مَن أنشأ المناطق الاقتصادية الخاصة؟

مراجعة لكتاب «الرأسمالية المتصدّعة: راديكاليّو السوق والحلم بعالم خالٍ من الديمقراطية»، تأليف المؤرّخ كوين سلوبودان، صاحب كتاب «دُعاة العولمة». يحلل الكتاب سياقات الانتقال من القناعة بقدرةِ المؤسسات المالية العابرة للقومية على الحدّ من قدرة الدولة على التدخل وإعادة التوزيع، الى استحداثِ طريقة مغايرة لتقييد الدولة: وهي المنطقة الاقتصادية الخاصة. 

لا تُشكّل المناطق الاقتصادية الخاصة مجرد نتاجاً لجهود الرأسمالية الساعية إلى التخلص من السلطة الديمقراطية فحسب، بل إنها تعبّر عن استجابة لقلق عميق يتصل بالتفاوت في توازن القوى بين الشركات المتعدّدة الجنسيات والحكومات الوطنية.

بعد انقضاء ثلاث سنوات من تصريحه الذائع عن وصول التاريخ إلى نهايته، نَشر فرانسيس فوكوياما مقالاً في مجلة New Perspectives Quarterly المعلّقة في الوقت الحالي، لم يحظ بانتباهِ الكثيرين، وهو يحتاج إلى التوقّف عنده. ذلك أنه أشار إلى تبلورِ إطارٍ بديل في بعض السياقات الآسيوية يتعارض ضمنياً مع النموذج الذي احتفت به منشوراته الأشهر. فقد كانت بعض الدول تتبنّى المنافسة السوقية، ولكنها تفتقر إلى النظام السياسي الديمقراطي الذي تستلزمه كما يُفترض. وهو يشير هنا ضمناً إلى أن تقدّم الرأسمالية ربما لا يستلزم غلبة الديمقراطية بالضرورة.

يمكن للمناطق الاقتصادية الخاصّة أن تتخذ أشكالاً عديدة: المدن الدول، الملاذات، الجيوب، الموانئ الحرة، مجّمعات التكنولوجيا الفائقة، المناطق المعفاة من الرسوم الجمركية، ومراكز الابتكار. وما يربط بينها هو تمتُّعها جميعاً بوضع قانوني استثنائي، يختلف عن القواعد والأنظمة التي تُطبّق على محيطها

لم يكن فوكوياما متفائلاً في توقّعاته المتعلّقة بالآفاق البعيدة لما أسماه «الاستبداد الناعم». حيث ارتكز إلى افتراضٍ مستبعد ستستمر المجتمعات بموجبه في «خضوعها الطفولي» حتى بعد تعميم الرفاه والمشاركة في سوق الأفكار العالمية. وبغض النظر عن ذلك، فمن المؤكد أن هذا النموذج لن يكون «قابلاً للتطبيق خارج المناطق التي تسودها الثقافة الكونفوشيوسية».

ولكن، عند فحص السياسة العالمية بعد انقضاء ثلاثة عقود، يتكشّف أمامنا مدى تبصُّر هذا النموذج بالمقارنة مع فكرة فوكوياما الشهيرة عن «نهاية التاريخ» الديمقراطي الليبرالي. فقد اتسمت تلك الفترة الفاصلة لا بالانتشار المستمر للمؤسسات الديمقراطية، وإنما بمجموعة من النماذج الرأسمالية الاستبدادية. إذ أصبح من الواضح أن حرية الفرد في اختيار السلع والخدمات لا تتضمّن حرّيته في اختيار القادة السياسيين.

لقد برز المؤرّخ كوين سلوبودان باعتباره المؤرّخ العظيم لهذا التحوّل الاستبدادي الذي ألمّ بنظرية وممارسة الرأسمالية. وقد سلّط كتابه الأخير «دُعاة العولمة» الضوء على قناعة عدد من المفكِّرين النيوليبراليين البارزين في منتصف القرن بقدرة المؤسّسات المالية العابرة للقومية على الحدّ من قدرة الدولة على التدخل وإعادة التوزيع. وهو يُركز في كتابه «الرأسمالية المتصدعة» على نصف القرن المُنصرم، ويميط اللثام عن اضطلاع أنصار السوق باستحداث طريقة مغايرة لتقييد الدولة: وهي المنطقة الاقتصادية الخاصة. 

أسفر ذلك عن عمل طموح يغطي في ما يزيد عن 200 صفحة التاريخ القانوني والمالي والقضائي المعقّد لبدعة خطرة ابتدعها الاقتصاد السياسي في القرن العشرين وانتشرت في خلال القرن الحادي والعشرين. بحدّة مميّزة وإيجاز لافت، يكشف سلوبودان عن تشجيع اليمين الاستبدادي لتطوير هذه المناطق. بيد أنه يُسقط من هذا التاريخ بعض الجوانب التي لا تتسق مع قصّته. 

وبينما يضطلع كتاب «دُعاة العولمة» بتفصيل الطرق التي تعمل من خلالها المؤسّسات العابرة للقومية على تقييد الدولة من الأعلى، يستعرض كتاب « تصدُّع الرأسمالية» الغزو القانوني لسلطتها من الأسفل. يكتب قائلاً: «الكثير من الأمم مُثقّبة بالمناطق». ويمكن للمناطق الاقتصادية الخاصّة أن تتخذ أشكالاً عديدة: «المدن الدول، الملاذات، الجيوب، الموانئ الحرة، مجّمعات التكنولوجيا الفائقة، المناطق المعفاة من الرسوم الجمركية، ومراكز الابتكار». وما يربط بينها هو تمتّعها جميعاً بوضع قانوني استثنائي، يختلف عن القواعد والأنظمة التي تُطبّق على محيطها. يُستهلّ الكتاب بخارطة تُصور التوزيع العالمي لتلك المناطق، وهي تكشف عن انتشارها المذهل في خلال الأربعين سنة الماضية. 

وانسجاماً مع توقّعات فوكوياما، يزداد شيوع مثل هذه المناطق في شرق آسيا قياساً إلى بقاع العالم. إذ تضمّ الصين وحدها ما يقرب من نصفها تقريباً. ويتتبّع كتاب «تصدّع الرأسمالية» انتشارها في عدد مُطّرد من السياقات الجغرافية، حيث تمتدّ من سنغافورة إلى لندن، ودبي، وجنوب أفريقيا، وهندوراس، وصولاً إلى «البلدان السحابية» في العالم الافتراضيّ. وتميل هذه المناطق إلى الاشتراك في خواصٍ معيّنة: الغلو في تقييد السيطرة الديمقراطية على وضع القواعد الاقتصادية، يُعزّز في الغالب بإخضاع حرّية التعبير والاحتجاج السياسي لقيود صارمة؛ التفاوت الاقتصادي بدرجة فادحة، المصحوب بضعف حماية القوى العاملة المقموعة؛ والدعم القوي لأنصار السوق الحرّة في إطار جمعية مونت بيليرين. ويؤشّر انتشارها إلى الانحسار العالمي لسيطرة الديمقراطية على التبادل الاقتصادي، وهو الهدف الدقيق الذي تتوخّاه النخب المؤيِّدة على نحو ما يجادل الكتاب. 

شطرٌ كبير من الكتاب مكرّس لعرض الطرق التي لا تحصى، الفجّة في كثيرٍ من الأحيان، التي رفض من خلالها المنظِّرون اليمينيون الديمقراطية دفاعاً عن النموذج الذي سبقت إليه هونغ كونغ في ظل الحكم الاستعماري البريطاني. حيث احتفلوا بمعدّلات النمو الاقتصادي المذهلة التي تحقّقت في المنطقة، وانفصال نخبتها السياسية عن الاضطلاع بالرقابة الانتخابية، وقدرتها على تعزيز عملية صنع القرار المستقرّة والمعهودة والمُتمحورة حول مصالح النخب الاقتصادية. وقد آمنوا بقدرة هذا النموذج على التحوّل إلى أسطول من أحصنة طروادة، تؤدي بالتدريج إلى تآكل الأعراف الراسخة الخاصة بالديمقراطيات الصناعية المتقدّمة في تلك الحقبة من الداخل. وفي رأيهم، تتسبّب الديناميكية الاقتصادية لتلك المناطق الخاصة في إحداث تناقض صارخ مقارنة باضمحلال المناطق المحيطة بها، التي اختنقت بأعباء السياسات التنظيمية وسياسات إعادة التوزيع. وبالقياس إلى نمط معيّن من المتحمسين للسوق، كانت الإمكانات آسرة. 

ادعى ميلتون فريدمان في كتابه الكلاسيكي «الرأسمالية والحرّية» الصادر في العام 1962 أن «الرأسمالية التنافسية تعزّز الحرية السياسية»، وذلك عن طريق فصل السلطة الاقتصادية عن السلطة السياسية. ومع ذلك، يحتوي كتاب «تصدّع الرأسمالية» على صورة تستعصي على النسيان، وهي الصورة التي تصف فريدمان وهو يعلن على جمهرة من الطلاب في هونغ كونغ أن «الديمقراطية السياسية تشتمل على عناصر من شأنها تقويض الحرية الاقتصادية». حيث كان يرمي إلى استحداث «هونغ كونغ قابلة للنقل»، وتوفير «مهرب من معضلات وضغوط ديمقراطية منتصف القرن» على حد تعبير سلوبودان. يتتبع الكتاب اتجاه أقران فريدمان ومؤيديه وأتباعه إلى استخدام مناصبهم في مراكز الأبحاث، ومناصبهم كمستشارين حكوميين، ونفوذهم في الصحافة المالية في التبشير بالمعجزات التي تحقّقها المناطق الاقتصادية للحكومات التي تواجه ما يقترن بالتخلّف الاقتصادي من تحدّيات. 

يتّسق التاريخ اللامتجانس للمناطق الاقتصادية الخاصة مع هذا النمط: فقد احتضنتها كل من الدكتاتوريات المركزية والاتحادات اللامركزية، ونَمتَ وسط حملات القمع الاستبدادية كما في ظروف التصلّب الديمقراطي

ينتقد سلوبودان ذلك الانبهار المنفر الذي يسود الكتابات الأكاديمية عن النيوليبرالية. ويسلّط الضوء على التذاذ شخصيّاته المنتشرة حول العالم بالانسجام مع بعضهم البعض: فنراهم وهُم يدندنون النغمات نفسها مراراً وتكراراً، ويبتلعون أفكار بعضهم البعض كاملةً، ويسبحون في أحلام حُمّى جماعية. يتلقى القرّاء وصفاً تفصيليّاً لدِيفيد نَجْل فريدمان، وهو عضو متحمّس في «جمعية المفارقة التاريخية الإبداعية»، حيث عُرف باسم «دوق كاريادوك ذي القوس»، وكان يأبى استعمال يسراه عند تناول الطعام. عندما يصف سلوبودان أحد شخصياته بأنه يمثل «هدية لرسامي الكاريكاتير»، يمكن للقارئ أن يستوثق من أنه سوف يبادر إلى فتحها. 

بيد أن هذا التركيز على غرابة أطوار شخوصه يعمل على إبراز خبثهم المضمر. فقد أُميط اللثام عن الجانب المظلم المقترن بالعزمِ الليبرالي على تقسيم العالم إلى مناطق تنافسية في الفصل المخصّص لتناول السيرة المهنية لموراي روثبارد، الذي يكشف عن تطابق هذه الرؤى مع أوهام القوميين البيض المتعلقة بالانفصال العنصري عن الديمقراطيات المتعددة الأعراق. أصبح روثبارد وأتباعه يرون في إنشاء المناطق الاقتصادية الفرعية الأصغر مؤشِّراً يدلّ على نمو التأييد «لحقّ الانفصال»، الذي يُؤذِن «للمناطق أو المجموعات أو القوميات العرقية المختلفة» بالانعتاق من القيود التي يفرضها الانتماء إلى مجتمع متجانس كبير. وكما ورد في تقرير رون بول الموسوم «بتقرير البقاء» في العام 1994، فإن «الجنوب القديم كان على حقّ تماماً: الانفصال يعني الحرية». يجوز للاسترقاق أن يغدو منارة للحرية، إذا اقترن بالجهود الرامية إلى الطعن في الصلاحيات السيادية المنوطة بالحكومة الوطنية. وسوف تشكّل المناطق الاقتصادية محطّات على الطريق المؤدية إلى الدول الصغيرة المتجانسة عرقياً، حيث تساعد روابط التضامن العنصري على قيام المجتمعات الخاصة بدور ِالدولة. 

يثير هذا النوع من التحقيق أسئلة صعبة تتعلّق بالمدى الذي يمكن فيه القول بأن المناطق الاقتصادية بطبيعتها سلطوية ومعادية للديمقراطية بالضرورة. وبحسب سلوبودان، تمثل عدوى «حُمّى المناطق» تعبيراً عن ضجر اليمين بالعشوائية وعدم كفاءة الرقابة الديمقراطية. وقد أشاد عدد لا بأس به من المنظّرين اليمينيين بفضائل المناطق استناداً إلى هذه الأسس على وجه التحديد. بيد أن هذا الحماس لا يقدم تفسيراً شافياً  لقيام العديد من المسؤولين المنتخبين ديمقراطياً والذين لا يحملون أي تعاطفٍ حيال حقوق السوق الحرّة بتبنّي هذه المبادئ وتنفيذها.

ولا تتعلّق هذه القصة بالاهتمام المتفشّي بين المثقفين اليمينيين والنخب المالية، بقدر ما تتعلّق بالظروف البنيوية التي يعيشها يسار الوسط منذ السبعينيات. حُوصِر الساسة الذين حافظوا على الالتزام بأجندة إعادة التوزيع بالتحدّيات المتجسّدة في انحسار التصنيع، وشعروا بالقلق إزاء تضاؤل الاستثمار الرأسمالي في خضم الموجات الهادفة إلى نقل التصنيع صوب الخارج، وجُوبهوا بجمهور الناخبين الذي بات يستريب في كفاءة وقدرات المسؤولين الحكوميين. 

لقد سعوا أكثر فأكثر إلى تحقيق أهداف تقدّمية عبر آلياتٍ نجحت في استمالة المدافعين عن السوق واستَلزمت تحويلات نقدية محدودة من الدولة. وكانت المناطق الاقتصادية الخاصة واحدة من الحلول العديدة المقترحة لتلك المآزق. وكثيراً ما كانوا يوجهون النداءات على وجه التحديد لأنهم سمحوا لحكومات الولايات بتعزيز الاستثمار الرأسمالي في المناطق المهمّشة من دون الحاجة إلى تدفق الموارد التي لم يكن الناخب ميّالاً للموافقة عليها. عبّر ذلك في نظر بعض السياسيين عن تنازل خجول للقيود الديمقراطية، وليس عن خطّة مدروسة لتقييد الديمقراطية. 

وعلى ذلك، قد لا يتعلّق بروز المناطق الاقتصادية الخاصة بانتصار الحكم الاستبدادي بقدر تعلّقه بضعف الجهات الحكومية الفاعلة في عصر العولمة. وكما لاحظ عالم الأنثروبولوجيا إيهوا أونغ، لا يُعزى التركيز النيوليبرالي على خلق الدول «الاستثناء» إلى شكل محدَّد من أشكال الحكم. فبينما كانت تعبّر عن الدول «القوية والمركزية» في شرق آسيا، كانت تنمّ عن هياكل السلطة «الضعيفة واللامركزية» في أفريقيا. ويتّسق التاريخ اللامتجانس للمناطق الاقتصادية الخاصة مع هذا النمط: فقد احتضنتها كل من الدكتاتوريات المركزية والاتحادات اللامركزية، ونَمتَ وسط حملات القمع الاستبدادية كما في ظروف التصلب الديمقراطي. ولا يرتد نموها المستمر إلى مهارة المتشدّدين اليمينيين في صنع السياسات، بل إلى المخاوف العميقة المقترنة باحتمال هروب رؤوس الأموال، الناجم عن اختلال توازن القوى بين الشركات المتعدّدة الجنسيات والحكومات الوطنية. 

لا يُبدي كتاب «الرأسمالية المتصدعة» سوى القليل من الانتباه للدور المنوط بالطبقة الدنيا: حيث ينحصر التركيز في إطار تلاعب النخبة في الأعلى، حتى وإن كان التَّوق إلى التحول الاجتماعي يُستثمَر في الممارسات الثورية بالأسفل

وإذْ يعزو سلوبودان نشأة المناطق الاقتصادية الخاصة إلى النفوذ الضخم الذي تتمتع به العصبة الاقتصادية اليمينية، يُسهّل من عملية البحث عن أسباب المشكلة للغاية، لكن المفارقة أنه يجعل مهمة العثور على الحلول عسيرة جداً. وهو يَردُّ المشكلة الحالية إلى النفوذ غير المبرّر للنخب الطامحة إلى حماية السوق من الرقابة الديمقراطية؛ والحل بالتالي هو انتفاضة المحرومين.

وقد تجلّت آماله في نهاية المطاف ضمن نقاشه للعالم الافتراضي. يكتب قائلاً: «لئن كانت السحابة تطفو، فما ذلك إلا لأن الطبقة الدنيا تحملها. وسوف يقرّر الزمن ما إذا كانوا سيُنزلون أذرعهم ذات يوم لكي يصنعوا شيئاً جديداً». ولكن، شأنه شأن العديد من الأعمال التي تعالج النيوليبرالية، لا يُبدي كتاب «الرأسمالية المتصدّعة» سوى القليل من الانتباه للدور المنوط بالطبقة الدنيا: حيث ينحصر التركيز في إطار تلاعب النخبة في الأعلى، حتى وإن كان التَّوق إلى التحوّل الاجتماعي يُستثمَر في الممارسات الثورية بالأسفل.

إن الانتشار المستمر للمناطق الاقتصادية في الولايات المتحدة - بدءاً من «مناطق التمكين» التي دشّنها آل غور في مطلع الألفية وصولاً إلى «مناطق الفرص» التي أعلنها دونالد ترامب قبل بضع سنوات - لم يتسبّب بعد في إثارة انتفاضة شعبية ضد هذه الهندسة القانونية. يستسلم سلوبودان في أحيانٍ كثيرة لهذه النتيجة، لكي يستنتج أن الولايات المتّحدة ككل «تبدو على الدوام كما لو كانت منطقة اقتصادية». 

طفق صُنّاع القرار المنتمين إلى مختلف الأطياف السياسية على مدار العقد الماضي يجربون مجموعة متنوعة من الوسائل الهادفة إلى إعادة تأكيد سلطة الدولة الإقليمية على رأس المال المتحرّك. فقد استهدف التقدميون التهرّب الضريبي واستغلال العمّال، وتحدّى المحافظون سلطة المؤسّسات العابرة للحدود الوطنية، وأبدى كل منهما انفتاحاً جديداً على التعريفات الجمركية والسياسة الصناعية. وفي غضون ذلك، تعرّضتْ العديد من الثوابت الاقتصادية التي سادت في أوج عصر النيوليبرالية لحالةٍ من التغير. لا تزال الآثار المترتبة على هذا التحوّل غير واضحة، بيد أنه يُفصح عن فُرصٍ جديدة، وذلك عبر اللجوء إلى استخدام مجموعة واسعة من الأدوات السياسية للحدّ من الآثار الضارة الناجمة عن السباق القانوني والتنظيمي نحو الحضيض. وعلى الرغم من ظهور الديمقراطية الليبرالية العالمية قبل جيل واحد، وعلى الرغم من الانتشار المذهل للرأسمالية الاستبدادية في العقود التي تلَتْ ذلك، لا تزال نهاية التاريخ تراوغ كدأبها دائماً.

نشر هذا المقال في Dissent Magazine في خريف 2023.