Preview MohamadZbeeb

النأي بالنفس
عقلية الدولة المُستأجرة وسياسة عدم سياسة إزاء اللاجئين السوريين في لبنان

  • حافظت الحكومة على النهج السلبي على الرغم من تفاقم الأزمتين السورية واللبنانية من دون أفق، لم تضع سياسة مختلفة للتعامل مع تداعيات استمرار الصراع في سوريا، وكذلك لم تضع سياسة مختلفة للتعامل مع الأزمة الداخلية، ولا سيّما إفلاس الجهاز المصرفي.
  • تظهر سياسة «النأي بالنفس» كفصل من فصول «سياسة عدم السياسة»، التي تُعتبر من سمات النظام السياسي الطائفي وتوازناته. وهذا بذاته «سياسة» خدمت مصالح بعض القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

«تقتضي الحكمة، في هذه الأوقات العصيبة التي تمرّ بها منطقتنا، أن نسعى إلى تقليل خسائرنا قدر المستطاع، فنلتزم سياسة النأي بالنفس ونحصن بلدنا بأفضل الطرق تجاه تداعيات الأزمات المجاورة ولا نعرّض سلمه الأهلي وأمانه ولقمة عيش أبنائه للخطر. هذه هي المصلحة الوطنية كما نفهمها. وعلى هذا الأساس نتقدّم من مجلسكم الكريم طالبين الثقة».
البيان الوزاري لحكومة الرئيس تمام سلام - 2014. 1

«فلنتقاتل إذاً هناك»

منذ انفجار الأزمة السورية في العام 2011 وتدفّق اللاجئين السوريين إلى بلدان الجوار، ومنها لبنان، أعلنت الحكومة اللبنانية التزامها بما سمّته سياسة «النأي بالنفس». تمّ التعبير عن هذه «السياسة» بأشكال مختلفة عبر بيانات ووثائق صادرة عن الحكومة والأحزاب السياسية. وتمّ تشجيعها عبر مواقف ثناء صادرة عن جهات خارجية ودعوات متواصلة لتحييد لبنان عن التوترات والنزاعات الدولية والإقليمية.

ورد الالتزام بالنأي بالنفس في البيان الوزاري لحكومة «المصلحة الوطنية» برئاسة الرئيس تمام سلام في آذار/ مارس 2014، وفي البيان الوزاري لحكومة «استعادة الثقة» برئاسة الرئيس سعد الحريري في كانون الأول/ ديسمبر 2016، وفي البيان الوزاري لحكومة «الأفعال لا الأقوال» برئاسة الحريري أيضاً في شباط/ فبراير 2019، وفي البيان الوزاري لحكومة «مواجهة التحديات» برئاسة الرئيس حسّان دياب في شباط/ فبراير 2020. كما جدّد مجلس الوزراء التزامه بهذه «السياسة» في جلسة عقدها في كانون الأول/ ديسمبر 2017، على أثر حادثة احتجاز الرئيس الحريري في السعودية وإعلان استقالته من هناك ثمّ رجوعه عنها بعد عودته إلى بيروت. إلا أن «إعلان بعبدا»،2 الصادر في العام 2012 عن «هيئة الحوار الوطني»،3 شكّل الوثيقة الرسمية الأبرز التي حدّدت المقصود بهذه السياسة. نصّ الإعلان على «تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليميّة والدوليّة وتجنيبه الانعكاسات السلبيّة للتوتّرات والأزمات الإقليميّة، حرصاً على مصلحته العليا ووحدته الوطنيّة وسلمه الأهلي»، وحصر هذا الإعلان دور الدولة بـ«ضبط الأوضاع على طول الحدود اللبنانيّة السوريّة وعدم السماح بإقامة منطقة عازلة في لبنان وباستعمال لبنان مقرّاً أو ممراً أو منطلقاً لتهريب السلاح والمسلّحين».

اقتصرت المقاربة الرسمية منذ بداية الأزمة السورية على الجوانب الأمنية والسعي إلى المساعدات الماليةبقي ادعاء «النأي بالنفس» قائماً طيلة السنوات الماضية من عمر الأزمة السورية، وحكم مواقف وسياسات الحكومة والأحزاب، ولكن التطبيقات العملية لم تظهر إلّا بوصفها تحييداً للدولة عن انحيازات أطراف السلطة فيها، وإعفاءً لها من مسؤوليّاتها تجاه واحدة من أكبر الأزمات التي يواجهها المجتمع اللبناني والأوضاع السيّئة جدّاً التي تُرك اللاجئون السوريون في مواجهتها.

حتى نهاية العام 2014، تمّت ترجمة سياسة «النأي بالنفس» بترك الحدود مفتوحة بين البلدين أمام تدفّقات اللاجئين الكثيفة من دون أي تنظيم أو إدارة مباشرة من قبل مؤسّسات الدولة وأجهزتها. وازدادت التوتّرات الداخلية في ضوء تصاعد حدّة الأزمة السورية واتهام كلّ طرف للطرف الآخر بالتدخّل في سوريا والانغماس أكثر في الصراع الجاري. وسرعان ما بدأت تنكشف عمليّات تهريب أسلحة وذخائر للمعارضة السورية المُسلّحة عبر المعابر اللبنانية،4 وصولاً إلى إعلان حزب الله بصورة رسمية، بعد أقل من سنة من إعلان بعبدا  المذكور، عن مشاركته بالقتال في سوريا إلى جانب النظام. وفي 27 أيار/ مايو 2013، أعلن الأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله في خطاب له لمناسبة عيد المقاومة والتحرير5 : «نحن نجدِّد دعوتنا إلى تجنيب الداخل اللبناني أي صدام وأي صراع، نختلف على سوريا، أنتم تقاتلون في سوريا، نحن نقاتل في سوريا، فلنتقاتل إذاً هناك».6

اقتصرت المقاربة الرسمية منذ بداية الأزمة السورية على الجوانب الأمنية والسعي إلى المساعدات المالية. تركت الدولة مهام الإغاثة والإعانة للعديد من المنظّمات الدولية والمنظّمات غير الحكومية وبرامج التمويل الأجنبية. وتمّ رفض إقامة مخيّمات نظامية لإيواء اللاجئين سواء في مناطق عازلة أو في الداخل. وبقيت مهمّة تسجيل اللاجئين في لبنان على عاتق المفوّضية السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين وحدها إلى أن قرّرت الحكومة وقف تسجيل أي لاجئ جديد اعتباراً من أيار/ مايو 2015 وشدّدت إجراءات الأمن العام على اللاجئين المتواجدين في لبنان والسوريين القادمين إليه. وفُوِّضت السلطات المحلّية بمراقبة اللاجئين وتعدادهم وإدارة شؤونهم، فقامت 142 بلدية، بدءاً من العام 2017، بفرض حظر التجوّل في الليل على اللاجئين السوريين وقيّدت حركتهم وتنقّلاتهم وعملهم.7 مع استعادة النظام السوري السيطرة على مناطق واسعة، تصاعدت الدعوات المطالبة بعودة اللاجئين إلى بلادهم، إلّا أن الانقسام الداخلي ورفض بعض الأطراف لإقامة علاقات مباشرة مع النظام السوري جعل من هذه الدعوات ورفضها محور خلاف جديد.

يحتاج مثل هذا الدفق السكاني المباغت إلى إدارة استثنائية لاستيعابه والتخفيف من آثاره وتداعياته، إلّا أن أكثرية السياسيين تعاملوا في البداية مع الأزمة على أنها قصيرةلم تضع الدولة اللبنانية أي «استراتيجية وطنية» للتعامل مع تداعيات الأزمة السورية الماثلة والمتفاقمة. «وهذا ما جعل كل جماعة أو مجموعة وأحيانًا سلطة محلّية في لبنان تخيط سياستها العامة تجاه الأزمة حسب ما تمليه مصلحتها السياسية والشعبية الضيّقة. وأدّى غياب الدولة بشكلها الجامع إلى تعاطي الإدارات الحكومية مع الأزمة بالقطعة حسب اهتمامها، وغالباً بناءً على أجندة المانحين ومستوى العلاقة معهم، ما أعطى منطق استجداء المعونات أولوية في الخطاب والموقف الرسمي».8 وساهم «تبنّي السياسيين خطاباً عاماً مؤذياً» بجعل الكثير من اللبنانيين يعتقدون «أن وجود اللاجئين السوريين فاقم دراماتيكياً تدهور أحوالهم الأمنية والمعيشية وقدرتهم على الحصول على خدمات نوعية».9

الأدبيات التي تتناول أزمة اللاجئين السوريين

يمكن تصنيف الأدبيّات التي تتناول أزمة اللاجئين السوريين في لبنان إلى أربعة تيّارات رئيسية. ركّز التيّار الأوّل على الخلل الوظيفي للحكم اللبناني في خلال الأزمة. ينظر هذا التيّار إلى الدولة على أنها فاشلة، ويرى أن اقتصار مقاربة الحكومة اللبنانية على الاستعانة بمصادر خارجية لم توفّر أي شكل من أشكال الاستقرار السياسي في خلال الأزمة. وركّز التيّار الثاني على أن الدولة اللبنانية أظهرت مرونة في مواجهة الآثار المُترتبة على الأزمة في سوريا، وسمحت لها بالصمود، كدولة ضعيفة، أمام  التهديدات الأمنية. وركّز التيّار الثالث على الآثار الاقتصادية لأزمة اللاجئين السوريين في لبنان، وعلى دور منظّمات المجتمع المدني والمجتمعات المحلّية في توفير أو عرقلة وصول اللاجئين إلى الحقوق الأساسية. أمّا التيّار الرابع، فركّز على أن مقاربة الحكومة لأزمة اللاجئين في لبنان تتحدّى فكرة الدولة الضعيفة التي تواجه انهياراً وشيكاً، ويستند هذا التيار إلى تطوّر العلاقة مع الأمم المتّحدة، إذ «كانت الحكومة اللبنانية تمارس نفوذاً كبيراً على الأزمة، وغيّرت موقعها في العلاقة مع وكالات الأمم المتّحدة، من متلقية للمساعدات إلى جهة فاعلة في صياغة السياسات».10

النهج السلبي كقاعدة عامّة: هل اللاجئون هم السبب؟

بدأ اللاجئون من سوريا يفدون إلى لبنان اعتباراً من خريف 2011. ومنذ ذاك التاريخ زاد عدد سكّان لبنان بنسبة تتجاوز 30%، أو 5% كمتوسّط سنوي،11 في حين أن مجمل الناتج المحلي شهد ركوداً ولم ينمو إلّا بمتوسّط 1.7% بين 2011 و2017، وانكمش اعتباراً من 2018. 12 تستخدم الوثائق اللبنانية الرسمية تقديرات أعلى لعدد اللاجئين السوريين إلى لبنان، وتتراوح بين مليون ومليون ونصف المليون لاجئة ولاجئ، وتستخدم أيضاً تقديرات أدنى لعدد السكّان الإجمالي تدور حول 6 ملايين نسمة، ما يعني أن ربع السكّان هم من اللاجئين السوريين، وسترتفع النسبة بعد إضافة اللاجئين الفلسطينيين وآلاف اللاجئين من بلدان عربية أخرى والعاملات والعمّال الأجانب.

mohamadzbeeb

يحتاج مثل هذا الدفق السكاني المباغت إلى إدارة استثنائية لاستيعابه والتخفيف من آثاره وتداعياته، إلّا أن أكثرية السياسيين تعاملوا في البداية مع الأزمة على أنها قصيرة، وانقسموا بين  حتميّة انتصار الثورة وصمود النظام، ولكن مع تصاعد الانقسام الدولي والإقليمي حول سوريا واتساع التدخّلات الخارجية، ولا سيّما تدخّل حزب الله في 2013، بدأ الحديث المحلّي عن أزمة طويلة ومخاوف من ارتداداتها على الاستقرار في لبنان، وارتفعت الأصوات المُطالبة بتنظيم اللجوء السوري إلى لبنان، كما تصاعدت التصرّفات العنصرية ضدّ اللاجئين ووسمهم بالإرهاب، وصولاً إلى مطالبة بعض الأحزاب بترحيل اللاجئين إلى سوريا أو ابتزاز الدول الأوروبية عبر التهديد بتمكينهم من مغادرة لبنان إليها عبر البحر الأبيض المتوسِّط. وحذّر رئيس الجمهورية ميشال عون في آذار/ مارس 2019 من «أن اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان يعبِّرون اليوم عن استيائهم من الوضع الاقتصادي في البلاد، الأمر الذي سيؤدّي إلى بداية موجة جديدة من هجرة اللاجئين السوريين إلى أوروبا».13

تزامن انفجار الأزمة السورية مع انفجار أزمة النموذج الاقتصادي اللبناني، سارت الأزمتين معاً وتداخلتا حتّى طمست الأولى الثانية، أو ظهرتا سبباً ونتيجة. ولكن الأزمة السورية أظهرت مدى هشاشة المجتمع اللبناني وعجز نظامه السياسي وفشله الاقتصادي، والأزمة الثانية أعلنت نهاية حقبة سمحت لهذا المجتمع أن يعيش بمستوى أعلى من دخله والارتهان للديون. وفق البنك الدولي، شهد لبنان ركوداً حاداً منذ العام 2019 بسبب الضغوط الاقتصادية والمالية والنقدية المُتزايدة. وسجَّل ميزان المدفوعات عجوزات كبيرة مُتتالية منذ 2011 بسبب تراجع التدفّقات المالية من الخارج وتزايد الرساميل الخارجة من لبنان. وتؤدّي القيود على العمليّات والحسابات المصرفية والودائع إلى ظروف قاسية للشركات والعمّال، وتزايدت حالات التعثّر وتخفيض الأجور وتقليص الوظائف. وكان الفقراء اللبنانيين يشكِّلون 27.4% من السكّان في 2011 و2012، وأصبحوا يشكِّلون ثلث السكّان في 2018 ويرجّح أن يكون نصف اللبنانيين فقراء الآن.14 ويقبع 70% من اللاجئين السوريين في لبنان تحت خطّ الفقر، كما يسكن أكثر من الثلث في منازل أو أماكن دون المستوى الإنساني المطلوب، وأكثر من نصف الأطفال في عمر الدراسة (3-18 سنة) خارج المدارس.15

حافظت الحكومة على النهج السلبي على الرغم من تفاقم الأزمتين من دون أفق، لم تضع سياسة مختلفة للتعامل مع تداعيات الازمة السورية، وكذلك لم تضع سياسة مختلفة للتعامل مع الأزمة الداخلية، علماً أن فذلكة مشروع قانون موازنة العام 2020 تضمّنت اعترافاً صريحاً أن الأوضاع في لبنان تتدهور منذ نهاية الحرب الأهلية، و«أثبتت المعالجات المُقترحة منذ ذلك الحين وحتّى اليوم فشلها الكبير في تصحيح الوضع اللبناني المتأزّم وفي إعادة البلاد إلى النمو المستدام والعدالة الاجتماعية وانطلاق الطاقات والمبادرات التي من شأنها إعادة تكوين النسيج الذي يؤمّن النجاح الاقتصادي والاستقرار المالي والأمني والسياسي».16

تعترف الحكومة أن «الحالة حرجة للغاية»، ولكن الأحزاب السياسية المُسيطرة عليها تشيع أن السبب لا يكمن في بنية النموذج الاقتصادي والنظام السياسي ــــ الاجتماعي، ولا في السياسات والمؤسّسات وآليات إعادة التوزيع، ولا في طبيعة رأس المال المتدفّق من الخارج، بل يكمن في وجود عدد كبير من «اللاجئين/ العمّال الأجانب»، الذين ينافسون اللبنانيين على «الكعكة» الصغيرة ويرتّبون كلفة باهظة تجعل الدولة عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها.

سياسة عدم السياسة

في الظروف العادية، يعتمد تصميم السياسة على آليّة مُعقّدة للغاية ويحتاج إلى إرادة سياسية قويّة. وفي حالات الطوارئ والكوارث، يصبح تصميم السياسة أكثر صعوبة وتعقيداً، ويتطلّب مستوى أعلى من التنظيم والتنسيق من السلطات المعنية.17

في الحالة اللبنانية، افتقدت الدولة إلى الشروط اللازمة لصياغة «سياسة وطنية» تنبثق من مفهوم تحقيق «المصلحة العامة». وهذا لا يتعلّق بالأزمة السورية وتدفّق اللاجئين بكثافة إلى لبنان، بل يتعلّق بطبيعة النظام السياسي الذي حكم نشوء الدولة اللبنانية وتطوّرها.

تزامن انفجار الأزمة السورية مع انفجار أزمة النموذج الاقتصادي اللبناني، سارت الأزمتين معاً وتداخلتا حتّى طمست الأولى الثانية، أو ظهرتا سبباً ونتيجةعُرِّفت الدولة اللبنانية أنها «دولة تفتقد شروط سيادتها الداخلية»،18 فهي لا تحتكر استخدام القوّة ولا تحتكر إدارة العلاقات الخارجية. ولذلك يعكس النظام الطائفي التوازنات الإقليمية والدولية في منطقة الشرق الأوسط، بدلاً من أن يكون أداة لتحقيق الديمقراطية التوافقية التي ينادي بها العديد من السياسيين اللبنانيين».19 وبالنظر إلى درجة اختراق هذا النظام من قبل القوى الخارجية، «لا يشعر السياسيون اللبنانيون أنهم يحتاجون إلّا أن يعرفوا كيف يتموضعون تجاه هذه القوى (...) بل هم لا يحتاجون حتى أن يبلوروا برامج حكم وطنية توفر أجوبة على حاجات المواطنين وتؤمّن دفع البلاد باتجاه التقدّم».20

في هذا السياق، تظهر «سياسة النأي بالنفس» كفصل من فصول «سياسة عدم السياسة»، التي تُعتبر من سمات النظام السياسي الطائفي وتوازناته. تعاني الدولة في لبنان من  فقر الإرادة السياسية الداخلية والفساد وطغيان المصالح المالية والتجارية والعقارية وتوزّع الولاءات للمحاور الإقليمية. وهذا من أبرز العوامل الدافعة إلى ترك الدولة من دون أي سياسة مُحدّدة وواضحة، وهذا بذاته «سياسة» خدمت مصالح بعض القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية. 

لم يطوّر المسؤولون أي شكل من أشكال التخطيط لتحسين الظروف المعيشية للاجئين القادمين من سوريا وللمجتمعات المضيفة التي تعاني من الحرمان والفقر أصلاً. فعلى الرغم من رفض الحكومة تنظيم أعمال الإغاثة والإيواء عبر إقامة مُخيّمات نظامية للاجئين، انتشرت المُخيّمات «غير النظامية» في الشمال والبقاع، حيث ينتشر الفقر ويتدهور الاقتصاد الزراعي ويعاني السكّان من تهميش مُزمن من قبل الدولة. وتخضع الأماكن التي تركّز فيها اللاجئون لسلطات قوى الأمر الواقع، والتي تتّخذ البلديات أدوات لفرض سلطاتها. وكذلك ساهمت «سياسة عدم السياسة» بتفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان وغرس الشعور لدى فئات واسعة من اللبنانيين أن تراجع مستوى معيشتهم سببه التنافس مع اللاجئين على فرص العمل المحدودة والبنية التحتية المتهالكة. وأسّس هذا النوع من «السياسة» لانطلاق خطاب تحريضي ضدّ اللاجئين وتكثيف الدعوات إلى ترحيلهم بذريعة خطرهم الديمغرافي ومسؤوليّتهم عن تفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية، في حين أن الرافضين للترحيل «القسري» أو قبل «الحل النهائي للأزمة السورية» اكتفوا بالخطاب الحقوقي من دون تقديم أي حلول سياسية مطروحة للتطبيق.

بحلول العام 2012، كانت 70% من المنظّمات غير الحكومية قد حوّلت مهامها للتركيز على اللاجئين السوريين، وجاءت غالبية التمويل من الجهات المانحة الأجنبية، وازداد الدعم لقضايا اللاجئين من دون أي سياسة حكومية رسمية. وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي برنامجاً مع البلديات لدعم اللاجئين. وظهر ميل واضح لدى المانحين لعدم تمويل الحكومة وفضّلوا تمويل وكالات الأمم المتّحدة. في هذه المرحلة كانت المنظّمات الدولية تملأ فراغ الحكومة وتصرّفت وكالات الأمم المتّحدة من تلقاء نفسها في معظم الحالات.21

عقلية «الدولة المُستأجرة»
قامت «سياسة عدم السياسة» على مقاربة تقول إن اللاجئين السوريين ليسوا من مسؤوليّة الدولة اللبنانية. عبّر رئيس الحكومة عن هذه المقاربة بالقول إن «الأزمة السورية كانت ولا تزال أزمة عالمية من حيث مفاعيلها وتأثيراتها، لكنها أرخت بثقلها على لبنان».22

لا شك أن بلداً في أوضاع لبنان يحتاج إلى مساعدات خارجية لمواجهة أعباء اللاجئين، إلّا أن المقاربة التمويلية طغت على ما عداها، واختزلت الحكومة تحركّاتها بالسعي للحصول على مساعدات إنسانية أجنبية وطلب التعويضات عن الخسائر المالية التي مُنِي بها لبنان.

تصرّفت الحكومة دائماً على أساس أنها دولة تقدّم خدمة إيواء مؤقّت للاجئين في مقابل بدلات وتعويضات مالية. وعلى الرغم من عدم نجاح هذه المقاربة في تعبئة الأموال التي طالبت بها الحكومة، إلّا أن عقلية «الدولة المستأجرة»23 حكمت رهانات الحكومة من مشاركتها في المؤتمرات المُتّصلة بإدارة آثار الأزمة السورية على لبنان منذ بداية الأزمة حتى الآن.

mohamadzbeeb

في أيلول/سبتمبر 2013 صدرت أول وثيقة،24 أعدّها البنك الدولي، بناء على طلب من الحكومة اللبنانية، وبالتعاون مع الأمم المتّحدة والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي. قدّرت هذه الوثيقة الخسائر المتوقّعة في الفترة المُمتدة بين العامين 2011 و2014 بنحو 7.5 مليارات دولار، وقالت إن 170 ألف لبناني إضافي سيقعون تحت خط الفقر وسترتفع البطالة إلى 20%. استخدمت الحكومة هذه الوثيقة لسنوات عدّة «من أجل استجداء الدول الغربية أو المجتمع الدولي للحصول على مساعدات مالية بمليارات الدولارات، بحجّة الكلفة الكبيرة للوجود السوري والعبء الاقتصادي الذي يُحدِثه لناحية استهلاك البنى التحتية، التي تكاد لا تكفي اللبنانيين، وغيرها من الحجج».25

قدّمت الحكومة وثيقة إلى اجتماع «سيدر» في باريس في نيسان/أبريل 2018، تعتبر اللاجئين السوريين سبباً رئيساً للأزمة المالية القائمة.26 استندت الحكومة إلى تقديرات البنك الدولي أيضاً حول التكلفة التراكمية على لبنان منذ بداية الصراع في سوريا، وتقول إن الدخل كان سيرتفع نحو 18.15 مليار دولار حتى العام 2015 لولا الازمة السورية، في حين بلغت التحويلات الإضافية من الحكومة إلى مؤسّسة كهرباء لبنان لتوفير الكهرباء للاجئين نحو مليار دولار سنوياً، وبلغت الزيادة في الدَّيْن العام اللبناني نحو 6 مليارات دولار، نتجت من تمويل العجز الإضافي المُتّصل بالأزمة السورية والفوائد المُترتبة عليها بين نهاية العام 2011 والعام 2016. وانطلقت الحكومة من هذه التقديرات لتشير إلى أن الأزمة السورية تسبّبت برفع نسبة الدَّيْن العام إلى الناتج المحلّي الإجمالي إلى 150% بحلول نهاية العام 2017، في حين بلغت مدفوعات الفوائد على الديون نحو 10% من الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2017، واستحوذت على أكثر من نصف الإيرادات الحكومية. إلّا أن الحقائق الإحصائية تفيد أن الدَّيْن العام يرتفع بمعدّلات مرتفعة منذ العام 1992، وقد بلغ نسبة 183% من مجمل الناتج المحلّي في العام 2006، وبالتالي لا يوجد أي دليل على أن آليّة تنامي الدَّيْن ارتبطت بأي شكل من الأشكال بأزمة اللاجئين السوريين.

فشل استجداء الخارج

لم تنجح الحكومة في الحصول على ما يكفي من الدعم الخارجي لوقف التدهور أو شراء الوقت الإضافي. وتراجعت مع الوقت استجابة الجهات المانحة لبرامج دعم اللاجئين وتوسّع العجز كثيراً بين الموارد المالية المُتاحة والحاجات. تداخلت الأزمة السورية مع عوامل أخرى كثيرة لتتراكم الأزمة الداخلية في ظل تمسّك الأحزاب السياسية بحكومات ائتلافية يمرّ تشكيلها بفترات فراغ دستوري طويلة.

لم يطوّر المسؤولون أي شكل من أشكال التخطيط لتحسين الظروف المعيشية للاجئين القادمين من سوريا وللمجتمعات المضيفة التي تعاني من الحرمان والفقر أصلاًاعتباراً من العام 2011 بدأ ميزان المدفوعات يُسجّل عجوزات سنوية مُتراكمة، بلغ رصيدها قبل الانهيار في العام 2019 نحو 18 مليار دولار (2011-2019)، 27 وتراجعت التدفّقات المالية الخارجية التي تُعتبر المصدر الرئيس لتمويل الاستهلاك، كذلك ارتفعت قيمة الرساميل الخارجة من لبنان، وتباطأ نمو الودائع، وفرضت الإدارة الأميركية عقوبات مصرفية تطال حزب الله والقيادة السورية وإيران، وتشكّلت ظاهرة الركود التضخّمي، فارتفعت معدّلات الهجرة والبطالة والفقر،28 وعانى لبنان من إقفال تامّ لحدوده البرّية لفترة طويلة فانخفضت الصادرات وحركة السياحة، ولا سيّما مع اتخاذ بعض الدول الخليجية إجراءات تحذيرية من السفر إلى لبنان، ارتفع العجز التجاري وبات العجز الجاري يساوي ربع الناتج المحلّي.

لم تقع الأزمة الداخلية فجأة. صدرت تحذيرات جمّة للحكومة منذ العام 2011، وكانت الاستجابة لهذه التحذيرات شبه معدومة، إلّا أن تفاقم الأزمة وارتفاع الحاجات التمويلية نقل المقاربة الحكومية من الالتزام بعدم اتخاذ إجراءات تعسّفية ضدّ اللاجئين في مقابل الحصول على التعويضات، إلى التهديد بإغراق الدول الأخرى باللاجئين في حال عدم دفع التعويضات. وفي الحالتين كان الهدف الحصول على المزيد من تدفّقات العملة الصعبة من الخارج، وهذا ما عزّز نظرية «أن النخب المحلّية غالباً ما تتعامل مع اللاجئين كمصادر مُحتملة للدخل».29

في كانون الأول/ ديسمبر 2014، تمّ إطلاق خطّة الاستجابة للأزمة السورية في برلين. وذكرت وثيقة الخطة أن لبنان «أظهر التزاماً وتضامناً استثنائيين. ولكن في الوقت نفسه، تتعرّض الهياكل المؤسّسية للدولة اللبنانية لضغوط هائلة»، لذلك يجدر دعم الدولة وتمرير الدعم إلى اللاجئين عبرها. طلبت الخطّة نحو 2.5 مليار دولار لعام 2016. إلّا أن البنك الدولي طرح أن يستفيد لبنان من قروض منخفضة الفائدة لتمويل حاجاته.

في شباط/فبراير 2016، تفاوض لبنان على قرض من الاتحاد الأوروبي بقيمة 455 مليون دولار للفترة 2016-2017. صاغ الاتحاد الأوروبي الأسباب المُوجبة للقرض على أنه «فرصة لتحسين الآفاق الاجتماعية والاقتصادية والأمن والاستقرار في لبنان». وحصلت الحكومة على قروض مُيسّرة من البنك الدولي. ولكن سرعان ما تراجعت الاستجابة الخارجية لطلبات تمويل الحكومة، ما دفع رئيس الحكومة سعد الحريري للتحذير من إن «لبنان يقترب من نقطة الانهيار بسبب ضغوط اللاجئين السوريين، وهناك خشية من اضطرابات قد تندلع بسبب التوتّر بينهم وبين المجتمعات اللبنانية».30

رتّبت «سياسة عدم السياسة» كلفة كبيرة وفشلت عقلية «الدولة المُستأجرة» في تعويضها. يقول التصوّر العام أن لبنان لم يكن لديه أوراق مساومة قوية وبالغت الحكومة كثيراً بتقدير أهمّية قرب لبنان من قبرص، وهي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي. في هذا الإطار، لا يعتبر لبنان بوابة إلى أوروبا، واللاجئون السوريون لا يغامرون بالتوجّه إلى هذه الجزيرة لأنها لا توفّر وسيلة سهلة للوصول إلى بقية القارة الأوروبية ولا توفّر إجراءات لجوء بسيطة.31

من الإنكار إلى العودة

يمكن تقسيم المراحل التي قطعتها المبادرات الرسمية وغير الرسمية إلى 3 مراحل: مرحلة الإنكار والتراخي (2011- 2014)، إذ شهد لبنان بشكل مُطرد تنامي السلطات المُبعثرة سواء على نطاق البلديات أو الأجهزة الأمنية. ومرحلة التقليص والتقييد (2015)، إذ شكّلت «ورقة سياسة النزوح» التي صادقت عليها الحكومة اللبنانية في 23-10-2014 الاعتراف الرسمي الأول أن الوضع في لبنان «أصبح على شفير انفجار اجتماعي اقتصادي أمني يهدِّد وجوده، إن لم يعمد الى اتباع سياسة تؤدّي إلى تقليص أعداد النازحين السوريين الموجودين على أرضه وإلى توفير أمن اللبنانيين والسوريين، وإلى تخفيف الأعباء عن شعبه واقتصاده»،32 وتميّزت هذه المرحلة بإجراءات تعسّفية ضدّ اللاجئين وازدهار الخطاب التحريضي ضدّهم وتحميلهم مسؤوليّة الأزمات. أمّا المرحلة الثالثة فهي مرحلة الضغط من أجل العودة، إذ بدأت أحزاب في السلطة تتحرّك باتجاه نقل عدد كبير من اللاجئين في لبنان إلى سوريا، ويقوم رئيس الجمهورية ميشال عون بالضغط في هذا الاتجاه.

ساهمت «سياسة عدم السياسة» بتفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان وغرس الشعور لدى فئات واسعة من اللبنانيين أن تراجع مستوى معيشتهم سببه التنافس مع اللاجئين على فرص العمل المحدودة والبنية التحتية المتهالكةتُعدُّ «ورقة سياسة النزوح» أول سياسة حكومية رسمية في شأن اللاجئين السوريين. وتضمّنت إجراءات تطالب المفوّضية بوقف تسجيل النازحين السوريين إلّا بعد موافقة وزارة الشؤون الاجتماعية وتنظيم العلاقة مع الوكالات الدولية وفقاً للقوانين والمعاهدات اللبنانية، ممّا يستلزم وصول الحكومة اللبنانية إلى جميع المعلومات المُتعلّقة بالأشخاص النازحين من سوريا من أجل خفض أعدادهم. وأصدرت المديرية العامة للأمن العام قرارات لتنظيم دخول وإقامة السوريين في لبنان، ولم توفّر لهم سوى خيارين: إمّا التسجيل لدى مفوّضية الأمم المّتحدة لشؤون اللاجئين والتعهّد بعدم العمل، وإمّا البحث عن كفيل لبناني. وطلب مجلس الوزراء من المفوّضية التوقّف عن تسجيل اللاجئين من سوريا.

في تلك المرحلة، كان هاجس اللجوء يسيطر على أوروبا، واستفادت الحكومة اللبنانية من وجود اللاجئين كفرصة لطلب مزيد من التمويل. قدّمت الحكومة اللبنانية اعتباراً من العام 2015 طلبات تمويل كثيرة للقطاعات التي تعتبرها خاضعة لضغوط إضافية من اللاجئين السوريين، بما في ذلك قطاعات المياه والكهرباء والنفايات. ونشأت هيئة للتنسيق بين وزارة الشؤون الاجتماعية والوكالات الحكومية ووكالات الأمم المتّحدة والمنظّمات غير الحكومية لرعاية اللاجئين في مجالات التعليم والطاقة والغذاء  والصحّة.

ردود «شعبوية» على الأزمة

تسارعت وتيرة الأزمة الداخلية منذ العام 2015، واشتدّت الضغوط الخارجية، وتصاعد الخلاف بين الأحزاب السياسية حول العلاقة مع النظام السوري وطريقة التعامل مع اللاجئين السوريين. وبعد كلّ هذه السنوات على انفجار الأزمة السوريّة، يمرّ لبنان بمرحلة حرجة للغاية. فعلى الرغم من الاستقرار النسبيّ في عدد اللاجئين السوريّين في لبنان منذ العام 2015 وضخّ نحو 6 مليارات دولار لدعم لبنان بين العامين 2011 و2019، 33 إلّا أنّ الموارد المُتاحة تراجعت وترك ذلك آثاراً عميقة في المناطق التي كانت محرومة بالفعل قبل الأزمة (تضمّ 251 منطقة نحو 67% من اللبنانيّين المحرومين و87% من اللاجئين السوريّين).

في هذا السياق، انتشر خطابان طاغيان إزاء اللاجئين السوريين إلى لبنان: الأول، ينكر أي تأثيرات سلبية لاستضافة لبنان أكبر عدد من اللاجئين نسبة لعدد سكّانه. والثاني، يتوسّل التحريض العنصري، وهي الطريقة التقليدية للتنصّل من المسؤوليّة وإلقاء السبب على «متطفّل خارجي» وتقديمه كتهديد للمجتمع، كعنصر مُضاد له، فائض زائد.34

حمل الخطاب الأول عدداً لا بأس به من المنظّمات غير الحكومية، التي كان لها الدور الأهم في إيصال الدعم إلى اللاجئين ولعبت دور الوسيط (أو البديل عن الدولة) مع الجهات المانحة ومنظّمات الإغاثة. فيما حمل الخطاب الثاني بعض المسؤولين في الحكومة ومجلس النواب والأحزاب، الذين لم يبذلوا أي جهد واضح لاعتماد مقاربات تصلح للتعامل مع الأزمة واحتمالاتها، واستسهلوا التحريض ضدّ اللاجئين السوريين بوصفهم خطراً أمنياً بالدرجة الأولى، ولا سيّما مع صعود الحركات التكفيرية وحصول عمليات إرهابية في مناطق معيّنة واندلاع القتال في طرابلس وتزايد عنف التدخّلات الخارجية. وبوصفهم خطراً ديموغرافياً يُهدِّد التوازنات الطائفية، وخطراً اجتماعياً مسؤولاً عن الأزمة الناشئة، ولا سيّما مع صعود البطالة ولجوء أصحاب العمل في لبنان إلى استغلال وفرة اليد العاملة المتدنية الأجر في أوساط اللاجئين، وتزايد التوتّرات بين المجتمعات المضيفة واللاجئين بسبب الإهمال الكبير لحاجات هذه المجتمعات وتدهور أحوالها المعيشية وحرمانها من الخدمات الأساسية وشبكات الحماية واستبعادها غالباً من الدعم المتوفّر للاجئين وتركها تواجه المزاحمة الشديدة على الموارد القليلة والبنية التحتية المُتهالكة والمحدودة وفرص العمل النادرة والدخل الضئيل.

طرح رئيس الجمهورية ميشال عون والتيّار الوطني الحرّ برنامجاً لإعادة اللاجئين إلى سوريا، وبذلت وزارة الخارجية جهوداً حثيثة لحشد الدعم الخارجي لهذا البرنامج، في حين قدّم حزب الله دعماً مباشراً للاجئين الراغبين بالعودة الطوعية. أمّا تيّار المستقبل والقوّات اللبنانية والحزب التقدّمي الاشتراكي فيرفضون ذلك ويشترطون العودة «الآمنة»، وفي الوقت نفسه يرفضون أي اتصالات حكومية مباشرة مع الدولة السورية  لترتيب هذه العودة.

اضطر لبنان للتعهّد في مؤتمر أصدقاء سوريا للدول المانحة في بروكسل في أبريل/نيسان 2019 بالتزامات تتعلّق بحقوق اللاجئين، بما في ذلك عدم الإعادة القسرية.35 إلّا أن الرئيس ميشال عون أعلن بعد ذلك أنه سيسعى للحصول على «حلّ للاجئين من دون الأمم المتّحدة». واتهم وزير الخارجية جبران باسيل المفوّضية السامية لشؤون اللاجئين بعرقلة عودة اللاجئين السوريين من خلال «نشر الخوف».

مبادرات دولية: مقاومة شبح التوطين

أعلنت روسيا عن مبادرة لعودة اللاجئين السوريين بعد أيام على لقاء القمة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب في العاصمة الفنلندية هلسنكي في 16 تموز/يوليو 2018. تُعدُّ المبادرة الروسية الأولى من نوعها التي تصدر عن جهة دولية، واقترحت إيجاد حلٍّ شاملٍ لأزمة اللاجئين السوريين في لبنان والأردن وتركيا وأوروبا، يقضي بإعادتهم إلى أماكن إقامتهم الأصلية. هدفت المبادرة الروسية إلى التطبيع مع الدولة السورية وحشد التمويل لإعادة إعمار المناطق التي سيعود اللاجئين إليها، إلّا أنها لم تحظَ بالاستجابة الأميركية والأوروبية المطلوبة، فبقي الخلاف قائماً حول عودة اللاجئين بمعزل عن الحلّ السياسي، وكانت هناك شروط تريد منح المفوّضية السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) دور الإشراف على عملية العودة وإدارتها.36

لا يوجد أي دليل على أن آليّة تنامي الدَّيْن ارتبطت بأي شكل من الأشكال بأزمة اللاجئين السوريينتلقَّفت الحكومة اللبنانية المبادرة الروسية، وأعلن رئيس الحكومة سعد الحريري في 21 تموز/يوليو 2018، أنه طلب من فريقه التواصل مع المسؤولين الروس للوقوف على تفاصيل الاقتراحات التي أعلنتها موسكو بخصوص عودة اللاجئين السوريين. وصرّح وزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل بعد اجتماعه بنظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو في 19 آب/أغسطس 2018، أن الحكومة ترغب «بنجاح المبادرة الروسية لعودة النازحين في لبنان إلى بلادهم»، وأنها «مع العودة السريعة المُتدرّجة الآمنة المُستدامة بلا أي ربط بالحلّ السياسي».

ولكن المبادرة الروسية لم تنجح، ما أعاد السجال بين القوى السياسية المحلّية، وتصاعد التوتّر على خلفية تفسير مواقف صدرت عن منظّمات في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي تمّ تفسيرها من قبل بعض المسؤولين اللبنانيين على أنها دعوات إلى توطين اللاجئين السوريين في لبنان.

في 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، أبلغ رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان اعتراضه على مضمون البيان المُشترك الذي صدر في 9 تشرين الأول/أكتوبر عن لجنتي الشؤون الخارجية والميزانية في البرلمان الأوروبي، الذي ورد فيه العبارة التالية: «ضرورة تأمين قدرتهم (اللاجئون السوريون) على الاندماج والتوظيف على المدى الطويل بطريقة متماسكة مع المجتمعات المضيفة». واعتبر الرئيس عون أن «هذا الموقف يتناقض مع الدعوة اللبنانية المتكرّرة لإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم، لا سيّما بعدما استقرّ الوضع في أكثر من 90% من الأراضي السورية وانحسرت المواجهات المُسلّحة في منطقة محدودة جدّاً». وأبلغ رئيس الجمهورية رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي أن «عملية عودة النازحين السوريين من لبنان إلى سوريا مستمرّة وعلى دفعات، وقد بلغ عدد العائدين 390 ألف نازح ولم ترد أي شكوى منهم عن ضغوط تعرّضوا لها بعد عودتهم».37

ردّت بعثة ​الاتحاد الأوروبي​ في ​لبنان، في بيان لها في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2019،​ أن «الاتحاد الأوروبي لم يؤيّد قط توطين ​اللاجئين​ السوريين في لبنان أو دمجهم فيه».38 وقال البيان: «نحن نتفق مع نظرائنا اللبنانيين على أن إقامتهم (اللاجئون السوريون) في لبنان مؤقّتة. كما نعتبر أن عمليات العودة يجب أن تتمّ بقدر ما تكون طوعية وكريمة وآمنة بما يتماشى مع القانون الدولي». ورحّب البيان بما وصفه «التطمينات التي أعطتها ​الحكومة اللبنانية​ باستمرارها بالوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان». وأشار البيان إلى أن الاتحاد الأوروبي «يقرّ أن لبنان قد أبدى حُسن ضيافة استثنائي تجاه الفارين من النزاع في ​سوريا​، وهو يتحمّل عبئاً هائلاً منذ اندلاعه. كما يرى أن لبنان يجب ألّا يتحمّل هذا العبء وحده، إذ تقضي مسؤوليّتنا المشتركة بتلبية احتياجات اللاجئين، مع دعم المجتمعات التي تستضيفهم». ولفت إلى أنه «لهذا السبب، ومن أجل التخفيف من وقع تواجد اللاجئين على ​اقتصاد​ البلاد وبنيتها التحتية، زاد الاتحاد الأوروبي دعمه للبنان بشكل كبير. فنحن نقدّم ​مساعدات​ كبيرة للمجتمعات المحلّية اللبنانية المُتأثّرة بوجود اللاجئين، بما في ذلك توفير الخدمات الأساسية وتحسين البنية التحتية المحلّية والتعليم و​الصحّة». وذكر البيان أن «البرامج التي يموِّلها الاتحاد الأوروبي في لبنان تتمّ بالتشاور مع الحكومة اللبنانية. ولم يتمّ تصميمها لتحفيز بقاء اللاجئين السوريين في لبنان بل لتلبية الاحتياجات الأساسية لجميع الفئات المعوزة. وساهمت مساعداتنا في بناء مراكز رعاية صحّية جديدة وتحسين الوصول إلى الخدمات الصحّية الأساسية للمحتاجين من اللبنانيين والسوريين على السواء. كما ساهمت في تحسين ​البنى التحتية​ وجودة التعليم الذي توفرّه ​المدارس الرسمية​ اللبنانية، وكذلك في تحسين العديد من أنواع البنى التحتية الأخرى مثل معالجة ​مياه الصرف الصحّي، علماً أنها جميعها ستُفيد اللبنانيين وستبقى قائمة بعد انتهاء النزاع السوري». وقال بيان البعثة إن «قيمة مساعدات الاتحاد الأوروبي بلغت 1.8 مليار يورو منذ العام 2011».

لاجئون أم مهاجرون اقتصاديون؟

قامت سياسة الحكومة منذ البداية على انتزاع إقرار بصفة «النازحين» لا «اللاجئين» بالنسبة للسوريين الهاربين من الحرب إلى لبنان، ولكنها، في المقابل، سعت إلى انتزاع برامج تدخّل وتمويل من المنظّمات الدولية للتعامل معهم كلاجئين كما هم مُعرّفين في الاتفاقيات الدولية التي لا يريد لبنان الالتزام بها.

فاقم الأزمة وارتفاع الحاجات التمويلية نقل المقاربة الحكومية من الالتزام بعدم اتخاذ إجراءات تعسّفية ضدّ اللاجئين في مقابل الحصول على التعويضات، إلى التهديد بإغراق الدول الأخرى باللاجئين في حال عدم دفع التعويضاتلم تصادق الدولة اللبنانية على اتفاقية العام 1954 وبروتوكول العام 1967 المُتعلقين بوضع اللاجئين. إلّا أن المفوّضية السامية لشؤون اللاجئين كان لها وجود في لبنان منذ العام 1963. حاولت المفوّضية إضفاء الطابع الرسمي على العلاقة مع الحكومة، ووقّعت مع المديرية العامة للأمن العام مذكّرة تفاهم في العام 2003. تعرّضت هذه المذكّرة لانتقادات شديدة من قبل حقوقيين كونها تتبنّى وجهة النظر اللبنانية التي تعتبر اللاجئين تهديدات أمنية ولا تلتزم بالمعايير الرئيسية لحماية اللاجئين من الإعادة القسرية. نشأت خلافات عدّة في تفسير مذكّرة التفاهم وحاولت المفوضية أن تتفاوض مع الحكومة اللبنانية على مذكرة تفاهم جديدة، إلّا أن آخر محاولاتها في العام 2016 مُنِيت بالفشل، إذ رفضت الحكومة الاقتراح المُقدّم من المفوضية لأنه «أقرب إلى اتفاقية اللاجئين لعام 1951» ويمنح الكثير من السوريين وضعية اللاجئين مع ما يترتّب على ذلك من ضمانات بعدم الترحيل القسري وحقّ الإقامة والعمل.

لا تعترف الحكومة اللبنانية أن كل السوريين الذين دخلوا إلى لبنان هم لاجئين، وتدّعي أن الكثير منهم مهاجرون اقتصاديون، ولذلك سعت دائماً إلى إنشاء آليّة مُشتركة مع مفوّضية اللاجئين لتسجيل اللاجئين السوريين، إلّا أن المخاوف بقيت مُسيطرة في ظل ميل واضح لدى السلطات اللبنانية لتصنيف المزيد من اللاجئين كمهاجرين باحثين عن عمل، وهذا ما عكسه تطوّر الإحصاءات، فمنذ العام 2015 بدأت أعداد اللاجئين المُسجّلين تنخفض في مقابل زيادة عدد الذين يضطرون للحصول على إجازات عمل مع كفلاء لبنانيين. وتبيِّن التقارير والتحقيقات الصحافية أن تشديد إجراءات التسجيل كلاجئين وصعوبة الحصول على «بطاقة لاجئ»، دفع بالمزيد منهم لتأمين الإقامة كمهاجرين اقتصاديين.

لم توضح الحكومة مبرّراتها لتصنيف المزيد من اللاجئين كعمّال أجانب، وليس هناك أدلّة تدعم الحجّة التي تقول إن هكذا إجراءات تساهم في تخفيف التوتّرات الاجتماعية والسياسية بين اللبنانيين، لأن لبنان منذ زمن طويل يستضيف الكثير من العمّال السوريين، وكان ذلك مصدراً للتوترات الدائمة. كذلك هناك حجّة تبدو أكثر قبولاً للبعض تقول إن «المهاجر السوري» أقل تهديداً من «اللاجئ السوري» على النسيج الاجتماعي في لبنان، وأن إدارة تدفّقات المهاجرين الاقتصاديين وضبطها أسهل من إدارة اللاجئين وضبطهم.

على الرغم من أن هذا التصنيف بين «لاجئ» و«مهاجر» يستغرق الكثير من جهود الحكومة والمفوضية، لأسباب سياسية غالباً تتعلّق بالبنية الاجتماعية والديمغرافية والطائفية في لبنان، إلّا أنه عبّر عن تسوية مقبولة من الطرفين، فالحكومة اللبنانية تزيد عدد المهاجرين الاقتصاديين السوريين والمفوّضية تخفض عدد اللاجئين السوريين، لكن الجميع يبقون في لبنان!39

ساهمت عمليّات المفوضية في لبنان بملء فراغ كبير، إلّا أنها لا تزال تتعرّض لانتقادات كثيرة بسبب عدم تحديد التفويض القانوني لعملها في لبنان، وهو ما جعلها عرضة بشكل متزايد للتدخل الحكومي في عمليّاتها، وجعل وضع اللاجئين في لبنان أكثر تعقيداً في ظل أنظمة وقوانين وسياسات متباينة يجري تطبيقها على المستويين المحلّي والدولي. 

تحييد اللاجئين أم إشراكهم؟

بلغت الأزمة الداخلية في لبنان ذروة جديدة منذ العام 2019، ولم يعد ممكناً طمسها بإثارة الأساطير السلبية حول أثر اللاجئين إلى لبنان. في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، اندلعت الانتفاضة الشعبية وعبّرت عن سخط الناس على «السياسيين الفاسدين والمصرفيين»، ووجهت اتهامات إليهم بدفع البلاد إلى الانهيار الاقتصادي والمالي.

التحريض العنصري، وهي الطريقة التقليدية للتنصّل من المسؤوليّة وإلقاء السبب على «متطفّل خارجي» وتقديمه كتهديد للمجتمع، كعنصر مُضاد له، فائض زائدفي ظل تفاقم الأزمة في لبنان، نزل ألوف الناس إلى الشارع رافضين استمرار ما يصفوها بصفة «الطبقة السياسية»، إلّا أن السخط الذي جرى التعبير عنه كان موجّهاً مباشرة إلى ما يمكن وصفه بـ«الأوليغارشية المالية» التي يزداد الإقرار بمسؤوليّتها عن انهيار سعر الصرف الثابت والسطو على الودائع وفقدان الثقة بالنظام كلّه.

في بداية الأزمة، تراجع الاهتمام بقضايا اللاجئين السوريين، ولم ترفع الانتفاضة الشعبية مطالب تخصّهم. جرت محاولات من جانب مجموعات ذات ميول «يمينية» لإثارة مسألة اللاجئين، إلّا أن هذه المحاولات بقيت هامشية ولم تلقَ أي صدى وظهرت معزولة بالكامل عن سير الانتفاضة ومواقف مكوِّناتها التي بقيت تركّز على فشل النظام السياسي وعجزه وفساد السلطة وتسبّبها بالأزمة الاقتصادية والاجتماعية القائمة. ولكن، بعد فشل الانتفاضة واستعادة زمام السيطرة من القوى السياسية والاقتصادية، عاد الخطاب التحريضي ضدّ اللاجئين، واشتغلت مجدّداً ماكينات إثارة النزاعات بين المجتمعات المضيفة واللاجئين، التي تؤدّي غرضها بحرف الأنظار عمّا يحصل. 

يُعتبر لبنان أكبر مضيف للاجئين نسبة إلى عدد سكّانه. ولديه تاريخ طويل مع قضايا اللجوء لم يجر حسمها بشكل نهائي، وبقيت تثير التوتّرات بين مكوِّنات المجتمع. ففي الوقت نفسه، يوجد مئات الآلاف من اللبنانيين أو من أصول لبنانية مهاجرين في أصقاع العالم، ويوجد مئات آلاف المهاجرين إلى لبنان، من موجات اللجوء القديمة في ظل السلطنة العثمانية، إلى لجوء أجزاء من البرجوازية الفلسطينية والسورية والمصرية والعراقية في النصف الأول من القرن العشرين، وصولاً إلى تدفّق عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين والسوريين والعراقيين والسودانيين والعمّال المهاجرين من بلدان فقيرة في أفريقيا وآسيا.

بسبب موقع لبنان الجيوسياسي، وتاريخه الخاص، وتوازناته الاجتماعية والطائفية، والخصائص الثقافية لبرجوازيته، كان هذا البلد منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر إحدى النقاط الرئيسة لاختراق البلدان الرأسمالية الصناعية لاقتصاد المشرق العربي، ومن خلال هذا الاختراق تكوَّنت البنى الاجتماعية والاقتصادية بانفتاح واسع على تدفّقات الهجرة في الاتجاهين.40 فهل لا تزال هذه السمة، أي الانفتاح على تدفّقات الهجرة، هي التي تصلح للنظر في مسألة اللاجئين السوريين إلى لبنان؟

يطرح هذا السؤال إشكاليّات عدّة، فمن ناحية يحتاج تمويل النموذج الاقتصادي اللبناني إلى تشجيع هجرة اللبنانيين إلى الخارج للحصول على تحويلاتهم بالعملات الصعبة والتخفيف من ضغوط البطالة والتعويض عن عجز الاقتصاد الحقيقي عن خلق الدخول وفرص العمل الكافية والملائمة للطلب، ومن ناحية أخرى تعتمد النشاطات في قطاعات البناء والزراعة والسياحة والخدمات البسيطة على عمالة متدنية الأجر يتمّ توفيرها عبر العمّال المهاجرين إلى لبنان من بلدان أفقر منه. ولكن الأزمة تعصف اليوم بهذا النموذج تحديداً، باعتراف الجميع تقريباً، وبالتالي بات الاقتصاد اللبناني يعاني من هذه المفارقة تحديداً.

هل تندرج مسألة اللاجئين السوريين في هذا السياق؟ أي أن التخبّط في المقاربات الحكومية مصدره أزمة النموذج الاقتصادي، أم أن الفشل في إدارة التوافق على مقاربة موحّدة تُجسّد سياسة الدولة سببه النزاعات الإقليمية والدولية وتوزّع ولاءات الأطراف المحلّية بين المحاور المُهيمنة على هذه النزاعات؟

لا يعني إنكار وجود الأزمة أنها لم تعد موجودة. تتفق أكثرية الأبحاث والآراء على أن سياسات الدولة قامت تاريخياً على أساس «اللاسياسة» وعقلية «الدولة المُستأجرة» و«الابتزاز» و«بيع الولاءات»، ما أفسح في المجال دائماً لتحكّم مصالح سياسية واقتصادية، محلّية وخارجية، على حساب المصالح العامّة وعمّق أزمة المجتمع اللبناني ونظامه السياسي وبنية اقتصاده. وهذا يجد أمثلة كثيرة له على صعيد إدارة الهجرة واللجوء في لبنان.

يُعتبر لبنان أكبر مضيف للاجئين نسبة إلى عدد سكّانه. ولديه تاريخ طويل مع قضايا اللجوء لم يجر حسمها بشكل نهائي، وبقيت تثير التوتّرات بين مكوِّنات المجتمعإنطلاقاً من ذلك، يصبح طرح الإشكاليّات في هذا السياق غير محصور بمسألة اللاجئين السوريين والمواقف المُتناقضة منها، بل يشمل إلى حدّ كبير طبيعة الدولة اللبنانية والنظام السياسي وبنية الاقتصاد والمجتمع، أو على الأقل هذا ما عبّر عنه قسم مهمّ من اللبنانيات واللبنانيين الذين نزلوا إلى الشوارع والساحات في 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019.

يطالب الناس بما يسمّوه «الدولة المدنية»، وهم يقصدون غالباً نظاماً سياسياً لا يقوم على المحاصصة الطائفية، ومؤسّسات دستورية غير خاضعة لمصالح «القلّة»، ورقابة قضائية وإدارية تحدّ من الفساد وصرف النفوذ وتجرّمهما، وقوانين تكرّس المساواة بين المواطنين والمواطنات من دون أي تمييز أو تفرقة، ولا سيما على صعيد الأحوال الشخصية، وآليّات أكثر عدالة لإعادة توزيع الثروة والدخل وتخفيف حدّة التفاوتات بين الفئات الاجتماعية والمناطق والقطاعات الاقتصادية والمهنية. إن التصوّر العام للدولة التي طالبت بها الانتفاضة الشعبية، لا يترك قضايا اللجوء والهجرة عالقة، بل يضعها في صلب الانشغالات، فالإصرار على رفض توطين اللاجئين الفلسطينيين والسوريين والدفاع عن حقّ جميع اللاجئين بالعودة إلى ديارهم، لا يجب أن يتعارضا مع الاحترام الواسع لمبادئ العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان والمساواة، كما لا يجب أن يخرج من سياق حشد الإمكانات والموارد للخروج من الأزمة القائمة ووضعها في خدمة الرفاهية والتقدّم والعدالة.

هذا المقال أعدَّ في الأصل كورقة خلفية، في إطار دراسة أعدَّها الاقتصادي غسان ديبة، تحت عنوان  «تأثير الأزمة السورية على لبنان: الاقتصاد وسوق العمل والنواحي الاجتماعية»، ونشرتها «مبادرة المساحة المشتركة» في العام 2020
 

  • 1قدّمت الحكومة بيانها الوزاري إلى مجلس النواب في 19/3/2014.
  • 2تلبية للدعوة التي وجّهها رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة ميشال سليمان، انعقدت هيئة الحوار الوطني يوم الإثنين بتاريخ 11/6/2012 في مقرّ رئاسة الجمهوريّة في بعبدا، وصدر عنها بيان باسم «إعلان بعبدا» يتألّف من 17 بنداً.
  • 3«هيئة الحوار الوطني اللبناني» هي هيئة غير دستورية، دعا إليها رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وضمّت قادة المجموعات الحزبية والطائفية المُمثّلة في مجلس النواب، بهدف البحث في استراتيجية وطنية موحّدة للدفاع عن لبنان في وجه التهديدات الخارجية.
  • 4ادّعى مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية في لبنان القاضي صقر صقر في أيار/ مايو 2012 على 21 شخصاً في قضية سفينة الأسلحة «لطف الله 2»، التي ضُبِطت قبالة الساحل الشمالي للبنان وهي تحاول تهريب الأسلحة إلى سوريا.
  • 5يحتفل لبنان بعيد المقاومة والتحرير في 25 أيار/ مايو من كلّ عام، وهو تاريخ انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي في العام 2000 من الأراضي اللبنانية التي يحتلّها، ما عدا مزارع شبعا وتلال كفرشوبا في الجنوب.
  • 6خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خلال المهرجان المركزي الذي أقامه حزب الله في بلدة مشغرة في البقاع الغربي في 27 أيار/ مايو 2013.
  • 7مهى يحيَ وجان قصير وخليل الحريري، «أصوات مُهمّشة: ما يحتاجه اللاجئون السوريون للعودة إلى الوطن»ـ مركز كارنيغي للشرق الأوسط.
  • 8ناصر ياسين، «نحو استراتيجيّة وطنيّة متعدّدة الجوانب لمعالجة قضيّة اللّجوء السوري في لبنان»، معهد عصام فارس للسياسات العامّة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت، 4/1/2019.
  • 9مهى يحيَ وجان قصير وخليل الحريري، المصدر السابق.
  • 10Carmen Geha and Joumana Talhouk, «From Recipients of Aid to Shapers of Policies: Conceptualizing Government–United Nations Relations during the Syrian Refugee Crisis in Lebanon», 26 September 2018
  • 11شعبة السكان التابعة للأمم المتّحدة، التوقّعات السكانية العالمية
  • 12البنك الدولي: المرصد الاقتصادي، خريف 2018، والآفاق الاقتصادية، تشرين الأول/ أكتوبر 2019.
  • 13تصريح لرئيس الجمهورية ميشال عون أثناء زيارة رسمية إلى روسيا في 26/3/2019.
  • 14ساروج كومار جاه، المدير الإقليمي للبنك الدولي، بعد اجتماع مع رئيس الجمهورية ميشال عون، 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2019.
  • 15ناصر ياسين، المصدر السابق.
  • 16وزارة المال، مشروع قانون الموازنة العامة والموازنات الملحقة للعام 2020.
  • 17كريم المفتي، «الاستجابة الرسمية لأزمة اللاجئين السوريين في لبنان: السياسة الكارثية لعدم وجود سياسة»، مركز معرفة المجتمع المدني (دعم لبنان)، 2014-01-01
  • 18ألبر داغر، «أزمة بناء الدولة في لبنان»، دار الطليعة.
  • 19جورج قرم، «نظرة بديلة إلى مشكلات لبنان السياسية والاقتصادية»، دار الفارابي.
  • 20ألبر داغر، المصدر السابق.
  • 21Carmen Geha and Joumana Talhouk «From Recipients of Aid to Shapers of Policies: Conceptualizing Government–United Nations Relations during the Syrian Refugee Crisis in Lebanon», 26 September 2018
  • 22رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، حفل إطلاق «التقرير السادس لخطّة الحكومة اللبنانية لمعالجة تداعيات الأزمة السورية»، 16/12/2013.
  • 23مفهوم الدولة المُستأجرة في تعاملها مع اللجوء طُرِح في: جيراسيموس تسوراباس، «أزمة اللاجئين السوريين واتخاذ القرارات المُتعلّقة بالسياسة الخارجية في الأردن ولبنان وتركيا»، مجلّة دراسات الأمن العالمي، المُجلّد 4، العدد 4، تشرين الأول/ أكتوبر 2019، الصفحات 464 إلى 481، https://doi.org/10.1093/jogss/ogz016
  • 24البنك الدولي، تقييم تداعيات الأزمة السورية على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في لبنان، أيلول/سبتمبر 2013.
  • 25غسان ديبة، «أزمة الرأسمالية اللبنانية: استغلال اللجوء السوري»، الأخبار، 6 نيسان/أبريل 2017.
  • 26وثيقة الحكومة اللبنانية إلى اجتماع سيدر في باريس تحت عنوان «رؤية الحكومة اللبنانية للاستقرار والنمو وفرص العمل».
  • 27إحصاءات مصرف لبنان، صافي الأصول الأجنبية لدى مصرف لبنان والمصارف التجارية.
  • 28البنك الدولي: لبنان في خضم صعوبات اقتصادية ومالية واجتماعية، وقد يزداد الأمر سوءاً، 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2019.
  • 29جيراسيموس تسوراباس، «أزمة اللاجئين السوريين واتخاذ القرارات المتعلّقة بالسياسة الخارجية في الأردن ولبنان وتركيا»، مجلة دراسات الأمن العالمي، المجلّد 4، العدد 4، تشرين الأول/أكتوبر 2019.
  • 30سعد الحريري، رئيس الحكومة اللبنانية، رويترز، 31 آذار/ مارس 2017.
  • 31جيراسيموس تسوراباس، المصدر السابق.
  • 32نزار صاغية وغيدة فرنجية، «أهم ملامح السياسة اللبنانية في قضية اللجوء السوري: من سياسة النعامة إلى السلطة الناعمة»، المفكرة القانونية، 9/12/2014.
  • 33برنامج الأمم المتّحدة الإنمائي في لبنان، الاستجابة للأزمة السورية.
  • 34سلافوي جيجك، سنة الأحلام الخطيرة.
  • 35بسام خواجا، «لا مجال للبحث في حقوق اللاجئين في لبنان»، هيومان رايتس ووتش، 4/7/2019.
  • 36ردينة البعلبكي، «حول المبادرة الروسية لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم»، معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت، آب/أغسطس 2018.
  • 37بيان منشور في الوكالة الوطنية للإعلام بعد اجتماع رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون مع رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان السفير رالف طراف، 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2019.
  • 38بيان صادر عن بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان، 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2019.
  • 39Maja Janmyr, «UNHCR and the Syrian refugee response: negotiating status and registration in Lebanon», 17 Nov 2017.
  • 40سليم نصر، «سوسيولوجيا الحرب في لبنان: أطراف الصراع الاجتماعي والاقتصادي (1970-1990)»، دار النهار.