التمثيل في جثَّة النقابات المُستقلَّة

  • صعود النقابات المُستقلَّة بين 2010 و2014 قابله هجومٌ شديدٌ ومُركّز عليها، حيث تمّ استبعاد العناصر المُناضلة من بعض النقابات، ما سمح لبعض العناصر الانتهازية بالوجود في قياداتها. 
  • تغييب الصوت العمَّالي والقبض على العمل النقابي لهما وظائف تتعلَّق بضبط ردود فعل العمَّال على السياسات والإجراءات القاسية والمُجحفة التي تستهدفهم.

وُضِع العمَّال في مصر بين مطرقة التضخّم وغلاء الأسعار اليومي، وسندان أصحاب الأعمال، الذين يريدون أن يتحمَّل العمَّال وحدهم تبعات أزمة اقتصادية لم يكن لهم يدٌ فيها ويكتوون بنارها. كلّ هذا، ولم يُسمَع صوتٌ للاتحاد العام لنقابات عمَّال مصر، اللهم إلَّا مناشدة لعضو في المجلس القومي للأجور بضرورة زيادة الحدّ الأدني للأجور ليصل إلى 3,500 جنيه أسوة بموظَّفي الدولة. وعند سؤال نائب رئيس الاتحاد مجدي البدوي عن توقُّعاته لرفع قيمة الحدّ الأدني في القطاع الخاص، أجاب «إن هذا الأمر غير متوقَّع من جانب أي شخص حالياً، لكنّه يتوقّف على المشاورات التي تجريها وزيرة التخطيط باعتبارها رئيس المجلس القومي للأجور مع أصحاب الأعمال، وكذلك على شكل الظروف الحالية». 

يواجه العمَّال فرادى تعسُّف أصحاب العمل، فعلى الرغم من أن أجور العمَّال الحقيقية في تناقص مُستمرّ، في الوقت الذي تزداد فيه الأسعار بشكل يومي، يستمرّ أصحاب العمل في التعدِّي على حقوقهم، ينقضّون على الأجور والحوافز والمكافأت  المتبقية، ويفصلون العمَّال. حتى بتنا نسمع عن عمّال يضعون حدّاً لحياتهم بسبب هذه الأوضاع البائسة، إذ حاول أحد عمَّال شركة يونيفرسال الانتحار بعد رفض إدارة الشركة صرف المستحقّات تنفيذاً لاتفاقية  عمل جماعية. هناك ثلاثة آلاف عامل يعملون في الشركة حرموا من أجورهم لثلاثة أشهر، ما جعلهم يمرُّون بأزمات مالية، وأصبحوا مدينين بمبالغ لا يستطيعون سدادها. كلّ ذلك ولم يلتفت الاتحاد العام لأزمة العمَّال سوى بعد محاولة الانتحار، واكتفى رئيس الاتحاد محمد جبران بالقول أنّه سوف يعقد اجتماعاً مع وزير القوى العاملة لبحث أزمة صرف مستحقّات العمّال. علماً أن الأزمة بين هذه الشركة وعمّالها تفاقمت قبل ذلك بكثير، وكان رئيس النقابة العامّة للعاملين بالصناعات الهندسية خالد الفقي، قد دعا في العام 2021 إلى تدخُّل الدولة واتحاد الصناعات لمحاسبة صاحب مجموعة يونيفرسال، الذي شرَّد وقتها 8 آلاف عامل في الشركة، وذكر أنه أرسل مكاتبات للوزير والجهات المعنيّة، وتفاوض مع صاحب المجموعة من دون فائدة.

يُقدَّر عدد المنضمّين إلى النقابات في مصر بنحو 3.1 مليون عامل وعاملة وفق إحصاءات العام 2020، إلّا أن هؤلاء لا يشكّلون سوى 11.8% من مجمل العاملين في العام نفسه والمُقدّر عددهم بنحو 26.2 مليون عامل وعاملةلا تختصر هذه الأمثلة أحوال العمّال، ولكنَّها توضح كيف يواجهون بؤسهم من دون أسلحة يمكن أن توفِّرها النقابات لهم، فبعد 13 سنة من محاولة العمَّال إعادة تأسيس نقابات تمثِّلهم وتعبِّر عنهم، بعيداً من الاتحاد الحكومي، ها هم متروكين بلا أي حماية.

ضعف المشاركة في النقابات

يُقدَّر عدد المنضمّين إلى النقابات في مصر بنحو 3.1 مليون عامل وعاملة وفق إحصاءات العام 2020، إلّا أن هؤلاء لا يشكّلون سوى 11.8% من مجمل العاملين في العام نفسه والمُقدّر عددهم بنحو 26.2 مليون عامل وعاملة. تعبِّر هذه التقديرات عن معدّل كثافة النقابات، الذي شهد ارتفاعاً من 14.1% في العام 2010 إلى 16.5% في العام 2017، لينخفض بعدها وصولاً إلى 11.8% في العام 2020، أي إلى أقل ممّا كان عليه قبل 2010.

الإحصاء الوحيد الموجود عن توزّع عضوية النقابات وفق النشاط الاقتصادي، لا يتيح إمكانية استخراج معدّل كثافة النقابات في كلّ نشاط أو قطاع على حدى، نظراً لعدم تطابق تقسيم الأنشطة في هذا الإحصاء مع تقسيمها في إحصاءات العمالة والتشغيل، إلّا أن هذه الإحصاءات تتيح استخراج مُعدّلات الانضمام إلى النقابات في الأنشطة المُتماثلة في التقسيمات المختلفة، إذ يتبيَّن أنّها متفاوتة جدّاً بين نشاط اقتصادي وآخر. على سبيل المثال، بلغ أعلى مُعدّل كثافة للنقابات في العام 2020 في قطاعي استغلال المناجم والمحاجر والبترول (56.9%)، يليها النقل والتخزين (49.5%)، ثمّ الكهرباء والغاز والمياه (36.8%). بينما كان أدنى معدّل كثافة في التجارة والمطاعم والفنادق (2.2%)، يليها في الزراعة والصيد وقطع الغابات (2.9%)، ثمّ في الصناعات التحويلية (4.4%)، وأخيراً لتشييد والبناء (4.8%).

على الرغم من المنحى العام الهبوطي لمعدّل كثافة النقابات، إلّا أن المنحى كان معاكساً في أنشطة معيّنة مثل التشييد والبناء والكهرباء والغاز والماء، ولا سيّما في قطاع النقل والتخزين، الذي ارتفع فيه المعدّل من 3% في العام 2010 إلى 49.5% في العام 2020.

ماذا تبقى من النقابات المُستقلَّة؟

لا شكّ أن هناك أسباباً وعوامل عدّة لتراجع معدّل الانضمام إلى النقابات العمَّالية في مصر، إلّا أن أحد هذه الأسباب يكمن في الاستهداف المُمنهج الذي تعرّضت له النقابات المُستقلِّة، بهدف تقويض قوَّتها وثقة العمَّال بها.

نشأت النقابات العمَّالية المُستقلَّة لكسر احتكار التمثيل النقابي من قبل نقابات الاتحاد الحكومي، واجتذبت النقابات الوليدة الكثير من الأعضاء بين العامين 2010 و2014، نظراً لما حقّقته من مكاسب للعمَّال الذين تمثِّلهم، وذلك عبر التفاوض المصحوب دائماً بالقدرة على الحشد والاحتجاج. مثلما حدث مع نقابات النقل، وعلى رأسها نقابة هيئة النقل العام في القاهرة، ونقابات شركات الغاز مثل نقابة شركة غاز مصر ونقابة شركة صيانكو، اللتين استطاعتا في خلال ذلك الحراك تثبيت العمالة المؤقتة، وتحسين وضع العمالة اليومية ممّا كان سوف يؤهّلها للتثبيت لو لم يغلق المجال العام، بالإضافة لما تمّ تحقيقه من مطالب خاصّة في الأجور والحوافز.

نشأت النقابات العمَّالية المُستقلَّة لكسر احتكار التمثيل النقابي من قبل نقابات الاتحاد الحكومي، واجتذبت النقابات الوليدة الكثير من الأعضاء بين العامين 2010 و2014هذا الصعود للنقابات المستقلّة قابله هجومٌ شديدٌ ومُركّزٌ عليها، وحروب تكسير العظام، بحيث تمّ استبعاد العناصر المُناضلة من بعض النقابات، ما سمح لبعض العناصر الانتهازية بالوجود في قياداتها. وصدر قانون التنظيمات النقابية في نهاية العام 2017، الذى وضع شروطاً تعجيزية لتوفيق أوضاع النقابات المُستقلَّة واللجان العمَّالية، ما جعل أكثرها غير مستوفٍ لهذه الشروط.

لا تقدّم الإحصاءات المُتاحة معلومات وافية ودقيقة عن العضوية الحقيقية فى النقابات، خصوصاً في النقابات التابعة للاتحاد الحكومي، إذ أن القانون الجديد ميَّز بوضوح بين نقابات «الاتحاد العام» والنقابات المُستقلَّة، فأعفى الأولى من التقيّد بشروطه التعجيزية، وفرض تطبيقها على الثانية، حيث لا تكتسب النقابة المستقلَّة شخصيَّتها الاعتبارية إلّا بعد توفيق أوضاعها وإعادة تأسيسها وفقاً لأحكام هذا القانون تحت طائلة حلِّها. وحظر القانون تشكيل أكثر من لجنة نقابية في المنشأة الواحدة، واشترط ألَّا يقل عدد العمَّال عن 150 عضواً لتكوين لجنة نقابية، كما اشترط أن تضمّ النقابة العامة 15 لجنة نقابية على الأقل، وأن يضمّ الاتحاد النقابي 10 نقابات عامّة على الأقل، وأعاد القانون الجديد استنساخ الهرم التنظيمي القديم الذي يفرض وجود اتحاد عام واحد لكل النقابات العمَّالية، وهو الاتحاد الخاضع لسيطرة الحكومة.

جاء قانون تنظيم النقابات العمَّالية بمثابة ضربة قاسية جدّاً للعمل النقابي، وساهم بتخفيض عدد العمَّال المنظَّمين نقابياً. ليس هذا فحسب، بل تمّ اللجوء إلى أساليب الفصل والنقل والاعتقال كعقاب للكثيرٍ من النقابيين، كما حصل مع نقابتي غاز مصر وصيانكو، على سبيل المثال لا الحصر. ودفعت الضغوط بعض النقابات المُستقلَّة للانضمام إلى الاتحاد العام، بحجّة المحافظة على الوجود في ظل العجز عن استيفاء شروط القانون الجديد المُجحف، أو بفعل وجود عناصر انتهازية في قياداتها.

الانتخابات النقابية كأداة تطويع

بعد الانتخابات النقابية في العام 2018، اندمج عدد من اللجان النقابية المُستقلَّة في النقابات العامّة القديمة التابعة للاتحاد الحكومي، كما أن عدداً من النقابات المُستقلَّة العامّة الكبيرة انضمَّت بكلّ عضويتها إلى الاتحاد الحكومي من بينها نقابة عمَّال هيئة النقل العام، التى كانت في السابق جزءاً من نقابة النقل البري التي يرأسها جبالي المراغي رئيس اتحاد العمَّال في ذلك الوقت، لتقعا جنباً إلى جنب داخل هياكل الاتحاد، كان وضع نقابة الفنِّيين الصحِّيين هو نفسه وضع نقابة هيئة النقل العام، فقد دخلت إلى الاتحاد لتبقى بجوار نقابة العاملين بالخدمات الصحِّية، التي كان أعضاء النقابة العامّة للفنِّيين الصحِّيين جزءاً منها في السابق.

النقابات المُستقلَّة التي دخلت إلى حظيرة الاتحاد الحكومي بقي التعامل معها على أنها «مستقلة»، في حين أن النقابات التي حافظت على استقلاليَّتها خارج الاتحاد عانت من محاولات تفتيتها وعدم الاعتراف بها، أو تعطيل انتخاباتهاشكّلت انتخابات الاتحاد العام لنقابات عمّال مصر محطّة إضافية على طريق تقويض تجربة النقابات المُستقلَّة، فقد دخل بعض قياداتها في اتفاقات مع قيادات الاتحاد العام، لكي تشمل قائمة المرشَّحين نقابيون ينتمون إلى النقابات المُستقلَّة، إلَّا أن قياديي الاتحاد لم يلتزموا بتلك الاتفاقات، وتمّ استبعاد النقابيين المُستقلِّين من قوائم الترشيح، إلى جانب من أصرَّ على دخول النقابات المُستقلَّة إلى الانتخابات من خارج عباءة قيادة الاتحاد. لقد عرقلت مديريات وزارة القوى العاملة استلام أوراق نقابات مُستقلَّة في الانتخابات النقابية، واختفت ملفات نقابات بالكامل، على الرغم من تسليمها لموظَّفي القوى العاملة بموجب إيصال. تم استبعاد الكثير من النقابيين الذين تقدَّموا للترشّح في نقابات تابعة للاتحاد، مثلما حدث في نقابة شركة الموانئ ونقابة هيئة النقل العام. 

يُعتبر عدد الدعاوى القضائية التي جرى النظر فيها في يومٍ واحدٍ في مجلس الدولة في القاهرة وحدها، بعد الاستبعاد في المرحلة الأولى من هذه الانتخابات، بمثابة الدليل على مدى اتساع دائرة الاستبعاد والشطب. فقد قضت الدائرة الثانية بمحكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة، يوم 27 أيار/مايو بإحالة 62 دعوى قضائية تطالب ببطلان انتخابات النقابات العمَّالية إلى محكمة شمال القاهرة للاختصاص، بالإضافة إلى شكاوى من اتبعوا الطريق الذي رسمه قانون النقابات للتقاضي بعيداً من مجلس الدولة.

من الواضح أن النقابات المُستقلَّة التي دخلت إلى حظيرة الاتحاد الحكومي بقي التعامل معها على أنها «مستقلة»، في حين أن النقابات التي حافظت على استقلاليَّتها خارج الاتحاد عانت من محاولات تفتيتها وعدم الاعتراف بها، أو تعطيل انتخاباتها بهدف الطعن بصفتها التمثيلية في أي مفاوضات أو تحرّكات. وقد تعرَّضت النقابة العامَّة للعاملين بالضرائب العقارية للكثير من التعسّف، إذ امتنعت وزارة القوى العاملة عن الاعتراف بالعديد من اللجان النقابية للعاملين بالضرائب العقارية في العديد من المحافظات، ممّا عرقل إمكانية تأسيس نقابة عامة طبقاً للقانون.

جرى كلّ ذلك في ظل القبضة الأمنية، وفي سياق تصفية قدرة العمَّال على الاحتجاجات الكبيرة. فقد بدأت حملة واسعة قبل الانتخابات النقابية في العام 2018، وقد أعقبت وضع قانون النقابات الجديد موضع التنفيذ. ففي أيلول/ سبتمبر 2017،  ألقت أجهزة الأمن المصرية القبض على 11 نقابياً يمثِّلون نقابات الضرائب العقارية والضرائب العامَّة وضرائب المبيعات والكهرباء، وكلّها نقابات مستقلّة، ووجهت لهم اتهامات بالتحريض على الإضراب عن العمل والتظاهر، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والانتماء إلى مجموعة يحظرها القانون والدستور (المقصود بها النقابات المُستقلَّة). أتى الاعتقال على خلفية دعوة النقابة العامّة للعاملين بالضرائب المصرية إلى وقفة احتجاجية يوم 19 أيلول/ سبتمبر أمام مبنى الضرائب العامّة، وذلك للمطالبة بنظام حوافز عادل وتطوير بيئة العمل ونظام الرعاية الصحّية. حظيت تلك القيادات بالتضامن الدولي، وذلك ما ساعد على تقصير مدد اعتقالهم.

أتت الانتخابات الثانية بعد القانون لتكرِّس الأوضاع نفسها التي كانت موجودة، فاتحاد العمَّال باقٍ كصخرة صمَّاء فوق رؤوس العمَّال مسنودٌ من أجهزة الدولة وفي المقابل لا يمارس أياً من أدواره.

اتحاد العمَّال باقٍ كصخرة صمَّاء فوق رؤوس العمَّال مسنودٌ من أجهزة الدولة وفي المقابل لا يمارس أياً من أدوارهضمّ الاتحاد العام لنقابات العمَّال في الانتخابات الأخيرة (2022-2026) 29 نقابة، 27 نقابة منها تابعة للاتحاد العام بالإضافة إلى نقابتين مستقلَّتين عنه، وهما نقابة النقل والمواصلات ونقابة الإسعاف. وقد فاز في هذه الانتخابات 19 من رؤساء النقابات بالتزكية، بينما فاز 10 بالانتخاب عن طريق الاقتراع السرّي. وذكر تقرير دار الخدمات النقابية والعمَّالية أنه جرى استبعاد أكثر من 1,500 مرشّحاً مستخدمين الطرق التقليدية نفسها عبر امتناع المسيطرون على مجالس نقابات العمَّال عن إعطاء من يرغبون في الترشّح المستند الدال على عضويتهم بالنقابات (وهي أحد الأوراق الأساسية التي يشترط أن يتقدّم بها المرشّح) مثلما حدث في نقابة العلوم الصحّية. كما امتنع بعض موظّفي وزارة القوى العاملة عن إعطاء بعض المرشّحين والمرشّحات إيصالاً بعد تسلّمهم أوراق ترشحهم، مثلما حدث مع مرشّحي شركة مياه الشرب والصرف الصحّي في الجيزة والمنيا، ممّا دفع المرشّحين إلى تحرير محاضر في أقسام الشرطة، فحُلَّت مشكلة بعضهم، وبقيت مشاكل بعضهم الآخر معلّقة. أيضاً ألغِيت انتخابات بعض النقابات المُستقلّة ممّا جعلها معلّقة وعاجزة عن ممارسة دورها

الصراع على التمثيل

يحظى الاتحاد العام برعاية أجهزة الدولة الإدارية والأمنية، وبالتالى لا حاجة لقياداته لاسترضاء قواعد العمَّال التي يُفترض أنه يمثِّلها ويعبِّر عنها. تحفظ له تلك الأجهزة احتكار تمثيل العمَّال في المؤسَّسات التشريعية باسم العمَّال، وفي اللجان والوزارات المختلفة، وكذلك في المجلس القومي للأجور. في المقابل لا تثير تلك القيادات أي إشكاليَّات تتعلّق بما يتعرَّض له العمّال.

في 3 أيار/مايو الماضي، انطلقت جلسات الحوار الوطني، وكان الغائب الأكبر فيها صوت العمّال الحرّ. ولكن هذا التغييب له تاريخ طويل في ظل مصادرة صوت العمّال واحتكار تمثيلهم من قبل الاتحاد العام الخاضع لسيطرة الحكومة والمصالح التي تمثّلها في الاقتصاد والمجتمع. 

في الأول من أيار/ مايو 2023، أصدرت دار الخدمات النقابية والعمَّالية وثيقة بمناسبة عيد العمَّال، تطرح فيها السؤال: لماذا يغيب الصوت العمَّالي؟ يتضمَّن الجواب قائمة طويلة من عمليَّات تزييف التمثيل العمَّالي، عبر تقييد حقّ التنظيم، والتلاعب بالانتخابات النقابية، وانتهاك الحرِّيات النقابية، وحقّ العمَّال في اختيار ممثليهم بحرِّية، وحرمان نحو 2,000 من المتقدمين بطلبات الترشّح من حقّهم في الترشّح، فضلاً عن مواصلة الضغط على المنظّمات النقابية المُستقلَّة لإكراهها على الانضمام إلى الاتحاد العام الحكومي.

من غير المقبول أن تكون العمالة الرخيصة أو التعسّف في علاقات العمل والحرمان من الأمان الوظيفي، ضمن حوافز الاستثمار التي تقدِّمها الدولة للمستثمرين المحلِّيين أو الأجانبإلّا أنّ تغييب الصوت العمَّالي والقبض على العمل النقابي لهما وظائف تتعلَّق بضبط ردود فعل العمّال على السياسات والإجراءات القاسية والمُجحفة التي تستهدفهم. على سبيل المثال، لم تسأل الحكومة العمَّال عن موقفهم من سياسة ملكية الدولة، في حين فعلت ذلك مع منظَّمات رجال الأعمال والمُستثمرين، على الرغم من أن هذه السياسة تمسُّ مصالح فئات وقطاعات الشعب المصري جميعها. تشير وثيقة الدار إلى إعلان الحكومة في 8 شباط/ فبراير الماضي عن تجهيز 32 شركة مختلفة للطرح العام عبر البورصة المصرية، أو للطرح على مستثمر استراتيجي لزيادة رأس المال أو الاستحواذ على جزء من الشركة، وذلك على مدار عام كامل يبدأ من الربع الحالي من العام 2023 وحتى نهاية الربع الأول من العام 2024، ولم تصدر كلمة واحدة تمثّل العمَّال، ولا سيّما الذين يعملون في هذه الشركات، ولا يسأل أحد عن حقوقهم.

تلفت الوثيقة في هذا السياق إلى أنه «من غير المقبول أن تكون العمالة الرخيصة أو التعسّف في علاقات العمل والحرمان من الأمان الوظيفي، ضمن حوافز الاستثمار التي تقدِّمها الدولة للمستثمرين المحلِّيين أو الأجانب». وهنا بيت القصيد. فما يجري على الصعد المختلفة، بما في ذلك تعديل قانون العمل، يصبُّ في خدمة رأس المال الباحث عن المزيد من فرص الاستغلال، لتحقيق الكثير من الربح على حساب العمّال وأجورهم ومستوى معيشتهم.