بقيت ثلاث ناقلات مجهولة المصدر، ويُرجّح أنها أتت حمولاتها عبر خط أنابيب SUMED في مصر ومصدر الساحل الغربي للسّعودية.

رسم بياني 3

 بالمحصّلة، تحتلّ شركتا Chevron وBP الطليعة (8% لكل منها) في حجم واردات اسرائيل النفطية، تليها ExxonMobil (6%)، TotalEnergies (5%)، Shell (5%)، وENI (4%).

يظهر مّما تقدّم أنه على الرّغم من ضربات حركة "أنصار الله" اليمنية على الناقلات النّفط في البحر الأحمر، وتأثر حركة النّفط والمشتقات النفطية بشكلٍ كبير، لا تزال اسرائيل تحصل على احتياجاتها من مصادر متعدّدة، وذلك بالرغم من الضوضاء الاعلامية التي ترافق الخطاب العام لبعض الدّول المورّدة. اذ تبقى المصالح التجارية الرأسماليّة طاغية على المشهد، متسلّحةً بنفوذٍ دائم لشركات النفط العالمية الخاصّة والعامّة.