Preview المجمع الصناعي العسكري

المجمع الصناعي العسكري هو الرابح لا أنت!

شهد العام 2023 عدداً من الصراعات القاتلة، من الغزو الروسي المستمر لأوكرانيا إلى الهجمات التي شنّتها حماس على إسرائيل، وصولاً إلى المذبحة الجماعية التي ترتكبها تلك الدولة في غزة، إلى الحرب الأهلية التدميرية في السودان. ونحن مهدّدون بالأسوأ في العام الحالي. مع ذلك، الرابح الأوحد من دوّامة العنف والمعاناة والحرب هو المجمّع الصناعي العسكري الأميركي.

في كانون الأول/ديسمبر، وقّع الرئيس بايدن على مبلغ بقيمة 886 مليار دولار مخصّصة للدفاع الوطني لعام 2024، ويتضمّن الأموال اللازمة للبنتاغون والأنشطة المتصلة بالأسلحة النووية في وزارة الطاقة. وإذا أضفنا إلى هذا المبلغ عشرات المليارات التي جرى إنفاقها في شكل مساعدات عسكرية طارئة محتملة لأوكرانيا وإسرائيل، فقد يتعدّى الإنفاق سقف الـ 900 مليار دولار للمرة الأولى في هذا العام.

ومن المُرجح أن تُمرّر في هذا العام، حزمة المساعدات العسكرية الطارئة المقدّرة بـ 100 مليار دولار التي قدّمتها إدارة بايدن، ولم تحظ بموافقة الكونغرس في خلال الشهر الماضي. ويكاد يكون من المؤكّد أن مجلسي النواب والشيوخ سوف يخصّصان عشرات المليارات الإضافية لمشاريع «الدفاع الوطني» القائمة في ولاياتٍ ومناطق بعينها، على نحو ما جرى في خلال عامين من الأعوام الثلاثة الماضية.

وقبل أن يبدأ المال في التدفّق، يحتاج الكونغرس بالطبع إلى التصديق على مشروع قانون المخصّصات للسنة المالية 2024، من أجل تمهيد السبيل لإنفاق تلك الأموال. وحتى كتابة هذه السطور، أقرّ مجلسا النواب والشيوخ اتفاقاً مبدئياً للتوقيع على مبلغ الـ 886 مليار دولار الذي تمّت الموافقة عليه في كانون الأول/ ديسمبر. وربما نكون على مقربةٍ من تمويلٍ يصل إلى تريليون دولار. وإذا كان لنا أن نسترشد بالممارسات السابقة، فإن أكثر من نصف هذا المبلغ من الممكن أن يذهب مباشرة إلى الشركات الكبيرة والصغيرة.

تريليون دولار هو رقم من الصعب استيعابه. في ستينيات القرن العشرين، عندما كانت الميزانية الفيدرالية تمثل جزءاً صغيراً بالقياس إلى ما هي عليه الآن، زُعِم أن السيناتور الجمهوري إيفريت ديركسن قال: «مليار هنا، ومليار هناك، وعما قريب سنتحدّث عن أموال حقيقية». وسواء قال ذلك أم لم يقله، فإن هذا الاقتباس يصوّر بدقة كيف تغيّرت مواقف الكونغرس تجاه الإنفاق الفيدرالي. ففي نهاية المطاف، لا يعدو المليار دولار خطأ تقريبياً في البنتاغون. تبلغ ميزانية الوزارة الآن مئات المليارات من الدولارات، وهو ما يفوق ما كانت عليه في ذروة حرب فيتنام وأكثر من ضعف ما كانت عليه عندما حذّر الرئيس أيزنهاور من «النفوذ غير المبرّر» الذي يمارسه ما أسماه «المجمّع الصناعي العسكري».

لنُجرِ بعض المقارنات: الإنفاق السنوي على الطائرات المقاتلة الباهظة الثمن والمختلة وظيفياّ من طراز F-35 وحده يفوق الميزانية الكاملة المخصّصة لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها. في العام 2020، كانت قيمة عقود شركة «لوكهيد مارتن» مع البنتاغون أكبر من ميزانيات وزارة الخارجية ووكالة التنمية الدولية مجتمعتين، ولا تزال الإيرادات التي تحصل عليها من الأسلحة تنافس استثمار الحكومة بالكامل في الدبلوماسية. وتبلغ تكلفة حاملة الطائرات الواحدة 13 مليار دولار وهو ما يفوق الميزانية السنوية لوكالة حماية البيئة. وبشكل عام، فإن أكثر من نصف الميزانية التقديرية التي يوافق عليها الكونغرس كل عام - أي كل ما تنفقه الحكومة الفيدرالية بخلاف البرامج الإلزامية مثل الرعاية الطبية والضمان الاجتماعي - تذهب إلى البنتاغون.

أعتقد أن الأمر سيكون مختلفاً إذا كانت هناك حقاً حاجة لمثل هذه النفقات الضخمة لحماية البلاد أو بهدف جعل العالم مكاناً آمناً. إلاّ أن تلك النفقات ترتبط بسياسة «برميل لحم الخنزير»1  والاستراتيجية العسكرية المضلّلة المتمثلة في «تغطية العالم» أكثر من كونها تتعلّق بالدراسة المتأنية لما عساهُ قد يكون مطلوباً فعلاً من أجل «الدفاع».

حماقات الكونغرس

بدأ مسار تفويض الميزانية العسكرية التي تبلغ قيمتها 886 مليار دولار في أوائل العام الماضي بالاتفاق على الحد الأقصى للديون، الذي تفاوض عليه الرئيس بايدن ورئيس مجلس النواب آنذاك كيفن مكارثي. وأدى إلى تراجع مستويات الإنفاق المحلي، مع الإبقاء على اقتراح الإدارة المتعلّق بالبنتاغون. منذ الإطاحة به من منصب رئيس البرلمان، تعرّض مكارثي لضغوط من أعضاء «تجمّع الحرية» اليميني وأتباعهم من أجل خفض الإنفاق. ولم يكن أمامه خيار سوى الموافقة، لأن تلك المجموعة أثبتت أنها تضمن له هامش الفوز في سباق المتحدّثين الذي وصل إلى 15 بطاقة اقتراع.

وبرز بصيص أمل في أن يقوم أعضاء تجمّع الحرية الساعين إلى خفض الميزانية بملاحقة ميزانية البنتاغون المتضخّمة بدلاً من ممارسة الضغوط المالية على البرامج المحلية. تعهّد الجمهوريون اليمينيون البارزون مثل النائب جيم جوردان (الجمهوري عن ولاية أوهايو) بإدراج تخفيض إنفاق البنتاغون «على الطاولة»، بيد أنهم لم يفعلوا ذلك إلاَّ بعد «أجندة اليقظة» المزعومة التي تقدّم بها الجيش، وتتلخّص في خفض بضعة مليارات من المبالغ المخصّصة لمكافحة العنصرية والتحرّش الجنسي مع دعم الحرية الإنجابية داخل القوات المسلّحة. على أية حال، لم يركّز جوردان سوى على حصة ضئيلة من الميزانية الإجمالية للإدارة.

لا يبدو أن الكونغرس ولا إدارة بايدن يميلان إلى التفكير بجدية في نهجٍ يركز على الاستثمار في الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية بدلاً من الاستثمار في القوة أو التهديد باللجوء إلى استخدامها

وأعرب جمهوريون بارزون من خارج الكونغرس عن وجهات نظر أقوى حول إخضاع البنتاغون، لكنها لم تحظَ بأي اهتمام في الكابيتول هيل. على سبيل المثال، طرح كيفن روبرتس، رئيس مؤسّسة التراث، التي ربما تكون المؤسسة البحثية المحافظة الأكثر نفوذاً في الولايات المتحدة، قضية كبح جماح البنتاغون في مجلة المحافظين الأميركيين:

«في الماضي، أقر الكونغرس كذبة أن الميزانية الكبيرة وحدها تعني جيشاً أقوى. لكن الآن، في مواجهة ذلك الدين القياسي الذي يصل إلى 242 ألف دولار لكل أسرة، أصبح المحافظون على استعداد لمعالجة المشكلة الراسخة ومواجهة المؤسسة السياسية، والبيروقراطيين الفيدراليين غير الخاضعين للمساءلة، ومقاولي الدفاع ذوي النفوذ في وقت واحد من أجل الحفاظ على قدرة البلاد على الوفاء بالتزاماتها والحفاظ على أمنها».

والأكثر إثارة للدهشة هو قيام وزير الدفاع السابق في عهد ترامب كريستوفر ميلر بنشر مذكراته التي دعا فيها إلى إخضاع ميزانية البنتاغون للتخفيض. وقال: «في استطاعتنا القيام بتقليص ميزانية الدفاع في بلادنا إلى النصف وستظل مع ذلك ضِعْف ميزانية الصين».

ومع ذلك، لم تؤثر هذه الانتقادات على مناقشة ميزانية البنتاغون في مجلس النواب، التي سرعان ما تحوّلت إلى معركة على سلسلة من التعديلات الضارة التي تهاجم الحرية الإنجابية ومجتمع المثليين وحقوق المتحوّلين جنسياً في الجيش. أدان النائب كولن ألريد (ديمقراطي من تكساس) عن حق مثل هذه التعديلات ووصفها بأنها «استعراض مخزٍ للتطرّف». وتكفّلت المعارضة التي اضطلع بها الديمقراطيين بنسف النسخة الأولى من قانون تفويض الدفاع الوطني للسنة المالية 2024 وإلغاء بعض المقترحات الجمهورية الفظيعة في وقت لاحق من العام.

في غضون ذلك، تركزت غالبية التغطيات الصحافية ومعظم المناقشات التي جرت في الكونغرس على معارك الحرب الثقافية، وليس على السبب الكامن وراء استعداد هذا البلد لإنفاق الكثير من الأموال على البنتاغون في المقام الأول.

تضخيم التهديدات و«ترسانة الديمقراطية» 

لن نتفاجأ حين نعلم أن المبرّرات الاستراتيجية المتعلقة بالنفقات المستجدة للبنتاغون لا تصمد أمام التدقيق. أولاً وقبل كل شيء، تنهض حجة البنتاغون الداعية إلى الوصول غير المحدود لوزارة الخزانة على التهديد العسكري المزعوم الذي تشكّله الصين. ولكن كما أشار دان غرازيير العضو بمشروع الرقابة الحكومية، تتسم الاستراتيجية العسكرية لهذا البلد «بطابعٍ دفاعي»: 

«لا تتسق الاستثمارات التي تضطلع بها الصين مع المغامرات الأجنبية، والحق أنها مصمّمة لاستخدام الأسلحة ذات التكلفة المنخفضة نسبياً في مواجهة الأسلحة الأميركية عالية التكلفة. ترمي الاستراتيجية العسكرية الأساسية التي تنتهجها الدولة إلى الإبقاء على القوى الأجنبية، ولا سيما الولايات المتحدة، بعيدة عن شواطئها قدر المستطاع، في سياسة تطلق عليها الحكومة الصينية وصف الدفاع النشط».

تنحصر بؤرة الصراع المحتملة بين الولايات المتحدة والصين في تايوان. ولكن الحرب على تلك الجزيرة سوف تكبّد كل الأطراف المعنية ثمناً فادحاً، ومن الجائز أن تتفاقم إلى مواجهة نووية. صحيح أن سلسلة المحاكاة الحربية التي أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) كشفت عن قدرة الولايات المتحدة على إحراز «النصر» حال خوضها لحربٍ تدافع فيها عن تايوان ضد هجوم برمائي تشنّه الصين، بيد أنه سيكون نصراً باهظ الثمن. مشيراً إلى خسارة الولايات المتحدة وحلفائها عشرات السفن ومئات الطائرات وعشرات الآلاف من أفراد الخدمة العسكرية. كما وقد عانت تايوان من دمار اقتصادها. وعلاوة على ذلك، أضرت الخسائر الكبيرة بمكانة الولايات المتحدة العالمية لسنواتٍ عدة. وسوف تشكل المواجهة النووية بين الصين والولايات المتحدة، والتي لم يدرجها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في تقييمه، كارثةً من الدرجة الأولى تنطوي على أبعادٍ لا يمكن تصوّرها.

تنحصر بؤرة الصراع المحتملة بين الولايات المتحدة والصين في تايوان. ولكن الحرب على تلك الجزيرة سوف تكبّد كل الأطراف المعنية ثمناً فادحاً، ومن الجائز أن تتفاقم إلى مواجهة نووية

إن الطريقة المثلى للحيلولة دون غزو الصين مستقبلاً لتايوان تنحصر في اتجاه واشنطن إلى تنشيط سياسة «الصين الواحدة»، التي تدعو الصين إلى الالتزام بحلٍ سلمي لوضع تايوان، وتخلي الولايات المتحدة عن دعم الاستقلال الرسمي لتلك الجزيرة. وبعبارة أخرى، فإن الدبلوماسية، وليس زيادة ميزانية البنتاغون بهدف «الانتصار» في مثل هذه الحرب، ستكون هي الطريق الصحيح. 

أما العامل الرئيسي الثاني المؤدي إلى تعاظم ميزانية البنتاغون، فيتمثل في الضغط على قاعدة تصنيع الأسلحة في هذا البلد الناشئ عن توريد الأسلحة بعشرات المليارات إلى أوكرانيا، ومن بينها قذائف المدفعية والصواريخ التي تستنفد المخزون الأميركي. بيد أن البنتاغون وقطاع الأسلحة يستجيبان لذلك عبر العمل على تضخيم المجمع الصناعي العسكري العملاق في هذا البلد لإنتاج ما يكفي من الأسلحة اللازمة لتزويد أوكرانيا (والآن إسرائيل)، ومن أجل الحصول على أنظمة التسليح الكافية لحربٍ مستقبلية مع الصين.

تنطوي هذه الحجج على مشكلتين. أولاً، إن تزويد أوكرانيا بالسلاح لا يبرّر التوسع الدائم في صناعة الأسلحة الأميركية. والحق أنه لابد من تزويد المساعدت المقدَّمة إلى كييف باستراتيجية دبلوماسية لا أثر لها حالياً، تهدف إلى تجنّب استطالة أمد الحرب وتفاقمها.

ثانياً، تختلف أنواع الأسلحة اللازمة لحربٍ مع الصين عن تلك المستخدمة في حربٍ برّية في أوكرانيا، وبالتالي، لا علاقة للأسلحة المرسلة إلى أوكرانيا بالاستعداد لحربٍ محتملة مع الصين، والتي يجدر بواشنطن أن تعمل على الحيلولة دون اندلاعها، لا أن تستعد لخوضها.

التكاليف الكارثية للسياسة الخارجية العسكرية

قبل استثمار المزيد من أموال الضرائب في بناء دولة عسكرية دائمة التوسّع، لا بد من مناقشة الاستراتيجية العسكرية التي تطبّقها الولايات المتحدة في البيئة العالمية الحالية بجدية. إن الاكتفاء بشراء المزيد من القنابل والصواريخ والطائرات من دون طيار والجيل المقبل من الأسلحة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لا يشكل استراتيجية في واقع الأمر، على الرغم من أنه يمثل فرصةً مواتية بالقياس إلى المجمع الصناعي العسكري ودعوة إلى سباق تسلّح جديد يهدّد الاستقرار.

ولسوء الطالع، لا يبدو أن الكونغرس ولا إدارة بايدن يميلان إلى التفكير بجدية في نهجٍ يركز على الاستثمار في الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية بدلاً من الاستثمار في القوة أو التهديد باللجوء إلى استخدامها. ونظراً للإخفاق الباهظ الذي لحق بهذا البلد في حربي العراق وأفغانستان (وقد كلفتا تريليونات الدولارات)، اللتين أدّتا إلى سقوط مئات الآلاف من الضحايا المدنيين، وخلّفتا أعداداً هائلة من المحاربين القدامى الأميركيين الذين يعانون من جراح جسدية ونفسية (وهو ما تم توثيقه كاملاً من خلال مشروع تكاليف الحرب الذي نفذته جامعة براون)، قد تظن أننا انتقلنا إلى طريقةٍ مغايرة لاستخدام ما تؤديه من ضرائب. لكن ظنك في غيره محله.

هناك بالفعل عدد قليل من الأصوات في الكونغرس تؤيد ضبط النفس في البنتاغون، بما في ذلك النائبان مارك بوكان (ديمقراطي من ولاية ويسكونسن) وباربرا لي (ديمقراطية من ولاية كاليفورنيا)، اللذان اقترحا تخفيضاً بقيمة 100 مليار دولار في ميزانية تلك الوزارة كخطوة أولى نحو سياسة للأمن القومي أكثر اتزاناً. ومع ذلك، يجب أن تتغلب مثل هذه الجهود على البيئة السياسية الفظة التي كرّستها المبالغة في تصوير التهديدات العسكرية الدائمة التي تُحدق بهذا البلد، والسلطة السياسية التي تتمتع بها صناعة الأسلحة وأعوانها في واشنطن. وأحد هؤلاء الأعوان بلا مراء هو الرئيس بايدن، الذي وصف الولايات المتحدة بأنها «ترسانة للديمقراطية»، وذلك في سياق مساعيه الرامية إلى الترويج لجولة جديدة من المساعدات العسكرية لأوكرانيا. وعلى النقيض من سلفه، فهو يروّج للفوائد المحتملة التي ستعود على شركات الاستثمار في مجال إنتاج الأسلحة داخل الولايات المتأرجحة انتخابياً.

إن إنفاق المزيد من الأموال على صناعة الأسلحة يعني التضحية بالحاجات المستقبلية من أجل تحقيق مكاسب اقتصادية متواضعة وقصيرة الأجل

وللأسف، إن إنفاق المزيد من الأموال على صناعة الأسلحة يعني التضحية بالحاجات المستقبلية من أجل تحقيق مكاسب اقتصادية متواضعة وقصيرة الأجل. ولو ضخّت هذه الأموال في خلق وظائف خضراء، أو تطوير بنية تحتية أكثر مرونة، وتحسين التعليم العلمي والتقني، وبناء نظام صحي أقوى، فسنجد أنفسنا في عالم مختلف. تلك هي الركائز القادرة على دعم الانتعاش الاقتصادي الأميركي، وليس مجموعة الآثار الجانبية المتواضعة الناجمة عن تطوير الأسلحة. على الرغم من الزيادات الهائلة التي شهدها التمويل منذ الثمانينيات، فقد انخفضت الوظائف الفعلية التي يتيحها قطاع صناعة الأسلحة من 3 مليون إلى 1.1 مليون فرصة عمل، ولنتذكر أن مصدر هذه الأرقام هو أكبر جمعية تجارية لصناعة الأسلحة.

لقد أدركت نقابة عمال السيارات المتحدون، وهي إحدى النقابات التي تضم أكبر عدد من الأعضاء العاملين في صناعة الأسلحة، هذه الحقيقة، فقامت بتشكيل «لجنة الانتقال العادل». وكما أشار سبنسر أكرمان في صحيفة The Nation، فقد شُكّلت هذه اللجنة بغرض «دراسة حجم ونطاق وتأثير المجمع الصناعي العسكري الأميركي الذي يوظف الآلاف من أعضاء نقابة عمال السيارات المتحدون ويهيمن على تجارة الأسلحة العالمية». ووفق براندون مانسيلا، مدير المنطقة 9A التابعة لنقابة عمال السيارات المتحدون، والتي تمثل 50 ألف عامل نشط ومتقاعد في نيويورك ونيو إنغلاند وبورتوريكو، فإن اللجنة سوف تفكر في ما يتعين القيام به لتحقيق للانتقال العادل، أو يمكن وصفه بـ«التحول السلمي» للعاملين في قطاع صناعة الأسلحة والدفاع نحو قطاع آخر.

تتزامن المبادرة التي اتخذتها نقابة عمّال السيارات المّتحدون مع انخفاضٍ حادّ في معدلات الانضمام إلى النقابات في كبرى شركات تصنيع الأسلحة (كما وثقها الصحافي تايلور بارنز). ولنضرب مثالين: في العام 1971، كان ما يقرب من 69% من عمال شركة «لوكهيد مارتن» منتسبين إلى النقابات، بينما في العام 2022 تقلّص هذا العدد إلى 19%؛  وفي شركة «نورثروب غرومان»، يبلغ عدد موظفيها المنتمين إلى النقابات اليوم 4% فحسب، وهو تراجع يعكس استراتيجية واعية تتبناها شركات تصنيع الأسلحة الكبرى، تتمثل في الاستعانة بمصادر خارجية للعمل مع مقاولي الباطن من غير النقابيين والولايات التي تتوافر على قوانين «الحق في العمل» المناهضة للنقابات، في الوقت الذي تقوم فيه بتصدير عشرات الآلاف من الوظائف إلى الخارج كجزءٍ من مشاريع متعددة الجنسيات على غرار برنامج F-35. إن القول بامتياز الوظائف التي تتيحها صناعة الدفاع بالأمان والأجور والمزايا قياساً إلى الوظائف التي توفرها القطاعات الاقتصادية الأخرى، ينطوي على الكثير من الخرافة.

يستلزم الأمر حواراً وطنياً جاداً بشأن الشكل الذي قد تبدو عليه الاستراتيجية الدفاعية الحقيقية، عوضاً عن الاستراتيجية المرتكزة إلى أوهام الهيمنة العسكرية العالمية. وفضلاً عن ذلك، يمكن للنهج العسكري المفرط المتبع في السياسة الخارجية والاقتصادية، والذي بات يشكل جوهر العملية التي تُوضع بموجبها ميزانية واشنطن، أن يمتد إلى ما لا نهاية وعلى نحوٍ كارثيّ في المستقبل، وهو الأمر الذي يجدر بهذه الدولة أن لا تسمح بحدوثه.

نشر هذا المقال في TomDispatch في 16 كانون الثاني/يناير 2024. 

  • 1عبارة تشير إلى تخصيص الإنفاق الحكومي للمشاريع المحلية المضمونة أو إلى الإنفاق الذي يهدف إلى إفادة الناخبين مقابل دعمهم السياسي.