الاحتجاجات العمّالية في مصر
الحاجة إلى رفع مستوى المواجهة
على الرغم من القبضة الأمنية الخانقة، أضرب عمال شركات عدّة في محافظات مختلفة في مصر للمطالبة بزيادة أجورهم مطلع العام الجاري. لكن حركتهم، التي وجدت استجابة جزئية من إدارات الشركات، تواجه صعوبات شتى، وتحتاج إلى استكشاف سبل تجاوزها، من أجل التصدي المنظّم لسياسات الإفقار والخصخصة واستعادة الديمقراطية للمجتمع كله.
بداية، تجدر الإشارة إلى أن المقاومة الاجتماعية عبر التظاهر والاعتصام والإضراب، خصوصاً في ظل إغلاق المجال العام، ليست الخيار الوحيد، إذ يظل عنصر «المفاجأة» حاضراً دائماً، وفي لحظة واحدة من الممكن أن ينفجر الغضب ليعيد رسم خريطة المشهد السياسي. فقد أكّدت انتفاضة الخبز في كانون الثاني/ يناير 1977 أن القمع، مهما كان حاداً فإنه يؤخّر التحرك الشعبي ولا يقضي عليه.
في محافظة القليوبية، شمال القاهرة، استقبلت جماهير حاشدة وغاضبة وزير التموين والتجارة الداخلية، علي مصيلحي، عند افتتاحه معرضاً للسلع الغذائية بأسعار منخفضة السبت الماضي، وارتفع هتاف: «إرحل إرحل… كفاية فساد»، احتجاجاً على الارتفاع الجنوني في الأسعار، ما أدّى إلى مغادرته في الحال.
اللافت أن وسائل الإعلام الرسمية والإعلاميين المحسوبين على النظام احتفوا بما جرى، في محاولة مكشوفة لتحميل كبار التجّار ومصيلحي عبء الأزمة الخانقة، التي يعاني منها غالبية الشعب، خصوصاً مع كثرة الكلام عن تغيير وزاري مرتقب.
من الاحتجاج العفوي إلى العمل المنظّم
هذا المشهد الاحتجاجي العفوي مرجح للتكرار في مناطق عدّة. إذ تمضي قطاعات جماهيرية واسعة ساعات طويلة يومياً واقفة في طوابير أمام المجمّعات الاستهلاكية ومحلات التموين، للحصول على السلع الأساسية بأسعار مدعومة. وأي متابع للمزاج الشعبي حالياً يدرك بسهولة ارتفاع منسوب الغضب والحنق على سياسات الحكم، التي تجعل ثلث المصريين على الأقل على حافة الجوع.
المزاج المحتقن للعمّال هو الذي دفع الرئيس المصري لإقرار حزمة جديدة من المزايا الاجتماعية لمحدودي الدخل شملت رفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الحكومي
بدأ هذا الغضب يترجم نفسه في احتجاجات عمّالية. وشملت الاحتجاجات بالأساس مصانع القطاع الخاص في مدن مهمّة مثل السويس، ومدينتيْ السادس من أكتوبر والعبور الصناعيتين، وإن امتدت إلى قطاعات أخرى.
واللافت أن العمّال في المواقع الثلاثة لجأوا إلى سلاح الإضراب على الرغم من تجريمه فعلياً والسماح به شكلياً. كما تشترك المصانع الثلاثة في تصدير منتجاتها، بمعنى أنها استفادت من تخفيض قيمة الجنيه، وتمتّعت بامتيازات كبرى، ولكن إداراتها تتعنّت في زيادة الأجور بحجّة الأزمة الاقتصادية.
هذا المزاج المحتقن للعمّال هو الذي دفع الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي بإقرار حزمة جديدة من المزايا الاجتماعية لمحدودي الدخل شملت رفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الحكومي، الذي يضم حوالى 5.5 ملايين عامل، إلى 6 آلاف جنيه شهرياً، ورفع المعاشات بنسبة 13%.
بغض النظر عن فاعلية هذا الإجراء في تحسين مستوى معيشة المصريين، وتناسبه مع الارتفاع التاريخي في معدّلات التضخّم، بل وما يشير إليه من قرب تنفيذ خفض جديد لقيمة العملة الوطنية، لكنه قد يفتح الباب أمام نضالات جديدة ضمن قطاعات أخرى من العاملين بأجر لم تستفد من الحزمة.
إن عمّال القطاعين الخاص والاستثماري، ويبلغ عددهم حوالى 8 ملايين، على سبيل المثال، سيناضلون من أجل مساواتهم بالعاملين بالحكومة، علماً أن قطاعاً عريضاً منهم لا يزال يكافح لرفع دخله إلى الحد الأدنى المقرّر للعاملين بالقطاع الخاص وهو 3,500 جنيه، ولسان حالهم يقول: هل السلع ستباع بسعر للعاملين بالحكومة، ولنا بسعر آخر؟ هل نحن نعيش في عالمين مختلفين.؟ ومن منا ينتج ويزيد من دخل البلد من العملة الصعبة؟
كما أن اقتراب شهر رمضان، الذي يزيد فيه الإنفاق على السلع الغذائية، يضغط على أعصاب الكادحين، ويكاد أن يتحوّل إلى كابوس لملايين الأسر، نتيجة عجزهم عن تدبير نفقات المعيشة.
ولكن مساندة التحركات العمّالية الجارية، التي تحقّق انتصارات جزئية، والمساهمة في تطوّرها، يستدعي أن نلقي الضوء بداية على أبرز الصعوبات التي واجهت النضال العمالي في خلال العام المنصرم، أو بمعنى آخر كيف واجهت الحكومة احتجاجات العاملين بأجر؟
تجريم الإضراب
شهدت بدايات العام المنصرم إضرابات مهمّة في القطاع الخاص، وخصوصاً في الشركات المصدّرة، ولكن العمّال الراغبين في تحسين رواتبهم لمواجهة غلاء المعيشة، واجهوا اتفاقاً غير مكتوب بين كبار رجال الأعمال والدولة لقمع حركتهم، وعدم الاستجابة لمطالبهم.
رفع رجال الأعمال شعار «الأزمة» للتهرب من دفع مستحقات العمال أو رفع رواتبهم، متناسين أنهم ببساطة ربحوا من عرق العمّال ملايين الجنيهات لسنوات طويلة
رفع رجال الأعمال شعار «الأزمة»، وأننا جميعاً في مركب واحد ويجب أن نتحمّل، وذلك للتهرب من دفع مستحقات العمال أو رفع رواتبهم، متناسين أنهم ببساطة ربحوا من عرق العمّال بالذات ملايين الجنيهات لسنوات طويلة، وبالتالي يجب أن يتحمّلوا تخفيض أرباحهم لصالح دفع مستحقاتهم وزيادة رواتبهم.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تقدّمت إدارات الشركات ببلاغات إلى أقسام الشرطة تتهم العمّال بالتحريض على الإضراب «غير القانوني»، بهدف إرهاب العمّال المضربين، وبالفعل تم القبض على قيادات عمالية، مثلما جرى مع عمّال شركة كريازي للأجهزة الكهربائية بمدينة العبور الصناعية، وذلك بعد أن تم تجريم الإضراب عملياً، عبر قانون العمل رقم 12 لعام 2003، والذي وضع شروطاً تعجيزية لتنفيذ الإضراب.
يوضح بيان لدار الخدمات النقابية والعمالية، كيف تحايل العمّال على تجريم الإضراب، عبر اللجوء إلى الاعتصام والإضراب التدريجي، مثلما جرى في احتجاجات عمال مطاحن «الخمس نجوم» في السويس.
ولكن وسائل رجال الأعمال لقمع حركة العمّال، لا تقف عند تحرير محاضر بالأقسام، بل تمتدّ إلى فصل القيادات العمّالية من العمل وتشريدهم، كما حدث في شركة الحاويات في الإسكندرية مع النقابي يسري معروف، وذلك لبث الرعب في قلوب العمّال.
ولم يتم التراجع عن القرارات التعسّفية إلا بوقفة العمّال وتضامنهم، كما يقول نقابي بشركة «لينين غروب» للمفروشات بالإسكندرية (رفض الإفصاح عن هويته)، بينما أدّت عدم قدرة عمّال شركة يونيفرسال للأجهزة الكهربائية بمدينة السادس من أكتوبر على الدفاع عن قياداتهم ولجنتهم النقابية المستقلة، التي فصلت بالكامل، إلى انقساسم العمال وإضعاف إضراباتهم المتعددة، وفقاً لما صرح به عامل بالشركة لموقع «المنصة» الإخباري المستقل.
ولجأت إدارات شركات أخرى إلى سلاح الإغلاق ومنح العمّال إجازة إجبارية لفض إضرابهم، وعدم إرسال الأتوبيسات لنقل العمّال إلى الشركة، كما حدث في شركة «ماك» للموكيت بالعاشر من رمضان بمحافظة الشرقية، بينما نجح عمال آخرون في تجاوز هذا المأزق عبر الاعتصام داخل الشركة، وتنظيم عمليات الإعاشة.
وعلى الرغم من أن العمّال نجحوا في خلق شبكة إعلام بديلة عبر السوشيل ميديا، ولكن سيطرة الأجهزة الأمنية على معظم وسائل الإعلام والفضائيات، باستثناء مواقع مستقلة قليلة العدد، يحجب صوت العمّال ويضعف تأثيرهم، ولعل المثال الأبرز على هذا التجاهل هو عدم نشر أي خبر عن وقفة عمال المطابع في جريدة «الأخبار» الشهر الماضي للمطالبة بصرف الأجور، حسبما صرّح لنا مصدر بالمؤسّسة رفض الكشف عن هويته.
وخسر العمّال معارك أخرى لأسباب ذاتية منها التسرّع في إعلان الإضراب في الأيام الأخيرة من الشهر وقبل استلام رواتبهم، فإضراب مهم مثل إضراب عمال مجموعة «لينين غروب» بالإسكندرية كانت واحدة من أهم أسباب فضّه، هو إعلانه عشية استلام العمّال لرواتبهم، ما أضعف قدرتهم على الاستمرار تحت ضغط الحاجة.
الرأسمالية القاتمة
تزداد الأوضاع قتامة عندما يكون رجال الأعمال من حاشية السلطان أو من الحزب المقرّب له والداعم لسياساته. وتوجد حالات صارخة من مجاملة الأجهزة التنفيذية لرجال أعمال، باتوا حرفياً «فوق القانون»، على حد تعبير العمّال، ومن أبرزها ما حدث مع عمال مجموعة «لا كتاليس حلاوة» الذين تعرّضوا لأشكال مختلفة من الاضطهاد من جانب مالكها رجل الأعمال محمد حلاوة، نائب رئيس الهيئة البرلمانية لحزب «مستقبل وطن» ورئيس لجنة الصناعة والتجارة والمشروعات متناهية الصغير في مجلس الشيوخ. ويعتبر حزب «مستقبل وطن» حزب السلطة، ويقول مؤسّسوه إنهم أنشأوه لمساندة الرئيس عبد الفتاح السيسي، ودعم سياساته.
تجارب العمّال السابقة مع الخصخصة برهنت أن التعويضات مهما بلغت قيمتها سيلتهمها الارتفاع الرهيب في الأسعار، وسينضم العمّال إلى طابور البطالة
وكان العمّال يطالبون بصرف الرواتب المتأخرة والحصول على علاوات وزيادة سنوية، بالإضافة إلى عودة العديد من المزايا التي فقدوها أو تآكلت خلال السنوات الماضية منذ استحواذ «لاكتاليس حلاوة» على شركة «غرين لاند» في 2019.
وتكشف معركة «لاكتاليس» بوضوح الآثار السلبية لزواج السلطة والثروة في مصر على حقوق العمّال، وكيف تتشكّل «رأسمالية المحاسيب»، ولصالح من تشرّع القوانين في برلمان يغلب عليه تحالف المال السياسي ومصالح رجال الأعمال، بالإضافة إلى غياب المراقبين على تنفيذ القوانين.
وعلى الرغم من أن العمّال خاضوا، ويخوضون، معارك نتيجة عزم الحكومة مواصلة طريق الخصخصة، لكن غياب النصير السياسي والنقابي وتأخر الوعي العمّالي، دفعهم عمّال شركات الغزل والنسيج التي يجري تصفيتها حالياً، للتفاوض على قيمة المستحقات المالية بدلاً من التصدي للخصخصة والتصفية، وهو ما يجرى في كفر الدوار والشرقية وأسيوط للغزل والنسيج. يأتي ذلك فيما تجارب العمّال السابقة مع الخصخصة برهنت أن التعويضات مهما بلغت قيمتها سيلتهمها الارتفاع الرهيب في الأسعار، وسينضم العمّال إلى طابور البطالة.
الملاحظ أن قطاعات واسعة من العمال لجأت إلى تقديم الشكاوى لمكاتب العمل في المحافظات المختلفة، خوفاً من عواقب التحركات الفعلية، حيث تعد الشكاوى وسيلة احتجاج آمنة، ولكنها كانت دوماً مقدمة لتنظيم احتجاجات. وبحسب إحصاءات وزارة العمل، بلغ عدد الشكاوى العمالية الفردية الجماعية نحو 32,602 شكوى، بينها 1,453 شكوى جماعية في خلال العام 2023.
الحرّيات النقابية المصادرة
بينما تتبنّى الحكومة سياسات الليبرالية المتوحشّة والحرية الاقتصادية لرجال الأعمال، تصادر حقّ العمّال في تكوين نقاباتهم. وكانت السنوات العشر الأخيرة قد شهدت هجوماً ممنهجاً لتصفية النقابة المستقلة وتشريد قياداتها عبر الحبس أو الفصل من العمل، لضمان عودة احتكار الاتحاد العمّالي الرسمي لتمثيل العمّال.
على الرغم من كل هذه الصعوبات، شهدت الساحة العمالية، العام الماضي، محاولتين لتشكيل تنظيمين نقابيين مستقلين للطبقة العاملة
وعلى الرغم من أن قانون النقابات العمّالية الأخير رقم 213 لسنة 2017 يبيح الحرية النقابية نظرياً، تعرّضت النقابات المستقلة لحرب ضروس. أغلقت وزارة العمل برنامج تعزيز علاقات العمل ومؤسساتها في مصر، وهو برنامج طرحته منظمة العمل الدولية للتعاون بين النقابات العمالية من جهة، ورجال الأعمال ووزارة العمل من جهة أخرى، بهدف خلق علاقات عمل متوازنة، تعتمد على إطلاق الحريات النقابية وتعزيز الحوار المجتمعي الشامل. ويعد تعطيل هذا البرنامج خطوة للوراء، على الرغم من الانتقادات الموجّهة إلى البرنامج بأنه لم يكن يُجري تفتيشاً حقيقياً على الشركات ويكتفي بسماع ما تقدّمه إدارة الشركة.كما تم إيقاف لجنة الشكاوى الوزارية المخولة بالنظر في الشكاوى المقدمة من النقابات المستقلة المكتملة أوراقها، وتعطّل الوزارة تسجيلها، إلى جانب تعطيل إجراء انتخابات في عدد من النقابات الأخرى.
وعلى الرغم من كل هذه الصعوبات، شهدت الساحة العمالية، العام الماضي، محاولتين لتشكيل تنظيمين نقابيين مستقلين للطبقة العاملة، وهما الاتحاد المصري للنقابات العمالية، واتحاد تضامن النقابات العمالية.
وإن كان من المبكر جداً الحكم على إمكانية تحوّلهما إلى نقابات قوية وجماهيرية في ظل النظام السلطوي الراهن، وتراجع مستوى الصراع الاجتماعي.
وشهدت النقابات المستقلة «مرحلة ذهبية» عشية ثورة 25 يناير، بدءاً من العام 2008، وارتبط صعودها بعاملين أساسيين؛ الأول هو الحراك الديمقراطي الذي شهدته مصر في تلك الفترة، وامتدّ على مدار العقد الأول من الألفية الثالثة، والعامل الثاني هو الصعود الاستثنائي للحركة العمّالية في تلك الفترة، والذي شكّل مرحلة جديدة في تاريخها.
ولعل الإيجابي في التجربتين هو أنه الهجوم الضاري الذي تعرّضت له النقابات المستقلة، في خلال السنوات الماضية، والعراقيل التي تضعها الجهة الإدارية، لم تحل دون تمسك قيادات عمالية بالحرية النقابية.
واللافت كذلك هو التحرّكات المهمّة للعاملين بأجر من صحافيين ومحامين ومهندسين في خلال العام الماضي، التي انطلقت لأسباب نقابية واقتصادية وسياسية. ومن أهمها، سقوط مرشح الحكومة في نقابة الصحافيين لصالح النقيب المستقل خالد البلشي، وقدرة شباب المهندسين على عقد جمعية عمومية طارئة لمواجهة محاولات الانقلاب على النقيب المستقل طارق النبراوي من قبل أعضاء هيئة المكتب بالنقابة المحسوبين على حزب «مستقبل وطن».
كما استعادت النقابات المهنية دورها الوطني عبر تنظيم سلسلة من الاحتجاجات دعماً للشعب الفلسطيني، وبات لافتاً عودة الوقفات الاحتجاجية إلى سلم نقابة الصحافيين.
ما العمل
في خلال العام الجاري ستزداد وتيرة الأزمة الاقتصادية بدرجة كبيرة، كما يشير الخبراء، نتيجة أعباء خدمة الديون، الذي يعني تخفيض جديد في سعر العملة الوطنية، ومواصلة ارتفاع أسعار السلع الأساسية.
ولمواجهة الأزمة، لا تطرح الحكومة سوى السياسات المجرّبة نفسها، إذ أبرمت اتفاقاً جديداً مع صندوق النقد الدولي، وأعلنت عن بيع المزيد من الشركات العامة لتوفير العملة الصعبة، وتدعو لحوار وطني جديد مع القوى السياسية، يركز على الأوضاع الاقتصادية، على الرغم من أنها لم تنفذ التوصيات التي خرج بها الحوار السابق وتضمّنت فتح المجال العام، وحرية الإعلام، والإفراج عن السجناء السياسيين، وضمان الحريات النقابية.
تبيّن المؤشرات أننا سنشهد صيفاً ساخناً اجتماعياً، سواء شهدت البلاد انتفاضة خبز جديدة، أو تزايدت الاحتجاجات العمالية، خصوصاً إذا قرّرت الحكومة ترك مساحات أمام حركة الجماهير للتنفيس عن غضبها، أو لجذب القوى السياسية للمشاركة في الحوار الجديد.
وفي كل الأحوال، ستواجه الحركة العمّالية مجموعة من التحديات والقضايا المهمة في خلال الفترة المقبلة، على رأسها معركة ربط الأجر بالأسعار في ظل التضخم، وإلزام الشركات الخاصة والاستثمارية بتنفيذ الحد الأدنى للأجور، والضغط من أجل تثبيت العمّال المؤقتين، وبحث سبل دعم العمالة غير المنتظمة في ظل الركود الاقتصادي وحرمانهم من مظلتيْ التأمين الاجتماعي والصحي، ومواجهة الموجة الجديدة من الخصخصة، إلى جانب أهمية انتزاع أسلحة العمّال المتمثلة في الإضراب وتشكيل النقابات المستقلة.
معارك وتحديات كبرى، لن تستطيع الحركة العمّالية، كما أنه ليس دورها بمفردها، أن تتصدّى لها. وبالتالي، هناك أهمية لتشكيل لجنة التضامن العمالي، تضم النقابات العمالية المستقلة والمراكز الحقوقية والقوى السياسية، في إطار حركة واحدة داعمة لمطالب المحتجين ومواجهة هيمنة رأس المال وتقديم سياسات بديلة. على أن تضع لجنة التضامن، أو أي كيان جبهوي آخر تقرّره قيادات العمّال وحلفاؤهم على رأس مهامها:
- توفير الدعم القانوني والإعلامي والتوعوي للعمّال، وهو مجهود تقوم به منظّمات مجتمع مدني مثل دار الخدمات النقابية والعمالية، ولكنه يحتاج إلى المزيد من الدعم.
- مساندة العمال في تنظيم أنفسهم نقابياً، ودعم التضامن والتنسيق بين عمّال فروع الشركة الواحدة، وبين المواقع العمالية المختلفة.
- فتح جسور التعاون بين المنظمات العمالية والمهنية لتوحيد حركة العاملين بأجر.
- تسييس الحركة العمالية، فغياب الكوادر المسيسة أدّى على سبيل المثال إلى غياب المبادرات القاعدية للتضامن مع الشعب الفلسطيني البطل في غزة، حتى في الفترة التي دعمت فيها السلطات المظاهرات، وكذلك قصور مواجهة ظاهرة رأسمالية المحاسيب.
- النضال من أجل فتح المجال العام وحرية الإعلام وحق التنظيم النقابي والسياسي.
هذه بعض المقترحات لتوحيد الحركة العمّالية وحلفائها، ودعم حركتها، لمواجهة السياسات الاقتصادية الكارثية، والتي قد تكون نقطة بدايتها الاتفاق على مطلب واحد قابل للتحقيق والالتفاف حوله. ومن دون هذا التعاضد لن ننجز شيئاً.