العقوبات التجارية وتحويل الصادرات
- لم يكن قرار المصدّرين بتحويل صادراتهم عشوائياً؛ فقد اختار هؤلاء المنتجات التي يريدون تحويلها إلى أسواق جديدة، وكانوا أكثر ميلاً إلى تصدير المنتجات التي يتميّز الإيرانيون بكفاءة تصنيعها والمنتجات التي يسهل إيجاد مستهلكين لها.
- تشير الأدلة إلى أن المصدّرين الذين حوّلوا أسواقهم خفّضوا أسعار منتجاتهم بمعدّل 6.3% في الشحنة الأولى التي تلت تحويل الصادرات بالمقارنة مع أسعار المنتجات نفسها في آخر شحنة قبل تحويل الصادرات.
تبيّن نتائج بحث يتناول العقوبات التجارية على إيران، أنّ العقوبات التجارية قد تكون أقل فعالية في عالم معولم، لا سيّما إذا كان الهدف منها تقليل مجمل صادرات البلد المُستهدف، إذ يمكن للمصدّرين تحويل صادراتهم نحو وجهات أخرى. أمّا إذا كانت الغاية من العقوبات الضغط على المصدّرين في البلد المستهدف، فعندها يمكن للعقوبات التجارية أن تكون فعّالة، بحيث يتكبّد المصدّرون الخسائر المترتبّة عن تحويل الصادرات إلى وجهات جديدة.
تعريف العقوبات الاقتصادية والتجارية
العقوبات الاقتصادية هي إجراءات متّخذة أو أوامر صادرة عن بلد لإرغام بلد آخر على تغيير سلوكه السياسي، ويستمرّ استخدامها من البلدان في محاولة لتغيير سلوك الحكومات الأخرى. خلال القرن الماضي، فُرِضت عقوبات تجارية بنحو 174 مرة من بلدان مختلفة (هوفباور وآخرين، 2007). مع ذلك، ما زلنا نفتقر إلى الفهم الكامل لتأثيراتها وفاعليّتها.
يقول ميلتون فريدمان (1980) إن "العقوبات الاقتصادية في المجمل لا تشكّل سلاحاً فعّالاً في الحرب السياسية". لكن هذه العبارة ليست صحيحة دائماً. وبالتالي، لتقييم مدى فعالية العقوبات الاقتصادية (على الصادرات والواردات والقطاع المالي والمصرفي) من المهمّ التمييز بين أنواعها المختلفة لأنها ليست مُتجانسة بالتعريف، وبالتالي لا يجب تعميم آثارها. في هذا الإطار درست تأثير نوع مُحدّد منها وهي العقوبات التجارية.
ارتفع حجم الصادرات الإيرانية غير النفطية بعد فرض العقوبات نظراً لقدرة المؤسسات على تحويل صادراتها وإقامة علاقات تصدير جديدةتختلف العقوبات التجارية عن الحصار بكونها تفرض زيادة في التكاليف التصديرية (بمعنى أنها ترفع كلفة التصدير بحسب الوجهة التصديرية)، في حين يشكّل الحصار التجاري تحوّلاً من الاستيراد نحو الاكتفاء الذاتي. تشرح الأدبيات الحالية (المراجع أدناه) آليّات عمل العقوبات التجارية وسعيها إلى خفض مستوى الرفاه العام للدولة المُستهدفة عبر خفض صادراتها لإرغامها على تغيير سلوكها السياسي، لكنها لا تحدّد ما إذا كان المصدّرون قد توقّفوا عن التصدير بسبب العقوبات أو خفّضوا صادراتهم باتجاه الوجهات المُطبقة للعقوبات. وكذلك، لا تحدّد هذه الأدبيّات ما إذا حوّلت بعض أو كلّ شركات التصدير صادراتها نحو وجهات جديدة بعد العقوبات وكيفية قيامها بذلك.
تحويل الصادرات
يمكن تعريف تحويل الصادرات على أنّه تغيير وجهة التصدير ردّاً على زيادة الحواجز التجارية في سوق آخر، كما هو الحال عندما تؤدّي زيادة الرسوم الجمركية على الصادرات من البلد أ باتجاه البلد ب، إلى تحويل الصادرات إلى بلد ج بدلاً من البلد ب. على سبيل المثال، ارتفع حجم الصادرات الإيرانية غير النفطية بعد فرض العقوبات، ويعود ذلك جزئياً إلى قدرة المؤسّسات على تحويل صادراتها وإقامة علاقات تصدير جديدة. يظهر الشكل 1 مسار تطوّر الصادرات غير النفطية في إيران بين كانون الثاني 2006 وحزيران 2011، ويوضح الاتجاه التصاعدي وغير المتوقّع الذي تلى فرض العقوبات السؤال عن تحويل المصدّرين الإيرانيين صادرات منتجاتهم غير النفطية إلى أسواق جديدة. ففي ظل اقتصاد معولم بشكل متزايد هناك دائماً أسواق بديلة للمصدّرين المتأثّرين بالعقوبات. بمعنى آخر، يمكن أن يعوّض تحويل الصادرات عن محاولات تدميرها، وهو أمر لا ينبغي تجاهله.
تدمير الصادرات وتحويلها
هل أدّت العقوبات المفروضة على المصدّرين الإيرانيين إلى تحويل الصادرات؟ للإجابة على هذا السؤال، استخدمت بيانات جمركية تفصيلية من إيران. في الواقع، تشكّل إيران حالة مناسبة لدراسة أثر العقوبات التجارية على عمليات تحويل الصادرات، وذلك لأسباب عدّة؛ أوّلا، تشبه العقوبات التجارية التي فُرِضت عليها في آذار 2008، من حيث التعريف، العقوبات التجارية التي تفرض عادةً. وبالتالي، إنّ فهم كيفية تصرّف المصدّرين الإيرانيين قد يساعد على فهم الأداء المُحتمل لمصدّرين من دول أخرى قد تُفرض عليها عقوبات مماثلة. ثانياً، كانت العقوبات التجارية التي واجهها المصدّرون الإيرانيون فريدة من نوعها لأنها شملت العديد من الدول. لقد أدّى فرض عقوبات تجارية على إيران من الولايات المتّحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي وكندا وأستراليا في عام 2008 إلى زيادة تكاليف التصدير إلى هذه الوجهات ولكن ليس إلى وجهات أخرى. ثالثاً، إن إمكانية الوصول إلى بيانات مُفصّلة عن تدفّقات الصادرات الإيرانية تجعل من إيران حالة لافتة لتحديد أثر العقوبات على التصدير وإمكانية تسبّبها في تحويل وجهات التصدير. رابعاً، يمكن استخدام العقوبات التجارية في عام 2008 كمنطلق لتحديد نقطة زمنية ارتفعت عندها التكاليف التصديرية على المصدّر تبعاً لوجهة التصدير.
يقدّم الشكل 2 إيضاحات للدافع وراء دراسة تدمير الصادرات وتحويلها بعد فرض العقوبات، إذ يظهر انخفاضاً في الصادرات الإيرانية الشهرية إلى وجهات فرضت العقوبات، في مقابل ارتفاعها إلى وجهات لم تفرض عقوبات. بمعنى ارتبط الانخفاض في حجم الصادرات إلى وجهات فرضت عقوبات (تدمير الصادرات) بارتفاع في حجم الصادرات إلى وجهات لم تفرض عقوبات (تحويل الصادرات).
ملاحظات: يبين الرسم مجموع الصادرات الإيرانية غير النفطية شهرياً الى وجهات تفرض عقوبات على الصادرات وإلى وجهات لا تفرض عقوبات على الصادرات وفق (1) المصدّرين الذين صدّروا فقط إلى وجهات تفرض عقوبات و(2) مصدرين صدّروا إلى وجهات تفرض عقوبات ووجهات لا تفرضها بين كانون الثاني 2006 وحزيران 2011. يمثّل الخط غير المتقطّع مجموع الصادرات الشهرية إلى وجهات تفرض عقوبات، ويمثّل الخط المتقطّع مجموع الصادرات الشهرية إلى وجهات لا تفرض عقوبات تجارية.
الاستنتاجات الرئيسة
الى ذلك، يبيّن الشكل 3 معدّلات دخول وخروج المصدّرين الإيرانيين من أسواق مُحدّدة. وبالمثل، في حين شهدت معدّلات دخول المصدّرين انخفاضاً في الوجهات التي فرضت العقوبات، ارتفعت في الوجهات التي لم تفرض العقوبات. أيضاً، ارتفعت معدّلات خروج المصدّرين من الوجهات التي طبّقت العقوبات، وانخفضت في الوجهات التي لم تفرضها. تعدّ الدراسة المُعمّقة لتحويل الصادرات عقب فرض عقوبات تجارية بمثابة السمة المُستجدّة من هذه النتائج الجديدة، إذ تتيح البيانات على مستوى المصدّرين بالكشف عن الإجراءات التي تتخذ من المصدّرين وعبر الوجهات المختلفة. وبالفعل لقد أظهرت انعكاس العقوبات التجارية على تحويل الصادرات نحو وجهات لم تفرض عقوبات على المصدّرين الإيرانيين. أما النتائج الأساسية لدراسة حالة إيران فيمكن تلخيصها بالآتي:
- تحويل ثلثي قيمة الصادرات الإيرانية غير النفطية التي دُمّرت بفعل العقوبات إلى وجهات لا تفرض عقوبات.
- تأثّر المصدّرون الصغار بالعقوبات أكثر من المصدّرين الكبار.
- لدى المصدّرين الكبار وذوي الخبرة أرجحية أكبر بتحويل نسبة أكبر من صادراتهم مقارنة بالمصدّرين الصغار.
- لم يكن قرار المصدّرين بتحويل صادراتهم عشوائياً؛ في الواقع، اختار هؤلاء المنتجات التي يريدون تحويلها إلى أسواق جديدة، وكانوا أكثر ميلاً إلى تصدير المنتجات التي يتميّز الإيرانيون بكفاءة تصنيعها والمنتجات التي يسهل إيجاد مستهلكين لها – منتجات متجانسة مقارنة بمنتجات متباينة.
- خفَّض المصدّرون أسعار منتجاتهم عند تحويلها إلى أسواق جديدة.
- حوّل المصدّرون السلع إلى وجهات وجِدوا فيها بالأساس قبل العقوبات، وإلى بلدان صديقة لإيران.
على الرغم من أن العقوبات لم تخفّض الصادرات الإيرانية، إلا أنّها فرضت ضغوطاً على المصدّرين الايرانيين الذين تحمّلوا خسائر واضطروا إلى تخفيض أسعارهم وزيادة الكمّيات المصدّرة إلى وجهات جديدة.
تبيّن الدراسة أن المصدّرين إلى كلا الجهتين (جهات تفرض عقوبات وأخرى لا تفرضها) حوّلوا 88% من قيمة المنتجات المُصدّرة إلى وجهات لا تفرض عقوبات كانوا موجودين فيها بالأساس ويصدّرون إليها المنتج نفسه. وهو ما يشكّل نحو 61.6% (88% من 70%) من الصادرات الإيرانية إلى وجهات تفرض عقوبات قبل آذار 2008. مع ذلك، تمكّن المصدّرون الذين كانوا يصدّرون حصراً إلى وجهات فرضت عقوبات من تحويل 14% فقط إلى وجهات لا تفرض عقوبات ولكن لم يكونوا يصدّرون إليها من قبل، وهو ما يعادل نحو 4.2% (14% من 30%) من الصادرات الإيرانية إلى وجهات تفرض عقوبات قبل آذار 2008.
بالإضافة إلى ذلك، تشير الأدلة الى أن المصدّرين الذين حوّلوا أسواقهم خفّضوا أسعار منتجاتهم بمعدّل 6.3% في الشحنة الأولى التي تلت تحويل الصادرات بالمقارنة مع أسعار المنتجات نفسها في آخر شحنة قبل تحويل الصادرات. أيضاً سجّلت الأسعار الجديدة انخفاضاً بمعدّل 0.7% مقارنة بمعدّل أسعار المنتجات نفسها المُباعة من مصدّرين إيرانيين آخرين موجودين بالأساس في الوجهة الجديدة. هناك تفسير مُحتمل لذلك وهو أن المصدّرين الذين حوّلوا صادراتهم خفّضوا أسعارهم في محاولة لدخول أسواق جديدة وإيجاد مستهلكين.
أيضاً، يُعتبر المصدّرون غير متساويين من ناحية قدرتهم على تحويل الصادرات من وجهة إلى أخرى. وفي محاولة لفهم ديناميكيات تحويل الصادرات، من المهمّ معرفة ما إذا كلّ أو أي من المصدّرين قد حوّل، بعد فرض العقوبات، صادرات من وجهات تفرض عقوبات إلى أخرى لا تفرضها، ويتوقّع أن يكون حجم المصدّرين وخبرتهم من العوامل المؤثّرة على قدرتهم وإرادتهم وقرارهم في تحويل الصادرات. وهذا تحديداً ما تبيّنه البيانات.
العقوبات غير فعّالة في عالم معولم
تزوّدنا هذه النتائج بأدلة تشير إلى أن العقوبات على الصادرات هي أقل فعالية في عالم معولم لا سيّما إذا كان الهدف من فرضها تخفيض مجمل صادرات البلد المُستهدف إذ يمكن للمصدّرين تحويل صادراتهم من وجهة إلى أخرى. بمعنى آخر، يمكن لبلد ما أن يفرض عقوبات تجارية فعّالة على بلد آخر في حال لم يكن لدى مصدّري البلد المُستهدف أي وجهات بديلة لتعويض خسارة الأسواق. ومن ناحية أخرى، تشير هذه النتائج إلى فعالية العقوبات التجارية في حال كان الهدف منها الضغط على المصدّرين. في الواقع، كبّدت العقوبات التجارية المصدّرين الإيرانيين خسائر عند تحوّلهم نحو أسواق جديدة.
استُخدمت البيانات المُفصّلة على مستوى الشركات لفهم وقع العقوبات التجارية على المصدّرين للمرّة الأولى في الدراسة البحثية (حيدر 2017)، لكن يمكن للأبحاث المستقبلية أن تذهب في اتجاهين. أولاً، هناك حاجة إلى تحقيقات نظرية وتجريبية للآليّات التي تُنجِح أو تُفشِل العقوبات سواء بوجود توافق وتعاون دوليين أو غيابهما. ثانياً، هناك حاجة لدراسة أثر العقوبات على رفاهية الناس على المستوى الكلّي والفردي.
تستند هذه المقالة إلى الدراسة البحثية "العقوبات وتحويل الصادرات : أدلة من إيران"، التي نُشِرت في Economic Policy، 2017، جامعة أوكسفورد.
المراجع:
Doxey, M. 1980. Economic sanctions and international enforcement. Oxford: Oxford University Press.
Drezner, D. 1999. The sanctions paradox: Economic state- craft and international relations. Cambridge, MA: Cambridge University Press.
Eaton, J., and M. Engers. 1992. Sanctions. Journal of Political Economy 100(5): 899–928.
Friedman, M. 1980. Economic sanctions. Newsweek, January 21, p. 76.
Haidar, J. I. 2017. Sanctions and export deflection: Evidence from Iran. Economic Policy. 32(90): 319-355
Hufbauer, G., K. Elliott, B. Oegg, and J. Schott. 2009. Economic sanctions reconsidered. 3rd ed. Washington DC: Peterson Institute for International Economics.
Levy, P. 1999. Sanctions on South Africa: What did they do? American Economic Review 89(2): 415–420.
Martin, L. 1993. Coercive cooperation: Explaining multi- lateral economic sanctions. Princeton: Princeton University Press.
Tolley, G., and J. Wilman. 1977. The foreign dependence question. Journal of Political Economy 85: 323–393.