معاينة turkey qatar pipeline

شكوك عميقة بجدوى مشروع خطّ الغاز من قطر إلى تركيا

مع سقوط نظام الأسد، وإعادة تشكيل خارطة السيطرة في سوريا، سُلِّط الضوء مجدداً على مشروع لمدّ أنبوب غاز يربط بين قطر وتركيا. يعود هذا المشروع إلى الواجهة من منظار رسم مستقبل المنطقة الاقتصادي بناء على التغيّرات الجيوسياسية، إلّا أن الكثير من الأمور تغيّرت في خلال العقد الماضي، سواء من حيث الظروف السياسية المحيطة بالمشروع أو واقع أسواق الغاز اليوم، إذ تطغى سيطرة الغاز الطبيعي المسال (Liquified Natural Gas LNG) على الغاز المنقول بالأنابيب وتحديداً من قطر، ثالث أكبر مصدّر للغاز الطبيعي المُسال في العالم، ما يجعل فكرة تعويم مشروع الأنبوب غير مُجدية في المدى المنظور.

مشروع خطّ الغاز من قطر إلى تركيا

متى نشأت الفكرة؟

طُرح المشروع للمرة الأولى في العام 2009، في خلال قمّة عُقِدت في بودروم بين أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني والرئيس التركي السابق عبدالله غول، بحضور رئيس الوزراء التركي آنذاك (الرئيس الحالي) رجب الطيب أردوغان. وهدف المشروع في حينها إلى إيصال الغاز القطري المنتج من حقل الشمال إلى أوروبا عبر تركيا مروراً بالسعودية والأردن وسوريا وصولاً الى بلغاريا، في حين كان مسار آخر يمرّ عبر السعودية والكويت والعراق.

يبلغ طول الأنبوب حوالي 1,500 كيلومتر، وتقدّر كلفته بنحو 10 مليارات دولار، وهي أعلى من كلفة مشروع أنبوب غاز شرقي المتوسط (East-Med Gas Pipeline)، الذي تشارك فيه إسرائيل وقبرص واليونان، والمطروح منذ سنوات بكلفة تناهز 7 مليارات دولار وبطول ألفي كيلومتر. وعلى عكس هذا المشروع الذي يمتدّ في عمق البحر، شكّلت سوريا مركز العبور الرئيسي والممرّ الالزامي لنقل الغاز من قطر إلى تركيا عبر الأنبوب البري، نظراً إلى موقعها الرابط بين شرقي المتوسط وأوروبا، إلّا أن نظام الأسد رفض الفكرة. فالأنبوب كان سيضر بالمصالح الروسيّة، الحليف الأول للأسد، ويؤمّن وصول الغاز إلى أوروبا مباشرة من دون المرور بروسيا. كما أن نظام الأسد عاد وأعلن عن استراتيجيّة البحار الأربع، أي أن تؤدّي سوريا مركز ربط بين الخليج والبحر الأسود والقوقاز والبحر الأبيض المتوسّط، من خلال استخدام حوالي 6,300 كيلومتر من الأنابيب على الأراضي السورية وتطوير خط الغاز العربي (Arab Gas Pipeline).

مع سقوط نظام الأسد في كانون الأوّل/ديسمبر 2024، عادت فكرة مدّ الأنبوب من جديد، وأعلن وزير الطاقة والموارد الطبيعيّة التركي، ألب أرسلان بيرقدار، أن المسار من قطر نحو تركيا بات ممكناً «في حال حقّقت سوريا الوحدة والاستقرار، وأن هذه رغبة تركية في حال كان الممرّ آمناً». من جهتها، سارعت قطر، عبر الناطق باسم وزارة الخارجية، إلى نفي التقارير التي تحدّثت عن إحياء مشروع الغاز واضعة إياها في خانة التكهّنات.

الجدوى الاقتصادية والسياسيّة للأنبوب

صحيح أنّ أوروبا بحاجة ماسّة لتنويع مصادر الغاز وتخفيض أسعاره بعيداً من روسيا، فيما تريد تركيا أن تروّج لنفسها كبديل لنقل الغاز عبرها مستفيدة من علاقتها بهيئة تحرير الشام، إلّا أن معظم الخبراء يجمعون أن أنبوب الغاز غير قابل للتنفيذ لأسباب اقتصادية ونتيجة كلفته العالية، فضلاً عن وجود تحدّيات لوجستية وفنية وسياسية.

من جهة، لا يشكلّ مشروع أنبوب الغاز من قطر إلى تركيا أولوية اليوم، نظراً إلى التوسّع القطري المستمر في مجال الغاز الطبيعي المُسال الذي يُعتبر أكثر كفاءة وأقل خطورة. لقد تغيّرت إستراتيجية قطر فيما يتعلّق بخطوط الأنابيب، وتركّز خططها الراهنة على المرونة في تسييل الغاز وشحنه بالسفن إلى أي مكان في العالم، بدلاً من الالتزام بنقطة انطلاق ونقطة وصول محدّدتين عبر الأنابيب، وهو ما قد يتضارب أحياناً مع الجغرافيا السياسية والاقتصادية.

ومن جهة أخرى، وعلى الصعيد الجيوسياسي، يصعب على قطر حصر نفسها مجدداً في إطار جغرافي معيّن، إذ وقعت خلافات بين الدوحة وجيرانها في مجلس التعاون الخليجي في العام 2017، وقُطعت جميع العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع الإمارة لسنوات عدّة، ما يجعل المخاطر المرتبطة بأي أنبوب مستقبلي نحو تركيا كبيرة.

بالإضافة إلى ذلك، يبرز موضوع تشدّد القوانين الأوروبية التي أقرّت في صيف العام 2024، ويمكن أن تفرض غرامات مالية (تصل إلى 5% من العوائد السنوية العالمية) على الشركات التي تورّد إلى القارة العجوز وغير الملتزمة بحقوق الإنسان والآثار البيئية الناتجة عن أعمالها، ما دفع وزير الطاقة القطري بالتهديد بقطع إمدادات الغاز عن أوروبا في حال تطبيقه. أخيراً، ومع التحوّل الطاقوي المتسارع في أوروبا والانتقال بعيداً من الوقود الأحفوري، قد يصبح خط الأنابيب المنشأ اليوم من الأصول غير المجدية في المستقبل.

آفاق الغاز المُسال القطري نحو التوسّع

شرعت الدوحة منذ سنوات في تطوير مشروع الحقل الشمالي، مع التركيز بشكل كامل تقريباً على الغاز الطبيعي المسال. وقد أعلنت في بداية العام 2024 عن نيّتها زيادة الطاقة الإنتاجية من 77 مليون طن سنوياً (mtpa) إلى 142 مليون طن سنوياً بحلول تاعام 2030، أي بزيادة نسبتها 85%. وينصبّ مجهود قطر على تأمين مشترين جدد لأكثر من نصف قدرتها الإنتاجية الجديدة، وهو ما يجعل مشروع خط أنابيب الغاز المنافس غير عملي. أمّا على صعيد الناقلات، فقد وقّعت Qatar Energy عقود في العام 2024 لبناء 44 ناقلة غاز جديدة رافعة بذلك أسطولها الى أكثر من 100 ناقلة قيد الإنشاء.

حتى الآن، تمكنت قطر من إبرام الكثير من صفقات توريد الغاز الطبيعي المسال مع دول أوروبية عدّة، بما في ذلك ألمانيا وبلجيكا وإيطاليا وبولندا، وبالتالي نجحت الدوحة في نقل الغاز إلى أوروبا من دون الحاجة إلى خط أنابيب. ناهيك عن عقود جديدة مع الصين واليابان وكوريا الجنوبية. وبلغ ​​إجمالي صادرات الغاز الطبيعي المسال القطري نحو 80 مليون طن خلال العام 2023 وفقاً لشركة البيانات كبلر، منها حوالي 15,1 مليون طن إلى أوروبا (حوالي 19%)، بمعدّل 1,54 مليون طن شهرياً.