كاتم صوت بتريليون دولار : أيكتم للأبد؟

  • مراجعة لكتاب جون رولفس «كاتم صوت بتريليون دولار: ما سبب ضعف مناهضة الحرب في الولايات المتحدة»، الذي يُقدِّم صورة بانورامية لمدى اختراق المؤسّسة العسكرية الأميركية لجميع جوانب الحياة المدنية الأميركية وتشابكها مع الاقتصاد المحلي والمجتمع المدني.

في لحظة من الصراحة، كتب الصحافي توماس فريدمان، الحائز على جائزة بوليتزر ثلاث مرات، وأحد أنصار العولمة، يقول:

«لن تنجح اليد الخفية للسوق من دون قبضة خفية – شركة ماكدونالدز ليس بمقدورها الازدهار من دون شركة ماكدونيل دوغلاس، صانعة F-15. والقبضة الخفية التي تحافظ على أمن تقنيات وادي السيليكون تسمى جيش الولايات المتحدة والقوات الجوية والبحرية ومشاة البحرية».

كتب فريدمان، وهو الداعم المتحمّس لحروب الولايات المتّحدة في الخارج، ما كتب في العام 1999 والقوات الجوية الأميركية تمطر يوغوسلافيا بالقنابل لإنهاء «المأساة الإنسانية» في كوسوفو. وختم فريدمان مقالته الطويلة والمطوّلة بحثّ أبناء بلده على تحمل كلفة العبء النبيل الذي ألقاه التاريخ على كاهل «أميركا»: «أميركا هي بالفعل القوة العظمى الوحيدة الحميدة والمنفِّذ المتردّد».

يسود اعتقاد بين الأميركيين مفاده أنّ الولايات المتحدة، بحكم أنّها القوة العظمى العالمية الوحيدة، كُتِب عليها لجم الإرهاب ونشر الديمقراطية. وتحوّلت السردية عن الحروب إلى صورة عن الرفاقية والبطولة والقيم العليا

يدرك العالم خارج الولايات المتحدة كيف يُستخدَم الجيش الأميركي العرمرم لإقحام جميع أشكال الـ«ماكدونالدز»، أي المصالح الاقتصادية الإمبريالية الأميركية، في حلق البلدان والشعوب في جميع أنحاء العالم، ويحدث ذلك في الغالب باسم المُثُل النبيلة، كالـ«ديمقراطية» و«حقوق الإنسان» والحفاظ على العالم آمناً من «أسلحة الدمار الشامل»، وما شاكَل. ظل هذا الحال لعقود من الزمن، إلّا أنّه اشتد إبان العقود الثلاثة الماضية، بدءاً من حرب الخليج في 1991، ومروراً بالحروب اللاحقة في كوسوفو وأفغانستان والعراق وليبيا وسوريا، وأخيراً الحرب المستمرّة في أوروبا الشرقية. لذا، فإنّ بقية العالم مُجبر على قبول الهيمنة الأميركية تحت تهديد السلاح.

إنّما كيف يقدر النظام الحاكم في الولايات المتّحدة على تسويغ ميزانية عسكرية سنوية تبلغ تريليون دولار لشعبه؟ كتابٌ جديد لعالمة السياسة الأميركية جون رولفس، بعنوان استفزازي «كاتم صوت بتريليون دولار: ما سبب ضعف مناهضة الحرب في الولايات المتّحدة» (منشورات كلاريتي، 2023)، يُقدِّم صورة بانورامية لمدى اختراق المؤسّسة العسكرية الأميركية وتشابكها مع الاقتصاد المحلي والمجتمع المدني.

يبدو أن طريقة حصول الطبقات الحاكمة على الموافقة من دون اللجوء إلى القوة أو التهديد بها موضوع بحث مستمر للمؤلفة. في كتابٍ سابق لها، بعنوان «المؤسّسات والسياسة العامة: قناع التعدّدية»، جادلت رولفس بأن المؤسّسات (مثل مؤسّسات فورد أو روكفلر أو غيتس) تمارس دوراً مهماً في الحفاظ على الهيمنة الاجتماعية والسياسية للطبقات الحاكمة. وفي هذا الكتاب الجديد، وضعت مهمّة أكثر طموحاً: الكشف عن الاختراق العميق والمعقّد للمجمع الصناعي العسكري في جميع جوانب الحياة المدنية الأميركية والاقتصاد المحلي، بما في ذلك التعليم والصحّة والتوظيف والبيئة والاحتجاجات وحقوق الإنسان والأدب والفن والمنظّمات غير الحكومية والأوساط العلمية، إلخ.

تورِد المؤلّفة وتستشهد بالعديد من الأعمال البحثية التي تركّز على الإجراءات التقليدية المستخدمة من الحكّام لقمع المعارضة بين الناس، بما فيها البروباغندا المكثفة، ونشر الخوف من انتقام الدولة والمجتمع، وحالات الاضطراب الشديدة كالوباء الحالي. بيد أنّ العمل الذي بين أيدينا يقصُر نفسه على استراتيجيات النظام الحاكم وتكتيكاته التي تحث الناس على الاعتقاد بأنّ لهم مصلحة كبيرة في النظام وسياساته. وعلى حدّ تعبير المؤلّفة، «في حين أن الكثير يرجع إلى البروباغندا والخوف والتشتيت، فإن هذا الكتاب سيركّز على المصالح التي خلقها الاختراق العسكري للمجتمع المدني والاقتصاد المحلي» (ص.4).

يمتد الكتاب على سبعة فصول قصيرة تصف بدقة «شبكةً متداخلة من المنظمات والإدارات والوكالات والمجالس والشراكات بين الحكومة والصناعة والجامعات والمنظّمات غير الربحية» (ص. 16).

يعد هذا الكتاب الصغير والمباشر شهادةً على الجهد الهائل لمؤلفته في تجميع كمّيات ضخمة من المعلومات والبيانات عن هذه المسألة. والأمر الأكثر مدعاة إلى الإعجاب اعتماده بالكامل على بيانات مفتوحة المصدر ومعلومات متاحة للجمهور. وهذا أمر مشجّع، لا سيما للباحثين والناشطين والمواطنين المعنيين الذين يتطلعون إلى فهم النظام بطريقة نقدية، لأنّه يؤكّد حقيقة أنه لا يزال من الممكن القيام بالكثير على الرغم من حواجز السرّية التي يفرضها النظام الحاكم، وعدم الوصول إلى مصادر البيانات المهمة.

الحجّة الرئيسة في الكتاب

تشكّل النفقات العسكرية عبئاً على الاقتصاد المحلي، لأنّها تحول الأموال العامة المحصَّلة من دافعي الضرائب بعيداً من القطاعات الأساسية كالتعليم والصحّة والتوظيف والثقافة والفن والبنية التحتية. وهذا العبء كبيرٌ في حالة الولايات المتحدة، حيث إن تعريفها لـ «أمنها القومي» يمتدّ لا إلى حدودها فحسب، بل إلى جميع أنحاء العالم، فلديها 4,800 موقع في 160 دولة (ص. 24). مصدر آخر وجيه للمعارضة الشعبية لميزانية وزارة الدفاع المرتفعة هو النفور الأخلاقي من الحرب والدمار والقتل.

بيد أنَّ اقتصادَ الحرب المتنامي قد أُسكِتت معارضتُه بين شعب الولايات المّتحدة عبر مختلف طبقاته الاجتماعية.

ترى رولفس أن معارضة ما يسمى بالنفقات «المهدرة» على الجيش قد أضعفها التأثير الاقتصادي الهائل للمجمع الصناعي العسكري. لا يني هذا العملاق ينمو، وهو مقاوم للركود ومحصّن ضدّ تقلّبات السوق. ولا يقتصر على أنه يوفر فرص عمل مباشرة بأجر جيد لملايين البشر فحسب، بل إنّ «تأثير المضاعف» الاقتصادي للإنفاق العسكري هائل. إذ يطال القواعد والمنشآت العسكرية، والشركات والمتعاقدين والمتعاقدين من الباطن، ولغاية الاقتصادات الوطنية والمحلية. ويمتد العمل الخيري العسكري إلى العديد من المنظّمات والمؤسّسات الداعمة للفنون والبيئة وحقوق الإنسان والرعاية الصحية ورعاية المعوّقين والمؤسّسات التعليمية والمنظّمات السياسية. ويركز بوجه خاص على الشباب والأقليات. وتستفيد منه الحكومات المحلّية بتعزيز عائدات الضرائب التي تدعم الخدمات الاجتماعية والتعليم والبنية التحتية والثقافة. يشكّل الإنفاق العسكري نحو 10% من الإنفاق الحكومي في الولايات المّتحدة، إلّا أنّه يمثّل أكثر من نصف الميزانية الاستنسابية للحكومة الفيدرالية.

يعمل في وزارة الدفاع 2.91 مليون شخص بين عسكري ومدني في 4,800 موقع في أكثر من 160 دولة في العالم. تشمل القوّات العسكرية الجيش والبحرية ومشاة البحرية والقوات الجوية وقوة الفضاء

بعبارة أخرى، وضع المجمع الصناعي العسكري يده عملياً على مساحة واسعة من مسؤولية الدولة. وهو غير مكبّل بقيود المساءلة أمام المواطنين أو حالات عدم اليقين السوقية. اكتسب هذا الترتيب شرعية أكبر بفعل الانخفاض الحاد في التمويل الحكومي للقطاع الاجتماعي. وكما أوجزتها المؤلفة:

«إنّ الخدمات الاجتماعية والفنون والتعليم المخصخصة وضعيفة التمويل تستفيد على هذا النحو من الميزانية الفيدرالية بطريقة غير مباشرة، مع ما يرافق هذا من قيود وشعارات» (ص. 12).

ونظراً لهذا الزخم الاقتصادي الهائل، ترى رولفس أن أي تأنيب ضمير إزاء الإنفاق العسكري والحرب يمكن تسكينه بسهولة. على أي حال، يسود اعتقاد بين الأميركيين مفاده أنّ الولايات المتحدة، بحكم أنّها القوة العظمى العالمية الوحيدة، كُتِب عليها لجم «الإرهاب» وتحقيق «الأمن» ونشر «الديمقراطية في جميع أنحاء العالم». علاوة على ذلك، كما تشير المؤلفة، تحوّلت السردية عن الحروب من القتل والدمار الحتميين إلى الرفاقية والبطولة والقيم العليا.

أتى الكتاب في مقدمة وستة فصول تغطّي تغلغل المجمع الصناعي العسكري الشركاتي في مختلف جوانب الاقتصاد المحلّي والمجتمع والاعتماد المتبادل بينهما، مع تقديم الرسوم التوضيحية والحالات. والفصل الأخير، وعنوانه «ما العمل»، حمل مجموعة من الاقتراحات والإجراءات السياسية من المؤلّفة «لكسر الصمت» وتفكيك التحالف المتشابك. في الفقرات التالية، أحاول التقاط جوهر توصيفات المؤلّفة في الفصول من الأول إلى السادس، مع الحفاظ على تسلسل الكتاب وعناوين فصوله. وفي الختام، أحاول الاشتباك مع الفصل الأخير البالغ الأهمّية وأفكاري العامة عن هذا العمل المهم.

الفصل الأول: المؤسّسة العسكرية

يعمل في وزارة الدفاع، بحسب الكتاب، 2.91 مليون شخص بين عسكري ومدني في 4,800 موقع في أكثر من 160 دولة في العالم. تشمل القوّات العسكرية الجيش والبحرية ومشاة البحرية والقوات الجوية وقوة الفضاء. وينقسم العالم عند الجيش الأميركي إلى «قيادات». تضم قيادة العمليات الخاصة الأميركية (USSOCOM) زهاء 70 ألف عسكري عامل (من جميع القوّات)، والحرس الوطني، وأفراد الاحتياط، ومدنيي وزارة الدفاع. تُنشَر قوات الحرس الوطني عادةً إبان الكوارث المناخية والكوارث الأخرى، وحالات الطوارئ الصحية، وبرامج التطعيم (ص. 24-25).

لدى وزارة الدفاع حوالى 950 ألف موظّف مدني، يعملون في 675 مهنة مختلفة، ويخدمون في جميع أنحاء العالم (ص. 25). وتشارك المجموعة الأكبر من المدنيين في عمليات الاستحواذ والاستخبارات وبرامج الفضاء الإلكتروني. والجدير بالذكر أنّه يمكن لوزارة الدفاع، في برنامج بدأته في العام 2009، نشر المدنيين في مناطق الحرب أيضاً «لمواجهة التحدّيات العالمية المستقبلية» (ص. 31). يجري توظيف العمّال المدنيين بفرص تدريبية في أكثر من 750 مجالاً وظيفياً (ص. 32).

تعد المواقع العسكرية الأميركية من بين أخبث وأخطر تركات البنتاغون. فهي مليئة ببقايا سامة من القنابل والذخائر غير المنفجرة والنفايات الخطرة المدفونة ووقود الصواريخ

وتجدر الإشارة إلى أنّ الجزء الأكبر من عمل وزارة الدفاع لا يؤدّيه عسكريوها أو موظّفوها المدنيون، بل تؤدّيه جهات خارجية تتعاقد معها الوزارة. ويبلغ عدد الموظّفين المتعاقدين مع وزارة الدفاع ثلاثة أضعاف عدد موظّفيها المدنيين المباشرين، في مجموعة كاملة من الوظائف بما فيها الغذاء والملابس والنقل والبناء والتحليل الاستخباري والأمن السيبراني والتجنيد وتدريب الجيوش الأجنبية.

ولا تقتصر المهمة العسكرية على المواطنين الأميركيين، بل تشمل برامج التدريب العسكري الأجنبي وبرنامج التمويل العسكري الأجنبي لشراء الأسلحة ودعم التدريب. ويشير تقرير صدر في العام 2019 إلى أنّ «زهاء 71,450 طالباً من 157 دولة شاركوا في التدريب الذي بلغت كلفته الإجمالية قرابة 904.7 مليون دولار» (ص. 34). وبلغ تمويل برامج التواصل الخارجي هذه 3.8 مليار دولار في العام 2021.

الفصل الثاني: القواعد والمنشآت

يوجد 4,160 موقعاً وقاعدة عسكرية بالمجمل في الأراضي الأميركية نفسها إلى جانب القواعد في جميع أنحاء العالم. والعديد منها بحجم مدن، بل إنّها بممارسة القصف الجوي ونطاقات التدريب توسّع من مدى تغطيتها بأكثر من ذلك. تشكّل هذه القواعد المحاور الاقتصادية في مناطقها، ولا يقتصر تأثيرها على الاقتصاد بل يشمل البيئة الطبيعية في المنطقة أيضاً.

تعد المواقع العسكرية الأميركية، البالغ مساحتها الإجمالية أكثر من 50 مليون فدان، من بين أخبث وأخطر تركات البنتاغون. فهي مليئة ببقايا سامة من القنابل والذخائر غير المنفجرة والنفايات الخطرة المدفونة وخزّانات الوقود والحفر المليئة بالحطام والأكوام المحترقة، ونعم، وقود الصواريخ (ص. 50).

حدّد الجيش الأميركي، في منطق مقلوب تماماً، تهديدين من طبيعة «اعتداء مدني» يؤثران في عمليات قواعده: 1) الاستخدامات غير المتوافقة للأراضي، بينها الأضواء الآتية من الوحدات السكنية والتجارية، والقيود المفروضة على إنتاج الجيش للدخان والضوضاء والغبار؛ و2) القوانين البيئية المتعلقة بالأراضي وتحمي الأنواع المهّددة بالانقراض.

يشير تقرير صدر في العام 2019 إلى أنّ «زهاء 71,450 طالباً من 157 دولة شاركوا في التدريب الذي بلغت كلفته الإجمالية قرابة 904.7 مليون دولار» وبلغ تمويل برامج التواصل الخارجي هذه 3.8 مليار دولار في العام 2021

وضعت وزارة الدفاع برنامج الاستعداد وتكامل حماية البيئة لحل هذه التعارضات. ومشروع هذا البرنامج في فورت بينينغ، حيث أعاق وجودُ الأنواع المهدّدة وموائلها التدريبات بالذخيرة الحيّة وغيرها من التدريبات، يجسّد هذا الترتيب المعقّد. ومن الواضح أنّ الجيش الأميركي وشركاءه، بما في ذلك بعض أكبر منظّمات الحفاظ على البيئة كمنظّمة الحفاظ على الطبيعة (TNC)، يستعيدان الموائل ويقدِّمان الأراضي المجاورة للمشترين الذين سيستخدمونها لأغراض الترفيه. حصلت TNC على أكبر قدر من تمويل وزارة الدفاع، بما فيه منحتين من فورت بينينغ وحدها بقيمة تزيد عن 66 مليون دولار. وحصلت على منحة أخرى بقيمة 20 مليون دولار من فورت سام هيوستن، تكساس.

الفكرة هنا أنّه على الرغم من كون بعض من عمليات الحفاظ على البيئة تتم من خلال هذا التمويل، فإن هذا الترتيب يُسكِت المنظمات المدنية المرتبطة مع الجيش اقتصادياً ومعنوياً، ويُصدِّر بالتوازي صورة إلى الرأي العام مؤداها أنّ الجيش ليس واعياً بالبيئة فحسب، بل سبّاق إلى الحفاظ عليها أيضاً.

إن التأثير البيئي في الأرض والمياه والجو والفضاء الخارجي للقواعد العسكرية الأميركية الضخمة والمتوسّعة باستمرار هائل لدرجة لم يعد من الممكن معالجته، مهما كانت جهود المعالجة صادقة. ومن خلال الأمثلة المقنعة، تؤكّد المؤلفة أنّ «التدمير أصبح وسيلة إلهاء، وبات العلاج صناعة واسعة ومربحة في حد ذاته». بعبارة أخرى، يجري التعامل مع الدمار البيئي الناجم عن المؤسسة العسكرية معاملة الكارثة الطبيعية تقريباً، وينصبُّ التركيز على علاجها؛ وقد يُجزل الثناء على المؤسسة العسكرية نفسها المسؤول الأول عن الدمار لجهودها في المعالجة. وبطبيعة الحال، توفر هذه الصناعة أموالاً طائلة وفرص عمل أيضاً.

الفصل الثالث: المتعاقدون

قرابة ثلاثة أرباع الميزانية الضخمة لوزارة الدفاع، البالغة 665 مليار دولار، تُدفع للمتعاقدين المشغلين ملايين الأشخاص. هذا بصرف النظر عن 2 مليون موظّف في الخدمة الفعلية والاحتياطية في الجيش الأميركي، و2 مليون آخرين، يمثلون أكثر من ثلثي القوى العاملة الفيدرالية، يعملون في وزارة الدفاع.

ثمّة أسباب عدّة وجيهة تدفع حكومة الولايات المتّحدة إلى تنفيذ العمل عبر متعاقدين، إذ بذلك تفلت من المساءلة أمام الناخبين عن الأخطاء، وتٌضعِف حقوق العمّال وتدابير السلامة، وتفلت من التساؤلات عن العقلانية والاستدامة. والتأثير الاقتصادي الهائل للوظائف التعاقدية على الاقتصادات المحلّية يسكت كل هذه المخاوف.

ولعل من الأسباب المهمّة الأخرى للتعاقد تشجيع المشروعات الخاصة وترسيخ أسطورة فعاليتها ولزوميتها. تُعرّج رولفس على هذه النقطة بإيجاز، ولكن كان بالإمكان إجراء مزيد من البحث في هذه النقطة. تأتي المؤلفة على ذكر تجربة الصفقة الجديدة في ثلاثينيات القرن العشرين، وهي التي كان على الحكومة طرحها للتغلّب على الأزمة الهائلة التي خلقتها رأسمالية السوق الحرّة والشركات الخاصة. وقد شجّعت الصفقة الجديدة (سوِّغت بالاقتصاد الكينزي في وقت لاحق) المشروعات المموّلة من الدولة وإليها وُجِّه العمل غير المستغل لإنتاج السلع العامة. لكن هذه الاستراتيجية سلّطت الضوء أيضاً على عجز النظام الاقتصادي القائم عن توفير فرص العمل الكافية أو إنتاج السلع الأساسية (ص. 65). علاوة على ذلك، فحتى هذا الإنفاق لم يكن كافياً لتحقيق التعافي الكامل، ليعود الاقتصاد إلى الركود مرة أخرى في العام 1937، ما ألقى بظلال الشك مرّة أخرى على قدرة الرأسمالية على التعافي. ووحدها الحرب العالمية الثانية مكّنت اقتصاد الولايات المتّحدة من العمل بكامل طاقته وعمله، وبالتالي الخروج من الأزمة. زادت آثار ما بعد الحرب الطلب على الصناعة الأميركية لمدّة عقدين ونصف العقد بعد ذلك، في ما يُسمّى «العصر الذهبي» للرأسمالية. 

في التاريخ الأميركي لحظات مجيدة نهضت في أثنائها قطاعات عريضة من الأوساط الأكاديمية معارضة العدوان العسكري وسياسات حكومتها. واحدة من الحالات الأكثر استمرارية وحِدّة كانت في خلال حرب فيتنام

الإنتاج العسكري هو الآلة الكينزية المطلقة، حيث ما من حاجة إلى استخدام الأسلحة المنتجة؛ إذ تغدو قديمة دائماً، وتحتاج إلى التحديث والتجديد الدائمين؛ وتؤلّف أكبر الصادرات للولايات المتّحدة. أسفرت المدفوعات الاقتصادية لهذه العملية الضخمة عن مساهمات سخية من الشركات في الحملات الانتخابية، وعن إذعان الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي ودول أخرى في العالم. توفر هذه الشبكة الضخمة من المتعاقدين (أوجدتها وتحافظ على استمراريتها المؤسّسة العسكرية الأميركية) الفرصة لمواصلة إنتاج السلع للطلب المقيَّد وتأمين الوظائف، إلَّا أنها تخفي حقيقة أنّ نظام المؤسّسات الخاصة لا قِبَل له على الاستمرار بلا دعم حكومي ضخم.1

ومن بين أكبر عشرة متعاقدين مع وزارة الدفاع هي كبرى شركات تصنيع الأسلحة، تقف شركة "لوكهيد مارتن" على رأس القائمة، تليها "رايثيون تكنولوجيز" و"جنرال دايناميكس" و"بوينغ"، إلى آخر هذه القائمة. ولكن ما يثير الدهشة أن شركة "هيومانا"، وهي شركة تأمين صحّي ربحية توفر الرعاية لأفراد القوّات المسلّحة والمتقاعدين والمحاربين القدامى، تحتل المرتبة السابعة، متقدّمة على ثلاث من أكبر الشركات المصنّعة للأسلحة في العالم – بي إيه إي سيستمز وإل ثري هاريس تكنولوجيز وجنرال إلكتريك. تذهب مليارات الدولارات إلى المتعاقدين لأغراض التشييد والتكنولوجيا والأمن السيبراني والاستخبارات وتحليل السياسات وما إلى ذلك.

تعد عقود وزارة الدفاع نعمة على الاقتصاد المحلّي، وتتمتّع بأفضل سجلات «التنوّع» و«الشمول»:

  • تعزّز العقود العسكرية أيضاً الاقتصادات المحلّية بدعمها الشركات المدنية الصغيرة والمتوسّطة.
  • لدى وزارة الدفاع أحكام تفضيلية للفئات الأقل حظاً – الملوّنين والمحاربين القدامى ومعاقي الخدمة العسكرية، وما إلى ذلك. في العام 2020، ذهب 45% من عقود الأعمال الصغيرة إلى الشركات المملوكة لتلك الفئات والمملوكة للنساء.
  • تذهب العقود العسكرية لمنظّمات حماية البيئة، وبالتالي احتواء النشاط القاعدي وكبحه فيما يتعلّق بقضايا البيئة والحفاظ عليها.
  • تمنح وزارة الدفاع عقوداً لمنظّمات حقوق الإنسان، بما فيها جمعية العمل العادل التي تمكّنت بنجاح من استباق النشاط «التخريبي» في الجامعات واستيعابه.

ومن المثير للاهتمام أنه حتى الشركات المتعاقدة الكبرى لديها برامج شديدة التنوّع والشمول في عمليّاتها، مماثلة لحكومة الولايات المتّحدة، أو حتى أفضل منها.2  يا له من مجمع صناعي عسكري «صاحي الضمير» يطلق العنان للحرب والإرهاب في العالم الثالث.

الفصل الرابع: الجامعات والمعاهد البحثية في «الخدمة»

قامت  الولايات المتّحدة الأميركية على العنف، وموقف المؤسّسات الأكاديمية من هذا موقف الداعم المتحمس. وكما تكتب المؤلفة:

«كانت العلوم والتكنولوجيا والطب على مر التاريخ في خدمة الجيش، والأخير دعم الأفراد والمؤسّسات المنتجة لهذه المعارف. احتفى علماء الفنون الليبراليين والجامعات الليبرالية، وحتى أولئك الذين لديهم قناعات دينية، بإبادة الشعوب الأصلية وحرب الاستقلال والحرب الأهلية والتوسّع الاستعماري الناتج عن الحرب الإسبانية الأميركية» (ص. 95).

إلّا أن في التاريخ الأميركي لحظات مجيدة نهضت في أثنائها قطاعات عريضة من الأوساط الأكاديمية معارضة العدوان العسكري وسياسات حكومتها. واحدة من الحالات الأكثر استمرارية وحِدّة كانت في خلال حرب فيتنام. ورولفس نفسها اشتركت فيها، وتحديداً في حركة «الاعتصام التثقيفي» لرفع مستوى الوعي بين عامّة السكان عمّا كان يحدث في الحرب (ص. 101).

توزَّع مليارات الدولارات سنوياً على الجامعات للبحث الأكاديمي. ويتلقّى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الحصة الأكبر من هذا التمويل العسكري بمليار دولار سنوياً

أُسكِتت هذه الأصوات الناقدة تدريجياً في جميع الجامعات. والحال أن العديد من الأكاديميين أسكتهم اضطهاد الدولة، إلا أنّ الإجراء الأنجع لإسكاتهم كان الاستقطاب عبر (ص. 103):

  • تحويل تركيز الاحتجاجات من الحرب والإمبراطورية إلى سياسات الهوية بفعل التمويل الضخم للمنظّمات غير الحكومية.
  • توزيع العقود الرائعة على الأقسام ذات التمويل الجيّد، ما أتاح بناء مرافق جديدة وتعيينات بأجور جيدة، وتقديم منح دراسية للطلاب.
  • الترويج وإنتاج الأبحاث والأفكار المتوافقة مع نظام الحكم.
  • إسكات أقسام العلوم الفيزيائية والهندسة والرياضيات والأعمال بتمويلات وزارة الدفاع، وتلك الأقسام لم تكن بذلك الميل إلى انتقاد الحكومة.
  • منح عقود عسكرية لدراسات علم الأحياء وعلم النفس والدراسات البيئية.

وكما نبّه البروفيسور رونالد كريبس: «تسعى الحرية الأكاديمية إلى تحرير العلماء من الرقابة الذاتية، وهذه لا تنجم عن الخوف من العصا فحسب، بل عن إغراء الجزرة أيضاً» (ص. 114).

في العام 2015، جمعت شبكة «فايس نيوز» قائمة بأكثر 100 جامعة على علاقة مع المؤسّسة العسكرية في الولايات المتّحدة. وكان من بينها جامعات مرموقة كجامعة ميريلاند والجامعة العسكرية الأميركية وجامعة فينيكس وجامعة جورج واشنطن وجامعة جورج ماسون وجامعة جونز هوبكنز وغيرها. تقتبس المؤلفة عن الشبكة:

«يتخرّج في هذه الجامعات المئة المذكورة في قائمة «فايس نيوز» العدد الأكبر من الطلّاب الذين يعملون في مجتمع الاستخبارات، ويتمتعون بأوثق العلاقات مع مؤسّسات الأمن القومي، وهم المستفيد الأكبر من الحروب الأميركية» (ص. 104).

توزَّع مليارات الدولارات سنوياً على الجامعات للبحث الأكاديمي. ويتلقّى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الحصة الأكبر من هذا التمويل العسكري بمليار دولار سنوياً. لكن وزارة الدفاع تروم استقطاب الولايات والمناطق «المغبونة» لدعم الباحثين من خلال مبادرة تسمى برنامج الدفاع لتحفيز البحوث التنافسية.

تَدّعي وكالة المشروعات البحثية الدفاعية المتقدّمة أنّها قدّمت مساهمات قيّمة لكل من المؤسّسات العسكرية والمجتمع المدني. فقد أنتجت «قدرات عسكرية متقدّمة من قبيل الأسلحة الدقيقة وتكنولوجيا التخفّي»، فضلاً عن مساهمتها في المجتمع المدني من خلال «الإنترنت والتعرّف الآلي على الصوت وترجمة اللغات وأجهزة تحديد المواقع العالمي الصغيرة بما يكفي لدمجها في عدد لا يحصى من الأجهزة الاستهلاكية» (ص. 109).

في حين أنّ مشروعات الوكالة البحثية سرّية، فقد أنشأت وزارة الدفاع مبادرات مموّلة بسخاء مثل مبادرة مينيرفا للأبحاث، مع مشروعات بحثية غير سرّية، لمواجهة انتقادات السرّية العسكرية. يدأب البرنامج على نشر نتائجه ليس في الدوريات العلمية فحسب، بل أيضاً في المنصّات غير الأكاديمية الشهيرة. تساعد هذه المبادرات على «تطبيع» انتشار الهيمنة العسكرية في المجتمع المدني، بما فيها الأوساط الأكاديمية.

لا يُطلب من مؤسّسات الفكر والرأي الكشف عن الجهات المانحة لها، لكن الباحثين اكتشفوا أنّ أكبر المتعاقدين المستفيدين من الأموال الحكومية العسكرية: مؤسّسة راند والمجلس الأطلسي وصندوق مارشال الألماني

حين سُئِل الحاصلون على المنح عن التحدّيات المرتبطة بإجراء أبحاث (غير سرّية) متصلة بالأمن القومي، ذكر 12% انتقادات من زملائهم الأكاديميين بسبب تمويل وزارة الدفاع، ما يشير إلى أنّ هذه المخاوف ليست منتشرة (ص. 113).

يغطّي البحث الأكاديمي من منظور المؤسّسة العسكرية كل جانب من جوانب المجتمع. ومن ثم تركّز الدراسات المتعلّقة بحماية البيئة واستعادتها على «التهديد» الذي تمثله الأنواع المهدّدة بالانقراض على التدريبات بالذخيرة الحيّة وغيرها من المهام! (ص. 116).

توجد مجموعة أخرى بالغة الأهمّية من المستفيدين من السخاء العسكري ألا وهي مؤسّسات الفكر والرأي، وهذه تضطلع بدور حيوي في السياسة الأميركية عن طريق تأثيرها في السياسات الحكومية والرأي العام. لا يُطلب من مؤسّسات الفكر والرأي الكشف عن الجهات المانحة لها، لكن الباحثين اكتشفوا أنّ أكبر المتعاقدين المستفيدين من الأموال الحكومية العسكرية: مؤسّسة راند والمجلس الأطلسي وصندوق مارشال الألماني التابع للولايات المتّحدة ومجلس العلاقات الخارجية ومؤسّسات بروكينغز ومؤسّسة هيرتاج والقائمة تطول.

ومن الأمثلة الواضحة على النفوذ العسكري أنّ بعضاً من أشهر مؤسّسات تعزيز السلام تموّلها مؤسّسة الدفاع الأميركية.

  • روّجَت مؤسّسة كارنيغي للسلام الدولي، بتمويل من شركات الأسلحة والمتعاقدين العسكريين في مجال تكنولوجيا المعلومات، لـ «التدخل الإنساني» للإطاحة بالحكومات الأجنبية لضمان بقاء الولايات المتّحدة «القوة العسكرية المهيمنة» (ص. 120).
  • أما المعهد الأميركي للسلام، وهو معهد مستقل وغير حزبي، فيبدو أنه مكرّس لفكرة أن عالماً خالياً من الصراعات العنيفة أمر ممكن وعملي وضروري للولايات المتّحدة. ومن المثير للاهتمام أن مجلس إدارة المعهد لعام 2022 المكوّن من 15 عضواً قد ضمّ ثلاثة أعضاء بحكم مناصبهم، وهم وزير الدفاع ووزير الخارجية ورئيس جامعة الدفاع الوطني؛ ونصف الأعضاء الـ 12 الآخرين من مؤسّسة الأمن القومي.
  • كانت مؤسّسة ألبرت أينشتاين، وهي مركز بحثي غير حكومي تحظى بتقدير كبير، عنصراً مهماً في «الثورات الملوّنة»، وعمليات تغيير الأنظمة التي هندستها الولايات المتّحدة.

ومن بين المبادرات الأخرى المرتبطة مباشرة بالجيش الأميركي البرامج والمراكز البحثية التي يرعاها حلف شمال الأطلسي ومعاهد الأمن القومي وغيرها.

الفصل الخامس: المنظّمات الخيرية وغير الربحية

بعيداً من الأوساط الأكاديمية، فإنّ المنظمات الخيرية وغير الربحية، المعروفة عادةً بـ «القطاع الثالث»، بذلت قصارى جهدها لإضفاء الشرعية على النظام الحالي وسياساته – وهو نظام غير متكافئ وعنيف وقمعي لغالبية الناس. وفي حين توفر الأوساط الأكاديمية الحصن الأيديولوجي للنظام، يقدّم «القطاع الثالث» الدعم الفعلي لتخفيف معاناة الناس من قوى السوق الوحشية، ولا سيما تلك التي كان على حكوماتهم المنتخبة معالجتها. يضم هذا القطاع الآلاف من المنظّمات الخيرية في مجالات الفنون والحقوق المدنية والإصلاح السياسي والتعليم والدين وغيرها. ومن المفترض في هذا القطاع الاستقلال عن كل من الحكومة والشركات الربحية، ومن هنا شرعيته. وللقطاع الثالث، الذي يمثل 6% من الناتج المحلي الإجمالي، تأثير اقتصادي كبير أيضاً (ص. 135). ويرجع جزء كبير من هذا إلى سخاء الحكومة، بما فيها وزارة الدفاع والإدارات والوكالات المرتبطة بها والشركات الكبرى.

من الشروط المهمّة لتلقي التمويل المؤسّسي والعسكري للقطاع الثالث أن يركّز على «قضية واحدة»، سعياً على ما يبدو وراء «البراغماتية» وأهداف «واقعية» قابلة للتحقيق. هذا التركيز الضيّق، مع تسليط الضوء على النوايا «النبيلة» والتبرّعات السخيّة للمجمع العسكري المؤسّسي، يعمي الناس عن حقيقة أنّ النظام هو المسؤول الأول عن المشكلة. ويساعد القطاع غير الربحي في طمس ترابطات النظام المعقّد – بين عسكرة الاقتصاد والحروب الإمبريالية التي تشنّها الولايات المتّحدة باستمرار والفوائد التي تعود على الشركات الكبيرة وتأثيرها التراكمي في عامة الناس.

يساعد القطاع غير الربحي في طمس ترابطات النظام المعقّد – بين عسكرة الاقتصاد والحروب الإمبريالية التي تشنّها الولايات المتّحدة باستمرار والفوائد التي تعود على الشركات الكبيرة وتأثيرها التراكمي في عامة الناس

تُنقَل تلك المساعدات الإنسانية بواسطة السيارة نفسها التي تحمل القنابل والأسلحة. وهذا صحيح بالحرف في غالبية الأحيان:

  • تُعّد المساعدات الإنسانية جزءاً من «الحرب غير التقليدية»، بحسب قيادة العمليات الخاصة الأميركية، ما يذكرنا بمبدأ «كسب القلوب والعقول» في حرب فيتنام.
  • يسمح برنامج دينتون للمنظّمات غير الحكومية باستخدام مساحة إضافية على متن طائرات الشحن العسكرية الأميركية لنقل المساعدات الإنسانية (ص. 137).
  • بالإضافة إلى عملها الإنساني، تموّل وزارة الدفاع منظّمات الإغاثة العاملة على المستوى الدولي – على سبيل المثال، لجنة الإنقاذ الدولية ومنظّمة إنقاذ الطفولة ومنظّمة ميرسي كور. أجرت عالمة الاجتماع لورا ميلر مقابلات مع عمّال الإغاثة الذين يخدمون في البوسنة عام 1996 وهايتي عام 1997، ووجدت أن «عمّال الإغاثة هؤلاء استقرّوا على أن التدخّل المسلّح في منطقة عمليّاتهم ضروري، وقد استفادوا بطرائق عدّة من الاهتمام والأصول التي ترافق الجيش الأميركي» (ص. 141).

أحد الأدوار المهمّة لهذه المنظّمات أن تواجه المثقفين والجماعات والحركات الراديكالية خارج الولايات المتّحدة التي تحاول التشكيك في دور مجمع الشركات العسكرية الأميركية وكشفه. فتُقدّم الأموال لمؤسّسات حقوق الإنسان مثل أميركاس ووتش، وآسيا ووتش، ومنظّمة العفو الدولية لمواجهة القوى الراديكالية والمعادية للإمبريالية ونزع الشرعية عنها:

تحاول هذه المجموعات إثبات أن الظروف الدموية والقمعية التي تحفز الراديكاليين ترجع في المقام الأول إلى عدم احترام حقوق الإنسان بسبب افتقار قوات الشرطة المحلّية إلى التدريب وحمولتها من العنصرية التقليدية والنظام الأبوي. وتعمل المنظّمات الجديدة على لفت انتباه وسائل الإعلام والمنظّمات الدولية إلى انتهاكات حقوق الإنسان (ص. 143).

ثمّة «باب دوّار» بين القيادة العسكرية وقيادة المؤسّسات غير الربحية، سواء على صعيد أعضاء مجلس الإدارة أو كبار الموظّفين (ص. 140):

  • ضمّ مجلس أمناء مؤسّسة كارنيغي كوندوليزا رايس والجنرال لويد أوستن الثالث (المتقاعد)، قائد القيادة المركزية الأميركية، وأحد قادة غزو العراق في العام 2003.
  • الأدميرال هارولد بيرنسن، القائد السابق لقوّات الولايات المتّحدة في الشرق الأوسط، ومع أنه ليس طبيباً، فقد شغل منصب رئيس منظّمة أطباء من أجل السلام.

ومن الواضح وجود «باب دوّار» للأموال أيضاً بين المؤسّسات غير الربحية ومجمع الشركات العسكرية. أقتبسُ من الكتاب:

«العديد من المؤسّسات غير الربحية (وكذلك الأفراد وصناديق التقاعد) ليس لديها الرغبة أو القدرة على إنشاء المحافظ الاستثمارية وتحديثها. فتشترك في طروحات صناديق الاستثمار المشتركة للشركات المالية مثل ستايت ستريت وفانغارد وبلاك روك وفيديلتي وكوليدج ريتايرمنت إيكويتي فاند وغيرها، الضالعة في الصناعات العسكرية: منتجي الأسلحة وشركات تكنولوجيا المعلومات وغيرها من كبار متعاقدي وزارة الدفاع (ص. 154).

الفصل السادس: حكومات الولاية والحكومات المحلية

لا تتأثر الحكومة الفيدرالية الأميركية فحسب بالمؤسسة العسكرية وتستثمر فيها، بل حكومات الولايات والحكومات المحلية أيضاً. لدى معظم حكومات الولايات (والأقاليم) إدارات عسكرية، مسؤوليتها الأساسية إدارة الحرس الوطني الذي قد يمتلك وحدات من الجيش و/أو القوات الجوّية و/أو البحرية. يحصل الحرس على رواتبهم من الدولة، أو من وزارة الدفاع عند استدعائهم للخدمة الوطنية. لكن التأثير الاقتصادي الأهم يتمثّل في التمويل الضخم من وزارة الدفاع في البنية التحتية للحكومات المحلية، وهو أمر ضروري لدعم الاقتصادات المحلّية واستمراريتها. يستفيد جلّ الأنشطة والقضايا التي تديرها وتعالجها الحكومات المحلّية من الأموال العسكرية، وفي إطار المنفعة المتبادلة، يساعد هذا في شرعنة المؤسّسة العسكرية الضخمة ومخالبها في نظر السكّان. يبدو أنّ المجمع العسكري والمؤسّسي صار ضرورة لازمة للحكومات المحلّية وحكومات الولايات لمعالجة قضايا تتراوح بين قضايا جُنح الأحداث والقضايا البيئية؛ وتوفير المرافق الأساسية لإدارة الكوارث والمرافق الصحية والمدارس؛ ومساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة من خلال العقود؛ والأهم من ذلك، توليد فرص العمل، سواء مباشرةً في القوات المسلّحة أو من خلال العقود العسكرية.

تعلن وزارة التجارة بولاية واشنطن بفخر:

«عشرات الآلاف من الوظائف ومليارات الدولارات تتدفق إلى اقتصاد الدولة من القطاع العسكري والدفاعي. تمتلك واشنطن ست منشآت عسكرية في الخدمة الفعلية، فضلاً عن منشأة رئيسة للأمن القومي، ومنشأتين تابعتين لوزارة الطاقة، وجامعتين من الطراز العالمي تجريان أبحاثاً متعلّقة بالدفاع. تحتل واشنطن المرتبة السادسة على مستوى البلاد من حيث عدد العسكريين العاملين، إذ يبلغ عدد أفرادها العسكريين 69,125 فرداً و90,246 فرداً آخرين من عائلاتهم و19,474 جندياً احتياطياً. يوظّف القطاع العسكري والدفاعي 39,000 مدني آخر، معظمهم في قاعدة لويس ماكورد المشتركة وحوض بناء السفن بوجيه ساوند (ص. 170).

أحد الأدوار المهمّة لهذه المنظّمات أن تواجه المثقفين والجماعات والحركات الراديكالية خارج الولايات المتّحدة التي تحاول التشكيك في دور مجمع الشركات العسكرية الأميركية وكشفه

ومن الجدير بالملاحظة أنّ حكومات الولايات والحكومات المحلّية لا تحصل على أموال سخيّة من مجمع الشركات العسكرية فحسب، بل في المقابل، تستثمر الأموال العامة وصناديق التقاعد لهذه الحكومات بكثافة في شركات تصنيع الأسلحة. على سبيل المثال، يستثمر نظام تقاعد موظّفي القطاع العام في كاليفورنيا (كالبرز)، وهو ثاني أكبر صندوق معاشات تقاعدية في الولايات المتحدة، في شركات لوكهيد وبوينغ وبي إيه إي وجنرال دايناميكس وليوناردو وتاليس وغيرها الكثير (ص. 172).

في الختام

كتاب رولفس الجديد ليس عملاً غامضاً، إذ في عنوانه إجابة سؤال التريليون دولار. يرى الكتاب في المصالح الاقتصادية التفسير المباشر للصمت العام إزاء الحروب والعمليات العسكرية غير القانونية وغير الأخلاقية التي تشنّها الدولة الأميركية، والموت والدمار الذي تلحقه بالناس والبيئة. وتوضِح المؤلفة من خلال وصف شامل (وحتى مرهق) أنّ كل طبقة من طبقات المجتمع الأميركي وجميع ما يسمّى بمؤسساته المدنية ضالعة في هذا المسعى القاتل.

لكن وعلى الرغم من غزارة معلومات الكتاب وأهمّية حجّته، فإن لي بعض المآخذ عليه.

فالكتاب تَصعُب قراءته دفعة واحدة على صُغرِ حجمه. إذ إنّ طوفان التفاصيل التي يقدّمها عن مدى الاختراق العسكري للمجتمع الأميركي، وطبقاته المتداخلة، والمؤسّسات والترابطات الشبيهة بالمتاهة، تترك القارئ لاهثاً ومخدّراً. ولم يتبع التوصيف نمطاً محدّداً كما يبدو، ما يزيد من الشعور بالضياع. ليجد المرء نفسه في نهاية المطاف أسير شعور عام بالحيرة: أهذا وصف للاختراق العسكري للمجتمع المدني والاقتصاد، أم مجرد وصف للأخير (لأنّ التمييز بين الجيش الأميركي والمجتمع المدني/الاقتصاد المدني قد انمحى عملياً)؟ بدأتُ قراءة الكتاب معتقدةً أنّني سأتعلم المزيد عن «الفيل في الغرفة»، أي الحقيقة المسكوت عنها: تأثير المجمع الصناعي العسكري في الولايات المتّحدة. ويبدو من الكتاب أنّ الفيل هو الغرفة، وربما العكس. وهذا بدوره يثير في القارئ شعوراً بقلة الحيلة.

لا شك أنّ رولفس في الفصل الأخير الموسوم بـ «ما العمل» تتحدث مباشرة إلى القارئ ساعيةً إلى العمل. وهي تقدّم اقتراحات مختلفة، تتراوح من العمل الفردي إلى الإجراءات السياسية، لكسر حاجز الصمت وإبعاد الاقتصاد عن هذه العسكرة المتطرّفة والمتزايدة. وتشمل الاقتراحات التوقيع على الالتماسات والتواصل مع الممثلين المنتخبين وتقديم التبرّعات والانضمام إلى المنظّمات المناهضة للحرب. وعلى مستوى السياسات، تقترح المؤلفة الحاجة إلى «تطبيب المجتمع والبيئة» من خلال «صفقة جديدة خضراء». وهي تسعى إلى خلق «ثقافة سلم» بأنّ تستبدل بالحرب «المعادل الأخلاقي للحرب»، ما من شأنه إثارة فخر مشابهٍ لفخر الانتماء إلى أمة غازية. لكن وبالنظر إلى الحجة الواردة في جميع الفصول السابقة عن مدى شرعية العسكرة بين السكّان المدنيين، يبدو هذا الفصل ناشزاً، كأن حلقةً مهمّة مفقودة.

يجد المرء نفسه في نهاية المطاف أسير شعور عام بالحيرة: أهذا وصف للاختراق العسكري للمجتمع المدني والاقتصاد، أم مجرد وصف للأخير لأنّ التمييز بين الجيش الأميركي والمجتمع المدني/الاقتصاد المدني قد انمحى عملياً؟

فمعرفة مدى العسكرة ليس إلّا مجرّد معلومات، ولا تؤدّي في حد ذاتها إلى عمل سياسي. يحدِّد العمل الحالي، من خلال تبيانه استحكام المؤسّسة العسكرية في كل جانب من جوانب المجتمع والاقتصاد، مدى رأفة آلة الحرب وقوّة مخالبها بين السكان المدنيين في الولايات المتّحدة. في الواقع، قد يرى كثيرون في الجيش أحد أفضل وجوه الدولة، بحكم دوره الشامل في إنقاذ البيئة والدفع من أجل التنوّع ودعم المدارس والصحّة في المناطق المحرومة وقطاعات المجتمع المهمّشة وتمويل وتعزيز الجهود المؤيدة للسلام، والأهم من ذلك كله، توفيره فرص عمل بأجور مجزية. وكما أوجز أبتون سنكلير: «يستعصي عليك إفهام المرء أمراً ما، إذا كان راتبه يتوقف على عدم فهمه له».

لدرجة أنّ المؤلفة تعتقد بعدم وجود حاجة كبيرة إلى «الرشوة» أو التلاعب بالعمليات الانتخابية:

«لا يتعيّن على ممثلينا المنتخبين أخذ رشوات انتخابية من صانعي الأسلحة لدعم ميزانية وزارة الدفاع. فلربما يمثلون المصالح الفعلية للعديد من المواطنين. وهذا ممكن لأنّه كما كتب عالم السياسة الأسترالي ديفيد ت. سميث: «تحافظ مؤسّسة الأمن القومي على الشرعية الديمقراطية بفعل طريقة توزيعها المكاسب العامة والخاصة في حين تحمي الأميركيين العاديين من التكاليف الحقيقية للحرب عالية التقنية» (ص. 8).

عند هذه النقطة، يبدو أنّ حجة الكتاب تستبعد الصراع الطبقي، أو تستبعد حتى الإجراءات والإصلاحات المعتدلة للغاية المقترحة من رولفس. إذا كان المجمع الصناعي العسكري يمثل المصالح الفعلية للمواطنين الأميركيين، فليس من الواضح لماذا عليهم معارضته.

قد يتساءل القارئ عندئذ: كيف حدث في الماضي أن ثار الناس مراراً وتكراراً احتجاجاً على النظام القوي ظاهرياً؟ شهدت الولايات المتّحدة حراكات جماهيرية من أجل الحقوق النقابية والحقوق المدنية وضدّ الفاشية في ثلاثينيات القرن العشرين؛ ومجموعة من الحراكات، منها الحركات المناهضة للحرب على وجه التحديد، في منتصف الستينيات وحتى منتصف السبعينيات. على أساس هذا الكتاب، قد يستنتج المرء أنّ هذا كان ممكناً لأن مجمع المؤسّسة العسكرية لم يكن قد تغلغل بعمق بعد في المجتمع المدني والاقتصاد المحلي في الولايات المتحدة كما تغلغل في الوقت الحاضر. لكنّ الإجابة من وجهة نظرنا أكثر تعقيداً.

كان من سمات تلك الفترات السابقة ارتفاع مستوى الوعي السياسي. ولا ريب أنّ من الأسباب الرئيسة للاحتجاج خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي كان الخسارة في الأرواح والإصابات بين الشباب الأميركيين الذين جُنِّدوا غصباً عنهم في حرب فيتنام. ولكن كان منها أيضاً العمل السياسي المستمر لمختلف المجموعات والتجمّعات في الولايات المتحدة، والأهم من ذلك، مناخ النضال السياسي في جميع أنحاء العالم، ومنه:

  • حركة الحقوق المدنية وحركة البلاك بانثر والحركات الطالبية داخل الولايات المتحدة.
  • الحركات والانتصارات المناهضة للاستعمار والإمبريالية في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية. وكانت حرب الولايات المتحدة في فيتنام ضد إحدى حركات التحرّر الوطني؛ هذه الحقيقة وسعت نطاق المعارضة للحرب.
  • المناخ السياسي التقدّمي بحكم وجود بديل للرأسمالية، كالاتحاد السوفياتي والصين وكوبا، في مراحل مختلفة.

كان من الممكن أن يستفيد القراء من تحليل الانقطاعات في تاريخ الولايات المتحدة حين شهدت احتجاجات قوية مناهضة للحرب (لا سيما أنّ رولفس نفسها شاركت في إحدى الحركات المجيدة المناهضة للحرب في الولايات المتحدة – الحركة المناهضة لحرب فيتنام في الستينيات).

على مدى العقد الماضي، ظهرت حركات ضد وحشية الشرطة العنصرية والأوليغارشية المالية. ومهما اعتور هذه الحركات من عيوب، فإنّها تشير إلى أنّه حتى «كاتم بتريليون دولار» لا يستطيع الكتم أو الإسكات إلى الأبد

في الوقت الحاضر، تختلف الظروف عما كانت عليه في الستينيات. فقد تحوّلت الإمبريالية الأميركية إلى استخدام الحرب الجوية والمتعاقدين العسكريين، فتجنّبت بذلك فرض التجنيد العسكري وما يترتب عليه من معارضة داخلية. لقد تغيرت الظروف العالمية أيضاً: فالاقتصادات الاشتراكية التي كانت في السابق بديلاً للرأسمالية لم تعد قائمة، ولم تعد مقاومة العالم الثالث للعدوان الإمبريالي تحت قيادة أمثال هوشي منه وفيدل كاسترو أصحاب أيديولوجيا تقدّمية واضحة وقادرين على إلهام أجيال من الناس. ساهمت هذه التغييرات في إضعاف المعارضة للجيش الأميركي وحروبه العدوانية.

إلّا أنّه لا تزال في الواجهة الإمبراطورية شقوق، سواء في الداخل أو الخارج. وعلى الرغم من أنّ الإنفاق العسكري قد يغطّي بعضها لبعض الوقت، لكنّه لا يستطيع تغطيتها كلّياً، أو إلى الأبد. في الداخل، يوجد انقسام طبقي متزايد داخل الولايات المتّحدة. فقد انخفض متوسط الأجر الحقيقي في الساعة لكل الأميركيين الحاصلين على شهادة الدراسة الثانوية أو درجة البكالوريوس في العقود الثلاثة الماضية، على الرغم من النمو الحاد لدخول شريحة الـ1% من أصحاب الدخول، بل وحتى نسبة 0.1% من شريحة الدخل الأعلى.3  والصادم فعلياً هو انخفاض متوسّط العمر المتوقع وأسبابه: «في أغنى دولة كبيرة في العالم، صاحبة تكنولوجيا طبية رائدة، انخفضت سنوات العيش المتوقعة بين 25 و75 عاماً على مدار معظم العقد للرجال والنساء بلا شهادات جامعية، حتى قبل فيروس كورونا… لقد شهد الأميركيون الذين لا يحملون شهادة جامعية ارتفاعاً في معدل الوفيات بسبب المخدرات والانتحار وأمراض الكبد الكحولية – وفيات اليأس». لهذا الانقسام الطبقي عواقب سياسية.

وبسبب ضعف القوى السياسية التقدّمية، أسفرت الظروف المتدهورة للطبقة العاملة في الوقت الحالي عن زيادة الدعم للديماغوجيين اليمينيين؛ لكن هذه الظروف تدل في الوقت نفسه على النطاق الموضوعي للسياسة التقدمية. على مدى العقد الماضي أو نحو ذلك، ظهرت حركات ضد وحشية الشرطة العنصرية واحتجاجات ضد «وول ستريت»، أي الأوليغارشية المالية. ومهما اعتور هذه الحركات من عيوب، فإنّها تشير إلى أنّه حتى «كاتم بتريليون دولار» لا يستطيع الكتم أو الإسكات إلى الأبد.

علاوة على ذلك، توجد أيضاً شقوق في الواجهة العالمية للإمبريالية الأميركية. الولايات المتحدة هي المركز الإمبراطوري للعالم، وقد ظلت لعقود تعيث فساداً في الناس والبيئة في جميع أنحاء العالم عبر قوتها العسكرية الهائلة. ووافق معظم الأميركيين، بصفتهم مواطنين في تلك الأمة، على هذا الهجوم بدرجات متفاوتة، وإنْ كان ذلك في كثير من الأحيان بغير وعي. لكن في ظل الظروف المتغيرة للعالم الحالي، فإنّ سعي حكّام الولايات المتّحدة للاحتفاظ بالتفوّق العالمي قد لا يؤدّي إلى النتائج التي يأملونها. هذا المزيج من الانقسام الطبقي الحاد في الداخل والتفوّق المتعرقل في الخارج قد يساعد الغالبية العظمى من الشعب الأميركي على التخلّص من عزلته، والتعرف إلى العلاقة بين ظروفه المتدهورة والطابع الإمبريالي والعسكري لاقتصاد بلاده.

في الوقت نفسه، سيكون هذا الكتاب عوناً مفيداً لمن بدأ على الصعيد السياسي يعارض آلة الحرب الإمبريالية الأميركية، لتوسيع شقوق هذا النظام الجبّار. وكما قال ليونارد كوهين في أغنيته الخالدة ترنيمة:

اقرع الأجراس...

اقرع الصالح منها

مثاليتك دعها

شقوق... في كل شيء شقوق

هكذا يدخل الضوء

نشر هذا المقال في Rupe India في 24 أيار/مايو 2023.

  • 1وردت أول إشارة إلى دور الإنفاق العسكري الأميركي في الحفاظ على الطلب الفعّال عند بول باران وبول سويزي في كتابهما رأس المال الاحتكاري في العام 1964. وأشارا، من بين أمور أخرى، إلى أن أكثر من 9% من القوة العاملة في الولايات المتّحدة كانت تعتمد في وظائفها على ميزانية الأسلحة، وقالا إنه إذا انخفض الإنفاق العسكري مرة أخرى إلى مستويات ما قبل الحرب العالمية الثانية، فإن اقتصاد البلاد سيعود إلى الكساد كما كان في الثلاثينيات. (رأس المال الاحتكاري، ص. 53) استمر سويزي وهاري ماغدوف في تفصيل هذه الفكرة في كتاباتهما على مر السنين.
  • 2تصف رولفس بشيء من التفصيل حالة شركة إل ثري هاريس تكنولوجيز، وهي شركة عالمية لتكنولوجيا الطيران والدفاع، احتلّت المرتبة التاسعة بين متعاقدي وزارة الدفاع. تذكر الشركة في أحدث تقاريرها أنّ من بين موظّفيها 26% من الملوّنين و25% من النساء، و15% من المحاربين القدامى، و8% من المعوقين. تشكّل النساء 15% من مجلس الإدارة و34% من المديرين التنفيذيين للشركة؛ ويشكّل الملّونون 23% من مجلس الإدارة و18% من المديرين التنفيذيين، بالإضافة إلى 42% من المعينين الجدد من خريجي الجامعات. «في العام 2021، صُنِّفَت الشركة واحدة من أفضل أماكن العمل من حيث دمج المعوقين وأُدرِجَت في مؤشر مساواة المعوّقين». أفادت الشركة في تقاريريها أن 7% من المديرين التنفيذيين من المعوقين. ترفع مواقع الشركة العديدة علم قوس قزح تكريماً لشهر الفخر، و«تقدم رؤى للقادة والموارد البشرية وأعضاء الفرق لتقديم أنظمة آمنة لدعم التحول الجنسي للموظف في العمل». – رولفس، صـ 80.
  • 3Joseph Stiglitz, “Inequality and Economic Growth”, The Political Quarterly, July 2016.

علاء بريك هنيدي

مترجم، حاصل على ماجستير في المحاسبة، وشارك في تأسيس صحيفة المتلمِّس. صدر له ترجمة كتاب ديفيد هارفي «مدخل إلى رأس المال» عن دار فواصل السورية، وكتاب جوزيف ضاهر «الاقتصاد السياسي لحزب الله اللبناني» عن دار صفصافة المصرية، وكتاب بيتر درَكر «الابتكار وريادك الأعمال» عن دار رف السعودية، وكانت أولى ترجماته مجموعة مقالات لفلاديمير لينين عن ليف تولستوي صدرت ضمن كراس عن دار أروقة اليمنية. كما نشر ترجمات عدّة مع مواقع صحافية عربية منها مدى مصر، وإضاءات، وذات مصر، وأوان ميديا.