Preview الاستجابة اسواق النفط

أحداث الشرق الأوسط
الاستجابة الصامتة لأسواق النفط

تتفاعل أسواق النّفط العالميّة هذا الأسبوع مع خبريْ الصواريخ والمسيّرات الإيرانية التي وصلت إلى إسرائيل ليل 13/14 نيسان/أبريل الحالي، ومن ثمّ الردّ الإسرائيلي صباح اليوم، الذي أحدث خضّة جيوسياسية تُضاف إلى لائحة الأزمات التي تعيشها المنطقة منذ اندلاع حرب الإبادة الجماعية ضدّ غزّة في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. كان من المُتوقّع أن يتسبّب هذين الحدثين بارتفاع جنوني في أسعار النّفط ليلامس 100 دولار للبرميل، لكن ما جرى هو العكس تماماً.

يبدو أنّ الأسواق تتّبع مساراً خاصّاً بها مغايراً للتوقّعات، وتكتسب المزيد من المرونة وتمتصّ الأزمات في العالم، ويُقدّر أن تبقى محافظة على اتجاهات الأسعار الحالية على الرّغم من الأحداث الأخيرة. المفارقة الوحيدة هي أوّلاً ارتفاع وتيرة التوتّرات في المنطقة، وهو ما يثير الخطر على تدفّق إمدادات النّفط، وثانياً دخول مضيق هرمز رسمياً إلى حلبة الصراع، ولو بشكل رمزي وخجول حتّى الآن، والذي يمرّ عبره حوالي 20% من طلب النفط العالمي يومياً، ليعطي مؤشّراً إلى ما يمكن أن تؤول إليه الأمور في حال استخدام إيران هذه الورقة في الجولات المقبلة، حيث لن يكون هناك أي طرق بديلة.

لماذا لم ترتفع أسعار النفط؟

أكثر من 6 أشهر مرّت على الحرب في غزّة، ولا تزال أسعار برميل النّفط تتأرجح ضمن معدّلات مقبولة على الرغم من حالة اللا استقرار المُتمثلة بأحداث باب المندب، وصولاً إلى المبارزة الإيرانية-الإسرائيلية الأخيرة. حتى قبل نهاية الأسبوع الماضي، واصل سعر برميل النفط ارتفاعه، الذي بدأ أواخر آذار/مارس الماضي، ولامس 93 دولار للبرميل الواحد، واستقرّ بعدها على عتبة 90 دولاراً. من ثم انخفض بشكلٍ طفيف بداية هذا الأسبوع بعد الضربة الإيرانية على إسرائيل، ليعاود الارتفاع صباح اليوم بمعدّل 4% بعد الردّ الإسرائيلي. تجدر الإشارة إلى أنّ المرّة الأخيرة التي وصل فيها سعر برميل النفط إلى هذا المستوى كان في 27 تشرين الأول/أكتوبر 2023.

أكبر منتجي النفط في العام 2023

يعود ذلك حقيقة إلى أسباب عدّة، أهمّها عدم تأثّر الأسواق بعد بأي انقطاع فعلي للإمدادات، واستمرار وصول الشحنات على الرغم من كلّ ما يحصل. وهو ما يُضاف إلى ازدياد الثقة في إجراءات منظّمة أوبك+ المتّخذة أخيراً، وتشكيلها شبكة أمان في الأسواق على شكل فائض طاقة احتياطية لتلبية أسوأ السيناريوهات، مع استمرار ارتفاع الإنتاج أيضاً من الدول غير المنضوية في المنظّمة. في بداية آذار/مارس الماضي، أعلنت أوبك+ استمراراها في إجراءات التخفيض التي اتخذتها في منتصف العام 2023، وحتى حزيران/يونيو من هذا العام، ما مدّد حجب حوالي 2.2 مليون برميل من النفط في اليوم عن الأسواق، لتقدّر الكمّية الإجمالية المحجوبة من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتّحدة والعراق وروسيا، بحوالي 5 ملايين برميل في اليوم (5% من الطلب العالمي). وبحسب وكالة رويترز، بلغ اجمالي الانتاج من المنظّمة حوالي 26,42 مليون برميل في اليوم الشهر الماضي.

من جهة أخرى، يبرز عامل الضبابية على توقّعات الطلب العالمي للعام 2024، وخصوصاً في الصين، على الرغم من بعض الإيجابية التي تتوقّع زيادة الطلب هذا العام. أيضاً، من العوامل التي ساهمت في ارتفاع الأسعار إلى نحو 90 دولاراً، هو تأثير الضربة الأوكرانية على مصفاة النفط الروسية: «تانيكو» بداية هذا الشّهر، والتي تكرّر حوالي 340 ألف برميل يومياً، حاجبةً نصف هذه الكمّية بشكل مؤقت، فضلاً عن عزم المكسيك حجب حوالي 436 ألف برميل يومياً عن الأسواق لتشغيل مصفاة جديدة داخل البلاد.

بالمحصّلة، إذا استمرّ تحالف أوبك+ (السعودية وروسيا تحديداً) في حجب الإمدادات لدعم الأسعار، وكذلك التوتّر الإيراني-الإسرائيلي، فسيكون لذلك آثار على الانتخابات الرئاسية الأميركية نهاية هذا العام في حال ارتفعت أسعار البنزين، وسوف تضطّر الإدارة الأميركية للتدخّل في الأسواق. علماً أنه مؤخراّ، آثرت وزارة الطاقة الأميركية تأجيل إعادة تكوين احتياطي الولايات المتحدّة الاستراتيجي بحوالي 3 ملايين برميل يومياً بسبب ارتفاع الأسعار.

إيران في أعلى مستويات الإنتاج

وسط كلّ ذلك، وعلى الرغم من العقوبات المفروضة، يبرز تحوّلٌ جديد يتمثّل بإنتاج النّفط من إيران الذي واصل ارتفاعه في السنتين الأخيرتين، وبلغ خلال آذار/مارس الماضي نحو 3,1 مليون برميل في اليوم أي بزيادة حوالي 600 ألف برميل في اليوم مقارنة بالعام الماضي، وبحوالي مليون برميل مقارنة بالعام 2021. أكثر من نصف هذه الكمّيات، أي حوالي 1,6 مليون برميل، يذهب إلى الصّين، ويمرّ عبر مضيق هرمز، وهو أيضاً الممرّ الوحيد لنفط العراق والكويت ولشحنات الغاز المُسال من قطر. من هنا، يبرز ترقّب داخل الأسواق العالمية لأي تصعيد قد يرتبط بالمضيق ويشلّ حركة السفن، بما في ذلك ربّما النفط الإيراني. إن التوقّف الفعلي لتدفّق نفط وغاز الخليج يمكن أن يهدّد فعليّاً بحدوث نقصٍ في الأسواق وارتفاع الأسعار باطراد، وهو ما لا يزال مستبعداً حتى الآن.

إنتاج النفط الخام في إيران

على صعيد آخر، يُنتظر أن تتوضّح صورة وطبيعة العقوبات الجديدة التي تنوي الإدارة الأميركيّة فرضها على إيران ردّاً على الهجوم المركّب ضدّ إسرائيل، وإذا كانت ستضمّ النفط الإيراني، ما قد يسبّب المزيد من ارتفاع الأسعار قبيل الانتخابات نهاية هذا العام.

تبدو استجابة أسواق النفط لخضّات الشرق الأوسط صامتة وفريدة في آنٍ، ويبدو أن التركيز الأساسي اليوم يتمحور حول أساسيّات استمرار تدفّق الإمدادات ومراقبة تطوّر الطلب العالمي في الأشهر المقبلة من العام، خصوصاً من قبل منظّمة أوبك+، لاتخاذ القرار المناسب في اجتماع حزيران/يونيو المقبل. ولو أن ذلك لا يبدّد إمكانيّة وصول الأسعار إلى عتبة 100 دولار نظراً لكل الاعتبارات المذكورة آنفاً، وبعيداً من أي اضطرابات إضافيّة، إلّا أن ارتفاع منسوب التوتّرات في الشرق الأوسط وتطوّرها قد يسرّع في أن نشهد أسعاراً شبيهة بتلك التي رافقت الحرب الروسيّة-الأوكرانيّة.