Preview أوَّل نوَّار

نبضٌ خافتٌ برغم الانحسار

تعاني الحركات العمّالية في العالم العربي من نكسةٍ شديدة، فمثلها مثل حركات الفئات الاجتماعية الأخرى في المنطقة، أُثقلت بخيبات الثورات والانتفاضات العربية التي اندلعت في بداية العقد الثاني من الألفية، في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن والبحرين، وإخفاقات ما سُمِّي بالموجة الثانية من «الربيع العربي» في نهاية العقد نفسه، في السودان والجزائر والعراق ولبنان.

فهل فعلاً انتهت الأيام التي كان يدعو فيها الاتحاد المصري للنقابات المستقلّة للإضراب حتى إسقاط نظام حسني مبارك، أو تجربة تجمّع المهنيين السودانيين في العام 2018 التي نجحت في شلّ البلاد وقتما شاءت، أو محاولات النقابات البديلة التي انبثقت من ساحات 17 تشرين الأول/أكتوبر في لبنان؟ كما انتهى قبلها بعقودٍ عصر العمل النقابي والنضال العمّالي الذي قادته حينها الأحزاب الشيوعية واليسارية والقومية في العالم العربي؟ 

Previewنبضٌ خافتٌ برغم الانحسار

على الرغم ممّا ألمّ بالحراكات العمّالية العربية من مرضٍ، لم يزل فيها شيئ من نبض ولو أنه ليس بمستوى الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تصيب هذه الشعوب. وما زلنا نسمع عن تظاهرات عمّال مصانع في مصر، واحتجاجات للأساتذة في لبنان والمغرب واليمن والجزائر، وإضرابات عامّة في العراق، فضلاً عن احتجاجات عمّالية كبيرة في دول الجوار كإيران وتركيا، علّه تتساقط آثارها على الدول العربية.

قامت مظاهرات وإضرابات عمّالية عدة منذ مطلع العام الحالي بعضها مستمرّ من العام الماضي، ولعل القطاع الأكثر مساهمة فيها هو القطاع التعليمي، والمؤشر الاقتصادي الأكثر تحفيزاً لها هو التضخّم الذي يضرب بالعديد من البلدان، فيأكل من أجور العمّال ورواتب المتقاعدين، ويضرب قدرتهم الشرائية.

مصر

عمّت مصر سلسلة من الإضرابات العمّالية منذ مطلع هذا العام، احتجاجاً على تراجع أوضاع العمّال وتردّي ظروف عملهم ومعيشتهم. لكن، يبقى إضراب مصنع المحلّة الذي يعمل فيه أكثر من 16 ألف عامل الأكثر تعبيراً، إذ تخلّله اعتقالات للعمّال، الذي احتجّوا على عدم شمولهم بقانون رفع الأجور الأخير. وعدَّ إضراب المحلة مُحركاً لإضراب عمّال شركة الزيوت والمنظّفات في مدينة أسيوط، الذين طالبوا بالزيادة نفسها في الأجور.

كذلك، نظِّم إضراب عمّالي آخر في شركة «تي أند سي» للملابس التركية، حيث يعمل حوالي 7 آلاف عامل. وهدفَ الإضراب إلى تحقيق زيادة في الأجور وتحصيل امتيازات وظيفية، علماً أنه أعقب الإضراب تهديدٌ بفصل القيادات العمّالية في حال عدم توقّفه. أيضاً، تصاعدت احتجاجات أخرى للعاملين في شركة «يونيفرسال» التي تشغّل نحو 3 آلاف شخص، وذلك بعد إقدام الإدارة على بيع الشركة من دون صرف مستحقّات العمّال المتراكمة منذ العام 2020.

لبنان 

منذ العام 2019، يمرّ لبنان بأزمة اقتصادية لا مثيل لها، انخفضت قيمة العملة المحلّية بأكثر من 98%، وتآكلت بنتيجتها قيمة الأجور، ولم يعد الحدّ الأدنى للأجور يساوى أكثر من 45% من قيمته (بالدولار) قبل الأزمة. وعلى الرغم من تزايد الفقر والبطالة وتزايد الهجرة، لم تشهد البلاد حركة عمّالية أو احتجاجية لافتة، باستثناء بعد التحرّكات التي نظّمها عاملون في القطاع العام وأساتذة الجامعة اللبنانية وأساتذة المدارس الخاصة. 

ومن أبرز التحرّكات التي شهدها العام 2024 حتى الآن، هي تلك التي نظّمها أساتذة المدارس الخاصّة للمطالبة برفع أجورهع ومضاعفة معاشاتهم التقاعدية سبعة أضعاف، لتعويض الوهن الذي أصابها بسبب التضخّم، بالإضافة إلى تحركّات أساتذة الجامعة اللبنانية، الذين لم يعد يتجاوز دخلهم الدولارين في الساعة. ويضاف إلى إضرابات القطاع التعليمي، إضراب موظّفي هيئة «أوجيرو» وشركة «ألفا»، الذين باتوا يتقاضون خُمس أجرهم السابق للأزمة. 

ويستمرّ في القطاع العام إضراب عمّال البلديات في جميع أنحاء لبنان، الذين يطالبون بأجور وظروف عمل أفضل، بالإضافة إلى إضراب مفتوح أقدم عليه 3,000 موظّف في وزارة المالية، من أجل تحصيل علاوة تشكّل 20% من الدخل. فضلاً عن إضرابات في الأجهزة القضائية والإدارية. 

كردستان 

عمّ إضراب تام دوائر السليمانية في شرق إقليم كردستان-العراق. شمل الإضراب دوائر المرور والمحكمة ودائرة الصحّة ومستشفى الجامعة ومعمل الأسمنت ودائرة الكهرباء، ودائرة الطابو، ودائرة كاتب العدل، ومديرية الجوازات، ومديرية البطاقة الوطنية، وغالبية المدارس، فضلاً عن جامعة السليمانية، والجامعة التقنية، والمجمع الطبّي، والمصارف المحلّية. وأتى الإضراب نتيجة تأخر صرف رواتب الموظفين، ورفضاً لقرار توطين الرواتب في بنك «حسابي» التابع لحكومة الإقليم، هذا في ظل خلافات مالية سياسية بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية.

ليبيا

في ليبيا، التي تمتلك أكبر احتياطي نفط في أفريقيا، ويعتمد اقتصادها على مبيعات النفط للاستمرار، توقّف في بداية العام الإنتاج في «المؤسسة الوطنية للنفط»، وهي شركة الطاقة المملوكة للدولة الليبية، بسبب الاحتجاجات في حقلي الشرارة والفيل النفطيين، إذ طالب العمّال والسكان ببناء مستشفى في أوباري، وتوظيف الشباب وتدريبهم، وإنشاء مصفاة في فزان لمعالجة النقص في الغاز والبنزين محلياً.

المغرب

شهدت المغرب احتجاجات وإضرابات عديدة منذ مطلع هذا العام، منها إضراب عام وطني في قطاع التعليم احتجاجاً على عدم سحب قرارات التوقيف في حقّ عدد من الأساتذة، والتعسّف والظلم الاجتماعي بإقصاء مطالب بعض الفئات التعليمية المزاولة والمتقاعدة. أيضاً، نظّمت مسيرة احتجاجية في العاصمة لموظّفي الجماعات الترابية (الجماعات المحلّية)، التي دعت وزير الداخلية إلى فتح حوار بشأن مطالب الموظّفين، وأهمّها إقرار النظام الأساسي، والزيادة في الأجور، وحلحلة ملف حاملي الشهادات. هذا، فضلاً عن اضطراب شلّ حركة المؤسّسات الصحّية في مختلف أنحاء المملكة، ما عدا مصالح الإنعاش ومرافق المستعجلات الحيوية، نتيجة نقاط خلافية بين العاملين في القطاع والحكومة، منها ما هو متعلّق بالزيادة في الأجور، وإقرار ترقية استثنائية للممرِّضين المساعدين والممرضين الإعداديين.

اليمن

في حضرموت، المحافظة التي تعاني من الفقر مُتعدّد الأبعاد، كحال باقي المحافظات المشمولة ضمن سلطة الحكومة اليمنية المدعومة من واشنطن والرياض وابو ظبي، يرزح أساتذة المدارس تحت وطأة الفقر الناتجة عن ضآلة الأجور التي يتقاضونها نسبة لغلاء الأسعار والخدمات الضرورية للحياة. منذ شهر شباط/فبراير الماضي، تخوض نقابة المعلّمين في حضرموت إضراباً مطلبياً احتجاجاً على نقص قيمة أجورهم. وفشلت السلطة المحلّية والنقابات في التوصّل إلى اتفاق لرفع الإضراب، على الرغم من خوضها نقاشات متواصلة. في بداية الإضراب كانت مطالب المعلّمين محصورة برفع الرواتب وصرف العلاوات السنوية وإعادة هيكلة الأجور، لكنهم أضافوا مؤخّراً، مطلب صرف مرتبات المتعاقدين، التي أوقفتها السلطة المحلّية بهدف الضغط عليهم ودفعهم لكسرالإضراب والعودة إلى العمل.

الجزائر

في الجزائر، قرر تكتل النقابات المستقلّة لأساتذة قطاع التربية الوطنية الدخول في إضراب لمدة يومين في آخر نيسان/أبريل المنصرم احتجاجاً على عدم تسلّمه نسخة عن مشروع القانون الأساسي الخاص بالأساتذة، بالإضافة إلى إمعان السلطة في سياسة التفرّد بالرأي والقرار والإخلال بالالتزامات والتعهّدات.

المثير للاهتمام أنه في العام الماضي، أعلنت الحكومة الجزائرية عن قائمة بالقطاعات والوظائف والمستخدمين الممنوع عليهم الإضراب لأي سبب كان. وتضمّ القائمة بحسب مرسوم  نشر في الجريدة الرسمية، قطاعات التربية والتكوين والتعليم، فضلاً عن الدفاع والأمن والعدل والداخلية والحماية المدنية والشؤون الخارجية والمالية والشؤون الدينية والطاقة والنقل، وهي قطاعات وصفها النص الحكومي بـ«الاستراتيجية والحساسة من حيث السيادة»، و«ذات أهمّية حيوية للأمة».

السودان

في السودان الممزّقة بالحرب، ويعاني أهلها ومن ضمنهم العمّال، من تدهور قيمة أجورهم نتيجة الارتفاع في أسعار المنتجات، توقف العمل في الموانئ المطلة على البحر الأحمر في هذا العام، إثر تنفيذ العاملين إضراباً تحذيرياً لمدة 24 ساعة، حملوا خلاله لافتات تُندِّد بـ«محاولات تفكيك الهيئة والتجنّي على حقوقهم».

تركيا

الأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها تركيا، وارتفاع معدّلات التضخّم كان لهما أثر كبير على العمّال ورواتبهم. شهدت مناطق تركية وقطاعات مختلفة احتجاجات عدّة لتحسين الرواتب منذ بداية العام الحالي، وأبرزها الإضراب الذي نفّذه عمّال قطاع تصنيع الفولاذ، الذي يوظّف أكثر من 163 ألف عامل، بالإضافة إلى احتجاج عمّال في منشأة للدواجن، الذي تعرّض إلى هجوم وحشي، نُقل على أثره 8 عمّال إلى المستشفى واعتقل 18 آخرون، إذ طالب العمّال بإعادة 100 عضو نقابي مفصول منذ العام 2021. 

على صعيد اقتصاد العمل المستقل، قام موظّفو دليفيري بإنشاء تنظيمات جديدة لمواجهة الشركة المشغّلة Vigo، بعد قضم الأخيرة من رواتبهم، وإلغائها الأجر على الساعة وحصرها الأجر بالتوصيلة. وفي القطاع العام، أضرب 5,560 عاملاً من عمّال بلدية إزمير لمدة يوم ونصف اليوم، مطالبين بعلاوات تعوّض الضعف الذي لحق برواتبهم نتيجة التضخّم. 

إيران 

لم يسلم أي قطاع اقتصادي في إيران من الإحتجاج أو الإضراب نتيجة التضخّم الذي تعاني منه البلاد، والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها. وشملت الإضرابات العمّال في قطاع إنتاج الحديد والصلب، والعمّال في قطاع النفط والغاز، والممرّضين والعاملين الطبيين، وعمّال تصنيع ألواح MDF، وسائقي الشاحنات، وعمّال مصافي الغاز، وفنيين ومهندسين في محطة تجميع المياه، وعمّال في مصنع تجميع الآلات، وعمّال في مصنع للسكر، ومتقاعدون يطالبون بزودات في تعويضاتهم.

نذكر على سبيل المثال، احتجاجاً للعمّال في بوشهر ضدّ تدني الأجور والعمل الإضافي الإجباري. ويضاف إليهم، إقدام الممرّضين والممرضات في مستشفى «فروردين 12 كوهنوغ» على استقالات جماعية، وتنظيم زملائهم في مستشفيات مدينة شيراز مظاهرات احتجاجية مماثلة في 10 آذار/مارس الماضي.

أيضاً، شهد قطاع الطاقة احتجاجات العمّال غير الرسميين في مصافي التكرير في حقل بارس الجنوبي للنفط والغاز. وشملت المطالب إلغاء الشركات المتعاقدة التي تستحوذ على جزء كبير من أجور العمّال المتعاقدين وتحسين الرعاية الاجتماعية للعمّال المتعاقدين.