استعادة ماركس: مبادئ العدالة كأساس حاسم في الواقعية الأخلاقية

  •  الناس، وفقًا لماركس، ليس لديهم فقط احتياجات مختلفة في فترات تاريخية مختلفة، بل تتظوّر تلك الاحتياجات طبيعياً مع النشاط البشري، ومن الناحية التاريخية، تتوسّع بالتزامن مع تطوّر قوى الإنتاج.
     
  • ينبع الاستغلال الرأسمالي بشكل أساسي من حقيقة أن العمّال، بسبب حالة انعدام الملكية لديهم، مجبرون على بيع قوة عملهم للرأسماليين، الذين يمتلكون جميع وسائل الإنتاج. وهكذا فإنّهم يحتفظون بجزء مما ينتجونه، يضطرون إلى التنازل عن الباقي من دون مقابل.
     
  • إن المفهوم المادي التاريخي لتحوّل الحاجات الإنسانية ينطبق على المجتمع الشيوعي بقدر ما ينطبق على أي مجتمع آخر. كما يعني ضمناً أن حتى مثل هذا المجتمع سيحتاج إلى مبادئ للعدالة خاصة به.

الرأسمالية غير عادلة

في معرض إيضاحه النموذجي لمعارضته الشديدة للصياغات الجامدة والمُجسّدة، يقول ماركس، في مخطوطته نظريات فائض القيمة، بنبرة إنسانية وديالكتيكية واضحة، أن: "الإنسان نفسه هو أساس إنتاجه المادي، بقدر ما هو أساس أي إنتاج آخر يقوم به. لذلك فإن جميع الظروف التي تؤثّر على الإنسان، الذي يُعدّ محور الإنتاج، تُعدّل بشكل أو آخر جميع وظائفه وأنشطته، وبالتالي وظائفه وأنشطته كمنشئ للثروة المادية، أي للسلع. في هذا الصدد، يمكن في الواقع إثبات أن جميع العلاقات والوظائف البشرية، مهما كانت وبأي شكل قد تظهر وتؤثر على الإنتاج المادي بشكلٍ حاسم1 .

بطبيعة الحال، فإن البشر في المستوى الأكثر تجريداً لتحليل ماركس لا يظهرون كأفراد منفصلين يعيشون وينخرطون في كل تلك الأنشطة، بل بالأحرى كتجسيدات لطبقات مُحدّدة، والتي ينشأ منها الفهم النظري العام للنظام الاجتماعي. لقد شدّد ماركس في منهجه في جميع الأوقات على "تاريخانية المفاهيم" حتى على مستوى التحليل الأكثر تجريداً. كان التاريخ الحقيقي هو الحَكم الأخير في الأسئلة النظرية؛ فإذا كان تحليل ماركس للمجتمع الرأسمالي في شكله النقي هو أعظم إنجازاته، فلم يكن ذلك لأن هذه النظرية تتجاوز التاريخ، بل لأنها تستخرج من كل شيء العناصر الأكثر أهمية في العملية التاريخية الرأسمالية. ومن ثم، فإن إنجاز ماركس في هذا الصدد كان اكتشافه لجوهر الرأسمالية مُتمثلاً في رغبة الرأسمالي في مراكمة المال بأي ثمن على حساب المجتمع ككل. بالنسبة لماركس، بناءً على تحليله المجرد لمفهوم الرأسمالي باعتباره مراكم، فإن "الدافع والمحرّك الأساسي للإنتاج الرأسمالي هو زيادة قيمة رأس المال إلى أقصى حدّ ممكن، أي أكبر إنتاج ممكن لفائض القيمة، ومن ثم أكبر استغلال ممكن لقوة العمل من قبل الرأسمالي"2 .

إن هذا الفهم للقوة الدافعة للرأسمالية هو الذي يشكّل منهجية الحجج الرئيسية في هذا المقال: أي ما هي الأسس العقلانية  للمبادئ الماركسية للعدالة، وبأي طريقة يمكن أن تعمل على نشرها؟ يعتبر حجر الزاوية في حجتنا أن ماركس قد أدان الرأسمالية باعتبارها غير عادلة؛3 وأن نقد ماركس الاقتصادي كان قائماً أساساً على مفهوم مُعيّن للطبيعة البشرية، أي تحليل لا يستند إلى مفهوم أيديولوجي للطبيعة البشرية، ولكن بدلاً من ذلك، يفترض مفهوماً علمياً للطبيعة البشرية، يمكن التحقّق منه تجريبياً، والذي ينظر للبشر باعتبارهم كيانات اجتماعية واقتصادية لها احتياجات جسدية وروحية وفكرية يجب إشباعها.4 لو كان البشر محض أرواح، لما كان ماركس قد كتب رأس المال.

وفق الفرضية السابقة، سيركز هذا النهج بشكل أساسي على اعتبارين.5 أولًا، من أجل إيضاح أساسيات مفهوم العدالة، وبالتالي، قابلية تطبيقه على "مجتمع شيوعي" مفترض، سيتم تحليل الموقف الماركسي تجاه العدالة من خلال النظر في المفاهيم الأساسية لمنطق ماركس: أي الفكرة القائلة بإن الاحتياجات والقدرات البشرية تتطور تاريخياً من حيث علاقتها بتطوّر قوى الإنتاج. ثانياً، إذا ثَبت أن مفهوم العدالة ضروري وأساسي وفق منطق المادية التاريخية، فهل هناك أساس منطقي لهذا "المجتمع العادل" المزعوم، أم أنه خيالي؟

مفهوم للعدالة ضروري لحل النزاعات

من الضروري أن نقتبس من الفقرة المعروفة في مقدّمة ماركس لكتابه "مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي":

إن الناس في إنتاجهم الاجتماعي لحياتهم يدخلون في علاقات مُحدّدة، ضرورية ومستقلّة عن إرادتهم، وهي علاقات إنتاج تُناظر مرحلة معيّنة من تطوّر قواهم الإنتاجية المادية. ويشكّل مجموع علاقات الإنتاج هذه البنيان الاقتصادي للمجتمع، أي يشكّل الأساس الحقيقي الذي يقوم فوقه صرح علوي قانوني وسياسي وتتماشى معه أشكال اجتماعية. فنمط إنتاج الحياة المادية يتحكّم في العملية الاجتماعية والسياسية وعقلية الحياة عموماً. إذ ليس وعي الناس هو الذي يُحدّد وجودهم، بل وجودهم الاجتماعي هو الذي يُحدّد وعيهم. فعندما تصل قوى المجتمع الإنتاجية المادية إلى درجة معيّنة من تطوّرها تدخل في صراع مع علاقات الإنتاج القائمة أو بالتعبير القانوني مع علاقات الملكية التي كانت تعمل في ظلّها حتى ذلك الوقت. وتتحوّل هذه العلاقات من أشكال لتطوّر قوى الإنتاج إلى قيودٍ عليها. وعندها تحلّ حقبة من الثورة الاجتماعية. فتعديل الأساس الاقتصادي (البنية التحتية) يجرّ في أذياله تغيراً سريعاً لكلّ الصرح العلوي الهائل (البنية الفوقية)6 .

هذه الفقرة بأكملها، مع إشارتها لمواقع وبِنى مُحدّدة،7 هي استعارة معمارية؛ فهناك أساس اقتصادي تقوم عليه البنية الفوقية السياسية والقانونية.8 ومن الجدير بالذكر أن ماركس لم يحاول استبعاد العوامل الثقافية من فهمه "للبنية الاقتصادية للمجتمع". وهكذا أشار في كتابه رأس المال إلى "علاقات الإنتاج" و"أشكال التواصل"، - تتعلّق الأخيرة عموماً بمجال التواصل بين الذوات - كعناصر مترابطة وغير قابلة للتجزئة في الدستور الاجتماعي للممارسة الإنسانية9 .

علاوة على ذلك، فإن الاقتباس الافتتاحي المأخوذ من مخطوطة ماركس "نظريات فائض القيمة" قد يلقي بعض الضوء على العملية التاريخية المستمرّة المتصوّرة لتشكيل وتحويل الاحتياجات البشرية في سياق النشاط الإنتاجي، أي أن إشباع احتياجاتنا الحالية يتقلّص ويتقيّد بالضرورة بفهمنا المحدود لكيفية تعارض هذه الاحتياجات مع بعضها البعض، بسبب عملية تطوّرها ذاتها. لذلك يصبح وجود مفهوم للعدالة ضرورياً لحلّ النزاعات المُحتملة. فضلاً عن ذلك، فإن المطلوب هو فكرة ما عن الاحتياجات لا يظهر فيها تحقيق الذات والمجتمع كمعيارين مستقلين، بل يشكلان مفهوماً واحداً مركّباً للخير والمصلحة. سيسهّل هذا بعد ذلك محاولتنا لشرح كيف أن القيم الأساسية لتحقيق الذات والمجتمع مترابطة (راجع أول اعتبارين تم توضيحهما في نهاية القسم الأول).

ويترتب على ذلك أن الناس، وفقًا لماركس، ليس لديهم فقط احتياجات مختلفة في فترات تاريخية مختلفة، بل أن تلك الاحتياجات تتطوّر طبيعياً مع النشاط البشري، ومن الناحية التاريخية، تتوسّع بالتزامن مع تطوّر قوى الإنتاج (تطوّر القدرات البشرية للسيطرة على قوى الطبيعة)، وبالتالي توفير المزيد من الزخم لهذا التطوّر: "إن إشباع الاحتياج الأول، وفعل الإشباع، وأداة الإشباع التي تم الحصول عليها، كلهم يؤدّون إلى احتياجات جديدة، وهذا الخلق لاحتياجاتٍ جديدة هو أول فعل تاريخي"10 .

دعونا ننتقل الآن إلى معالجة السؤال المتعلّق بالأساس الذي يتمّ توزيع العمل بين الأفراد المختلفين في المجتمع الحديث بناءً عليه. يمكن الإجابة على السؤال على أفضل وجه إذا كان بإمكان المرء أن يلجأ إلى توزيع القدرات بما يتوافق مع متطلّبات الإنتاج والحاجة الاجتماعية. لكن الاحتياجات والقدرات تتطوّر وتتغيّر، بحيث تظهر قدرات جديدة من خلال نشاطنا، وتثير الاختراعات الجديدة قدرات كامنة فينا، وتأتي الإمكانات الجديدة للاستمتاع باحتياجات جديدة. لكن الاحتياجات والقدرات مُرتبطة بالإنتاج، وإن كان هذا الارتباط لا يشير بالضرورة إلى عملية تطوّر متناغمة ومتناسبة بين الاثنين، كيف يمكننا إذن معالجة إشكالية توزيع العمل؟ يُفترض أن أعضاء المجتمع الحديث هم أفراد متعدِّدو الأوجه، أي أنهم يمتلكون القدرة والرغبة في الانخراط في العديد من الأنشطة الإنتاجية، وبالتالي يمكنهم الانتقال من مجال إنتاج إلى آخر. وما يقوم عليه أساس حاجة هؤلاء الأفراد للعمل من أجل تلبية احتياجات المجتمع هو: المجتمع وتحقيق الذات.

الأول هو أن احتياجات المجتمع تؤخذ على أنها أساسية في تحديد توزيع العمل؛ إذ يبدو أن الأفراد يمارسون إيثاراً عميق الجذور، وشِبه طبيعي. ثم لا بدّ للمرء أن يستنتج أن الأفراد سوف يظهرون لا مبالاة تجاه طبيعة العمل الذي يؤدونه. غير أن هذا الوضع شبيه بعلاقات الصناعة الرأسمالية كما وصفها ماركس.11 وفقاً لذلك، إذا تمّ اعتبار احتياجات المجتمع أساسية في تحديد توزيع العمل، فإن المجتمع الشيوعي (المفترض) سيعمل بشكل مشابه للرأسمالية، وهذا ليس ما كان يفكّر فيه ماركس أو يقصده. لذلك، فإن الفكرة القائلة بأن القيام بالعمل لتلبية الاحتياجات الاجتماعية ينبع من الإحساس بـ "خدمة الشعب" وليس من الطبيعة الجوهرية للأنشطة التي يتمّ إجراؤها لا يتوافق بشكل جيّد مع توصيف ماركس المفترض لأعضاء المجتمع الشيوعي، فالأفراد يمتلكون احتياجات مستقلة للنشاط الذاتي وتحقيق الذات. هذا لا يعني أن هؤلاء الأعضاء سيكونون غير مبالين باحتياجات المجتمع، بل مهتمين فقط بالممارسة الكاملة لقدراتهم. علاوة على ذلك، فإن الاعتراف، كما كان سيفعل ماركس، بأن وسائل الإنتاج المادي (أي وسائل تحقيق الذات) هي شرط أساسي للانخراط (غير المقيّد) للقدرات الإبداعية البشرية، من أجل تلبية احتياجات العمل المنتج بالكامل من شأنه أن يجهد الموارد (حتى موارد المجتمع الشيوعي الغزيرة، إذا جاز التعبير). وبناءً على ذلك، فإن التطوّر غير المقيّد لقوى الإنتاج يمكن أن يعمل على توفير حلّ للنزاعات المحتملة بين احتياجات تحقيق الذات. مع ذلك، يبدو أن هذا التطوّر يستتبع، على ما يبدو، ولكن ليس بالضرورة، تركيز وسائل الإنتاج وزيادة مقابلة في الموارد المُستهلكة في النشاط الإنتاجي؛ ممّا يزيد من تعقيد احتمالية نشوب النزاعات.12 ونتيجة لذلك، فإن نموّ قوى الإنتاج، بأي حجم، لن يضمن بالضرورة حلّ مشكلة توزيع وسائل تحقيق الذات. في ختام هذه الحجّة، يجب أن يُقال بوضوح أن ما سبق ذكره لا يعني استحالة مواءمة الاحتياجات الاجتماعية، بل بالأحرى أن طابعها والوسائل اللازمة لتحقيق الذات لا يمكن تحديدها بدقة مسبقاً بسبب حقيقة أن الاحتياجات الفردية والتاريخية تتغيّر في سياق النشاط البشري.

وهكذا، عند صياغة شرح شامل للاعتبار الأول المطروح في نهاية القسم الأول، يترتّب على ذلك أن منطق الفكرة الماركسية للتطوّر التاريخي للاحتياجات البشرية يفضي إلى الاستنتاج بأن بناء مجتمع تُعرَف فيه الاحتياجات الفردية والاجتماعية، وكذلك وسائل إشباعها غير ممكن. وهذا يعني أن الخلافات المحتملة فيما يتعلّق بتوزيع الموارد لا يمكن استبعادها. وبالتالي، هناك حاجة إلى بعض مبادئ العدالة، حتى في مجتمع شيوعي مفترض، لتوفير حل لمثل هذه النزاعات.13 مع أخذ هذا في الاعتبار، سنعالج الاعتبار الثاني المطروح هنا أي: بما أن مفهوم العدالة قد ثبت أنه جزء لا يتجزّأ من منطق المادية التاريخية، فهل هناك أساس منطقي لهذا "المجتمع العادل" المزعوم، أم أنه خيالي؟

القيم العقلانية في نقد المجتمع العادل

ينبع الاستغلال الرأسمالي، بالمصطلحات الماركسية، بشكل أساسي من حقيقة أن العمّال، بسبب حالة انعدام الملكية لديهم، مجبرون على بيع قوة عملهم للرأسماليين الذين يمتلكون جميع وسائل الإنتاج. وهكذا فإن العمّال، بينما يحتفظون بجزء فقط مما ينتجونه، يضطرون إلى التنازل عن الباقي للرأسماليين (فائض الإنتاج) من دون مقابل. أي: 1) يكون العمّال هم الطرف الخاسر في التوزيع غير المتكافئ لوسائل الإنتاج. 2) يخضعون لتوجيهات أرباب عملهم الرأسماليين. 3) يكونون مُجبرين على إنتاج فائض الإنتاج لهؤلاء الرأسماليين.14 كما ذكرنا أعلاه، من الافتراضات الرئيسية لهذا المقال أن ماركس اعتبر الاستغلال الرأسمالي غير عادل. فأين تكمن لاعدالة الاستغلال الرأسمالي وفقاً لاعتقاد ماركس؟ يقدّم جيري كوهين15 استدلالاً فلسفياً بليغاً للردّ على ما سبق ذكره، وسنقدّم جوهره أدناه16 .

إن الاستخراج غير عادل لأنه يعكس توزيعاً غير عادل، وتوزيع الأصول غير عادل لأنه يولّد ذلك الاستخراج غير العادل. الأشياء الصحيحة التي يجب قولها عن الاستغلال في الماركسية هي كما يلي. أولًا، الاستخراج القسري للفائض خطأ بسبب ما هو عليه، وليس لأنه يرث خطأ شيء آخر. ثانياً، استناداً إلى افتراضنا المعقول بأن الغرض الوحيد من وسائل الإنتاج هو صنع مُنتج، فإن توزيع وسائل الإنتاج يكون غير عادل فقط إذاً، ولأنه يتيح نقلاً غير عادل لمنتَج. أخيراً، حقيقة أن نقل المنتج هو غير عادل عندما (لأنه) يتم تحقيقه عن طريق سوء توزيع لوسائل الإنتاج لا يجعل التوزيع الخاطئ أمراً أساسياً من الناحية المعيارية. الاعتقاد بهذا هو خلط بين الأساس السببي والمعياري.

يعتبر نقل المنتج غير عادل إذا حدث فقط لسبب خاطئ. إذا كان نقل المنتج غير المتبادل لا يعكس سوى تفضيلات مختلفة بطريقة مباشرة، فإن النقل ليس غير عادل. ولكنه يكون غير عادل عندما ولأنه ناتج عن منح الأصول غير المتكافئة، وهو أمر غير عادل لأنه يؤدّي إلى تدفّق غير مشروع وقسري غير قائم على التفضيل. لذلك يمكننا أن نقول إن الاستخراج غير عادل لأنه يأتي من توزيع غير متكافئ للأصول، وأن هذا الأخير غير عادل كذلك لأنّه يولّد استخراجاً غير عادل. والتدفّق غير عادل لأنه يعكس تقسيماً غير عادل للموارد والذي هو غير عادل لأنه يميل إلى إنتاج مثل هذا التدفق بالضبط17 .

ما سبق مفيد لغرض توضيح ودمج وتحليل جوهر المفاهيم المساهمة في التعرف إلى القيم العقلانية في نقد المجتمع العادل، وما إذا كان يمكن للمجتمع أن يوجد خارج العدالة. سأنتقل الآن إلى قراءة آراء ماركس حول العدالة لا سيّما نقده المعروف لبرنامج جوتا. تحدّى ماركس مفهوم "العدالة التوزيعية" من ثلاث وجهات نظر متمايزة، وإن كانت مترابطة: 1) أن نمط التوزيع جزءٌ لا يتجزأ من نمط الإنتاج ويعتمد عليه. 2) أن مفهوم "التوزيع العادل" ليس سوى بلاغة كلامية، أي إشارة بليغة إلى معيار جديد للتوزيع. 3) سيعمل الإنتاج والتوزيع الماركسيان الحقيقيان بمعيار مجاوز للعدالة. أثناء معالجة القضية العامة للعدالة، سيكون الانتماء الوثيق، أو الانفصال، مع ما سبق ذكره أمراً حاسماً.

يمكن توسيع وجهة نظر ماركس الأولى، وفق أفكاره الخاصة، بالمصطلحات الحالية، على النحو التالي: أي معادلة، ولو نسبية، بين الدخل والأجور هي وهمية في ظل ظروف نمط الإنتاج الرأسمالي. يتسائل ماركس: "ما هوالتوزيع العادل؟ ألا تؤكد البرجوازية أن التوزيع الحالي عادل؟ أليس هذا هو التوزيع "العادل" الوحيد على أساس نمط الإنتاج الحالي؟18

من الواضح هنا أن ماركس يتكلّم بشكل أساسي داخل المجالين الصوري والسياسي لمفاهيم العدالة؛ وليس داخل البُعد الأخلاقي في حدّ ذاته. يكون التوزيع عادلًا، وفق الفرضية، إذا تمّ تطبيق قواعد التوزيع السارية في الكتلة الاجتماعية على كلّ عضو في الكتلة. ومع ذلك، فإن تصريح ماركس بأن التوزيع يعتمد على الإنتاج، والعبارة الإضافية المستمدّة منه، أي أن التوزيع العادل يتم تعريفه، ولكن ليس حصرياً، بالإنتاج، كلاهما موجود بالفعل في مجال المفهوم السياسي للعدالة التوزيعية. لكن القول بأن ماركس رأى الإنتاج على أنه المعيار الوحيد للتوزيع العادل لن يكون خطأً فحسب، بل سيكون أيضاً انتهاكاً واضحاً لما قاله في مكان آخر.19 لذلك، يجب أن يكون المرء حريصاً بشكل خاص على عدم تجاهل دلالة مهمة، أي أن "العدالة التوزيعية" لا يمكن تحليلها باعتبارها حالة منفصلة للعدالة، لأن التوزيع دائماً جزءٌ لا يتجزأ من إعادة الإنتاج الاجتماعي والسياسي للمجتمع ككلّ. وهكذا، بالتوازي مع نمط الإنتاج، وليس بالاعتماد عليه فقط، يمكن للقيم السائدة في المجتمع أن توفر المزيد من القواعد والمعايير التي قد تنطبق على الجميع داخل المجتمع؛ فهي في المجمل، يمكن أن توفر معياراً (أو معايير) للعدالة، والتي قد تختلف عن قواعد الإنتاج السلعي.

علاوة على ذلك، فإن ماركس، في انتقاده لمؤلفي برنامج جوتا، أوضح بشكلٍ لا لبس فيه أن "الحقوق المتساوية" كانت "حقاً في عدم المساواة" لأنها تعمل ببساطة على المساواة بين غير المتساوين. في ضوء ما سبق، فإن المرحلة الأولى من الشيوعية ستظل تحمل علامة على كونها من نسل الرأسمالية.20 وفقًا لماركس، فإن تركيز مؤلفي البرنامج، بشكل خاطئ كما تصور، على التوزيع بدلاً من الإنتاج، يتضح من خلال دعوات إعطاء العمّال عوائد عملهم غير منقوصة، مع حقوق متساوية كما ذكر أعلاه.21 تُشكّل وجهة نظر ماركس فيما يتعلق بالتوزيع مقابل الإنتاج، في جوهرها، فكرته عن المجتمع الشيوعي المتخيَّل. دعونا نفحصها بمزيد من التفصيل.

إن اعتراض ماركس على ما أعلنه برنامج جوتا ينبع من تصوّر بأن الناتج الإجمالي للمجتمع الشيوعي يجب أن يستفيد من الوسائل لاستمرار وتوسيع الإنتاج وللاحتياط ضدّ الحوادث والكوارث الطبيعية قبل ضمان الاستهلاك. وبالتالي فقد شدّد على الحاجة إلى مزيد من الخصومات من المنتج الاجتماعي لتغطية تكاليف الإدارة، والدعم الضروري لاحتياجات التعليم، والخدمات الصحية، وما إلى ذلك، ومسائل مثل الإعانة لأولئك غير القادرين على العمل. بالإضافة إلى ذلك، جادل ماركس أنه في المجتمع الشيوعي، حيث لا تخضع المنتجات للتبادل وحيث أن العمل الفردي لم يعد موجوداً بطريقة غير مباشرة ولكن بشكل مباشر كجزء مكوّن من إجمالي العمل، فإن عبارة "عائدات العمل" ستكون قد فقدت معناها،22 وهو تعبير رائع عن إشكالية توزيع وسائل الاستهلاك بين المنتجين الأفراد في "مجتمع شيوعي تطوّر على أسس خاصة به" ، حيث "يتلقى هؤلاء الأفراد من المجتمع - بعد إجراء الخصومات - بقدر ما يعطونه، أي أن القدر نفسه من العمل الذي قدموه للمجتمع في شكلٍ ما يتلقونه في شكل آخر". يشير ماركس كذلك إلى أن هذا المبدأ هو نفسه الذي يحكم تبادل السلع "بقدر ما يكون تبادلاً لقيم متساوية" وبالتالي، "في حين أن المبدأ والممارسة لم يعدا متعارضين، فإن الحق المتساوي هنا - الحق البورجوازي - لا يزال موصوماً بالعار بسبب القيود البرجوازية".23

بماذا يخبرنا هذا؟ إن رؤية ماركس للشيوعية يعوقها تحقيق نظرية قيمة العمل في الأيام الأولى للمجتمع الشيوعي، والتي هي بعيدة كلّ البعد عن تجسيد المفهوم الماركسي للعدالة. يلقي المقتطف التالي مزيدًا من الضوء على قيود الحق البرجوازي:

يتناسب حق المُنتِج مع العمل الذي يقدمه، وتتمثّل المساواة في حقيقة أن القياس يتم بمعيار متساوٍ، وهو العمل.

لكن، الحق المتساوي هو حق غير متساوٍ للعمل غير المتساوي. فهو لا يعترف بالفوارق الطبقية، لأن كل شخص هو مجرد عامل مثل أي شخص آخر. لكنه يعترف ضمنياً بعدم المساواة في الهبات الفردية، وبالتالي القدرة الإنتاجية باعتبارها امتيازات طبيعية. لذلك فهو حق عدم مساواة في محتواه، مثله مثل كلّ حق. إن الحق بطبيعته لا يمكن إلا أن يتمثل في تطبيق معيار متساوٍ، لكن الأفراد غير المتساوين (ولن يكونوا أفراداً مختلفين إذا لم يكونوا غير متساوين) الذين لا يمكن قياسهم إلا بمعيار متساو بقدر ما يتم تقديمهم وفقًا لوجهة نظر متساوية، يتم النظر إليهم من جانب واحد محدّد فقط. على سبيل المثال، في الحالة الراهنة، يُنظر إليهم على أنهم عمّال فقط ولا يظهر فيهم أكثر من ذلك، ويتمّ تجاهل كل شيء آخر. علاوة على ذلك، هناك عامل متزوّج وآخر لا. لدى أحدهم أطفال أكثر من الآخر، وهلم جرّا. وهكذا، مع الأداء المتساوي للعمل، وبالتالي مع حصة متساوية في صندوق الاستهلاك الاجتماعي، سيحصل واحدٌ في الواقع على أكثر من الآخر، ويكون واحدٌ أغنى من الآخر. لتجنّب كل هذه العيوب، سيتعين أن يكون الحق غير متساوٍ بدلًا من أن يكون متساويًا24 .

ألا يشير المقطع أعلاه إلى أن العدالة، كتطبيق لمعيار متساوٍ، هي بطبيعتها غير كافية للتغلّب على القيود البرجوازية للمرحلة الأولى من المجتمع الشيوعي؟ الجواب هو نعم.

علاوة على ذلك، يُشار ضمنياً إلى أن المجتمع الذي تعمل فيه مواهب الأفراد كمعيار في تصنيفهم كبشر هو مجتمع معيب للغاية. وهذا يكمن وراء وجهة نظر ماركس المفارقة القائلة إن الأفراد غير متساوين بقدر ما هم أفراد مختلفون، وإن المساواة في الظروف تظهر على أنها وعد ومقياس للمساواة الصورية. على هذا النحو، يبدو أن مسألة المساواة أو عدم المساواة بين البشر هي من صنع المجتمع الطبقي. فالواقعية الجريئة وبعيدة النظر لماركس تصوّرت مجتمعاً تتوقّف فيه الفروق الفردية في الهبات عن إحداث فرقٍ جوهري. بل تضع معايير متعدّدة للتميز. وعلاوة على ذلك، بينما كان يؤمن بأن "المجتمع غير الطبقي يجب ألا يجمع بين السيطرة الجماعية على شروط الإنتاج والتعسّف الأخلاقي المطلق في توزيع الرعاية"، فقد أيّد "مبدأ السيطرة الجماعية على الموارد مع توقّع واضح بأن تنفيذه سيكون له نوع معيّن من العواقب التوزيعية الإضافية ولن يكون له نوع آخر من النتائج التوزيعية للتمتع بالسلع البشرية الأساسية".25 يعتقد ماركس أن مثل هذا المجتمع سوف يتطوّر بحيث يشهد تحرير الفرد من "التبعية المُستعبدة لتقسيم العمل"، وبالتالي قمع "التناقض بين العمل العقلي والبدني"، وتحويل العمل من مجرّد وسيلة إلى إشباع الحاجات الأخرى إلى "عوز الحياة الأساسي"، والتطور الشامل للفرد وما يقابله من ازدهار لقوى الإنتاج و"كل منابع الثروة التعاونية". فقط مع نمو هذه الميول "يمكن تجاوز الأفق الضيق للحق البرجوازي بأكمله وأن يكتب المجتمع على رايته: "من كلّ حسب قدرته، ولكلّ حسب احتياجاته!"26

أي مبدأ تعبّر عنه عبارة "من كلّ حسب قدرته، لكلّ حسب احتياجاته"؟ من الواضح أنه مبدأ للعدالة التوزيعية، حتى لو تم تصوّر تحقيقه مع موت الدولة

فكرة ماركس عن المجتمع العادل

إذن أي مبدأ تعبر عنه عبارة "من كلّ حسب قدرته، لكلّ حسب احتياجاته"؟ من الواضح أنه مبدأ للعدالة التوزيعية، حتى لو تم تصوّر تحقيقه مع موت الدولة.27 يوضح نورمان جيراس، بدقة وبلاغة، جوهر المبدأ. دعونا نقتطف من عباراته:

يحتفظ ماركس بمفهوم الحقوق حتى بالنسبة للمرحلة العليا من الشيوعية. القاعدة العامة، في الواقع، التي تم تحديدها لهذه المرحلة العليا هي تلبية الاحتياجات الفردية، والحق الذي تعمّمه، من بين أشياء أخرى، في وسائل التنمية الشخصية أو تحقيق الذات. ما يُكمّله (والمُعبَّر عنه في النصف الأول من الشعار الشهير) هو أن كل شخص يبذل جهداً يتناسب مع قدراته في تولي نصيب من المهام المشتركة. إذا نجحت هذه المعايير في إصلاح عيوب المبدأ الذي حلّت محله - والذي بسبب أنه كان حسّاساً فقط لحجم مساهمة العمل، يعطي مكافآت أكبر للقدرات والمواهب أكبر- فهذا ليس لأنها خالية من أيٍ من العمومية أو القوة الإلزامية المميزة للحقوق، بل لأن ماركس اعتبر الحاجة والجهد أكثر ملاءمة من الناحية الأخلاقية، وبكلمة واحدة أكثر إنصافاً من الهبات الفردية كمعيار للتوزيع. من الواضح أن عنصر الحظ السعيد في امتلاك القدرات العظيمة أو الاستثنائية لا يبدو أنه يستحقّ أي مكافأة أكبر مما هي متأصلة في ممارستها والاستمتاع بها. إن اعتقاد ماركس نفسه بأن مبدأ الاحتياجات هو أقل صورية، أو أكثر مادية، من ذلك الذي يحل محله، وأكثر تناغماً من الناحية الأخلاقية، مع الفردانية الخاصة لكل شخص، لا يفسد عموميته كمبدأ معياري.28

ألا يترتّب على ذلك إذن أن المبدأ السالف الذكر جزء لا يتجزأ من فكرة ماركس عن المجتمع العادل؟ أليس هذا المبدأ معياراً واضحاً للمساواة؟ يجب أن تكون الإجابة على كلا السؤالين بالإيجاب، لا سيّما في ضوء فقرة أخرى، هذه المرة في مخطوطته "الأيديولوجيا الألمانية"، والتي تنتقد الرأي القائل إن "الحيازة" و"الاستمتاع" لكل شخص يمكن أن يتوافقا مع "عمله":

لكن أحد أهم مبادئ الشيوعية، وهو المبدأ الذي يميزها عن كل اشتراكية رجعية، هو أن الاختلافات في الدماغ والقدرة الفكرية لا تعني أي اختلافات من أي نوع في طبيعة المعدة والاحتياجات المادية، لذلك يجب تغيير العقيدة الخاطئة، القائمة على الظروف الحالية: "لكل فرد حسب قدراته"، بقدر ما تتعلّق بالتمتّع بمعناه الضيق، إلى عقيدة "لكل حسب حاجته". بعبارة أخرى، إن الأشكال المختلفة للنشاط أو العمل لا تبرر عدم المساواة، ولا تمنح أي امتيازات فيما يتعلّق بالحيازة والاستمتاع.29

إن مفهوم ماركس عن المجتمع الشيوعي هو مفهوم تزدهر فيه الاحتياجات الإنسانية، ولا سيما احتياجات تحقيق الذات الفردية، وتتوسع. إنه يشير إلى "نمط الإنتاج الذي يوجد فيه العامل لتلبية حاجة القيم الحالية لأن تزيد. على عكس الوضع المعكوس، حيث توجد الثروة الموضوعية لإشباع حاجة العامل الخاصة إلى التنمية والتطور.30 وهكذا، فإن توصيفه للمجتمع الشيوعي على أنه "مجتمع يكون فيه التطوّر الحر لكل فرد هو شرط التطوّر الحر للجميع"31 شاملًا ويجب بالتالي عدم فهمه بأي معنى بسيط أو محدود.

أن الاختلافات في الدماغ والقدرة الفكرية لا تعني أي اختلافات من أي نوع في طبيعة المعدة والاحتياجات المادية

خاتمة

إن المفهوم المادي التاريخي لتحوّل الحاجات الإنسانية ينطبق على المجتمع الشيوعي بقدر ما ينطبق على أي مجتمع آخر. كما يعني ضمناً أن حتى مثل هذا المجتمع سيحتاج إلى مبادئ للعدالة خاصة به.

قدّم القسمان الأول والثاني قراءة تحدّد قابلية تطبيق مفهوم العدالة على النقد الحالي، وعرض أهمّية مفهوم العدالة من خلال نهج يدمج تحقيق الذات والمجتمع في مفهوم الطبيعة البشرية. لكن هل قدّم هذا التحليل مُخططاً لمجموعة من المبادئ التي يمكن أن تعمل في مجتمع كهذا؟ من المؤكد أنه لم يفعل ذلك. فهذه مهمّة ضخمة تقع خارج نطاق هذا المقال. لكن، مع الإبقاء على هذا الأخير كهدف واضح في الأفق، فقد تمت الإشارة إلى كيفية حل صعوبة تحديد العلاقة بين القيم الماركسية الأساسية لتحقيق الذات والمجتمع، وبالتالي توظيفها بنجاح، حيثما قد تتناسب نظرية للعدالة مع الهيكل العام للخطاب التقييمي الماركسي. وشهدت الأقسام المتبقية على بروز الأساس العقلاني، المتجذر بعمق في منطق المادية التاريخية في وضع "خطوط إرشادية'' لتأسيس طبيعة وحدود تنوّع الأفكار والممارسات الماركسية للعدالة من خلال مراعاة التماسك الاجتماعي في المجتمع الصناعي المتقدّم من خلال صلة مُعقّدة من الترابط العلائقي بين القيم الأولية (بمعنى: الاحتياجات، وتحقيق الذات، والمجتمع) الذي يرتكز بشكل ثابت على مفهوم طبيعة الاحتياجات الاجتماعية.

  • 1Karl Marx, Theories of Surplus Value, Part I (Moscow: Progress Publishers, 1963), p. 288 (emphasis in original).
  • 2Karl Marx, Capital, (New York: Vintage, 1976), vol. 1, p. 449
  • 3كان الجدل حول إدانة ماركس للرأسمالية شديدًا، لا سيما في أعقاب نظرية راولز حول العدالة (OUP، 1972). نورمان جيراس، "الجدل حول ماركس والعدالة"، New Left Review، 150، مارس/ أبريل، 1985، ص. 47-85، يقدّم تحليلاً واضحًا لجانبي النقاش – أي لكون نقد ماركس كان قائمًا على مبادئ العدالة والآراء المعارضة لها - ويقترح قراءة أخرى لماركس تشير بطبيعتها إلى التزامه بمبادئ العدالة (من دون تجنّب العناصر المتناقضة في كتابات ماركس). لن نعيد هذه الحجج هنا، لكن سيتم الإشارة إليها عند الضرورة.
  • 4تتعارض حجتي مع المفهوم الألتوسيري للإنسانية الأيديولوجية - أي أنه ليس كل النزعة الإنسانية أيديولوجية، وأن العلم نفسه لا يوجد في شكل نقي أي من دون استخدامات أيديولوجية.
  • 5هناك اعتباران آخران مهمان ومطلوبان فكرياً، وهما: الترابط بين الحرية وتحقيق الذات والعدالة في سياق صياغة "نظرية ماركسية للعدالة" والصراع بين التقدم البشري وحقوق الإنسان عند دراسة نظريات ماركس التاريخية الأساسية باعتبارها متسقة مع نظرية عبر التاريخ للعدالة التوزيعية والحقوق الأخلاقية. (لا يقتصر الاعتبار الأخير، بالطبع، على التحليلات الماركسية، ولكن على جميع سلالات التنوير.) لن يتم التعامل مع هذه القضايا هنا، ولكن ستتم الإشارة إلى جوانب متعلقّة بالترابط بين الحرية وتحقيق الذات والعدالة.
  • 6Karl Marx and Frederick Engels, Selected Works (New York: International Publishers, 1968), pp. 182-83.
  • 7يجب فهم الإشارة إلى "الأسس الاقتصادية للمجتمع" ليس بالمعنى المعاصر "للاقتصاد" كما هو متصوّر في تأسيس الاقتصاد الكلاسيكي الجديد - حيث يغيب مفهوم "الطبقة" – وإنّما في المفهوم الكلاسيكي حيث الاقتصاد هو نتاج العلاقات الطبقية، والذي يمكن وصفه بشكل أفضل، بمصطلحات اليوم، بأنه "اجتماع اقتصادي" وليس حتمية اقتصادية. تهدف محاولتنا إلى إظهار الصلة بالموضوع: كيف يستلزم منطق المادية التاريخية مفهومًا للعدالة أو يجعله غير ضروري.
  • 8من الأهمية بمكان "الحذر من الانزلاق إلى لغة التجسيد عند التحدث عن البُنى لأنها بمثابة قيود على العمل وليس على جهات فاعلة". Robert Cox, “Social Forces, States and World Orders,” in Robert Keohane, ed., Neorealism (New York: Columbia University Press, 1986), p. 229.
  • 9Marx, Capital, vol. 1, p. 90. For an analysis of the relation of culture to history and to historical materialism see, Raymond Williams, Marxism and Literature (NY: OUP, 1977) and Politics and Letters (London: Verso, 1979).
  • 10Karl Marx and F. Engles, Collected Works, vol. 5, (London: Lawrence and Wishart, 1976), p. 42.
  • 11أظهر ماركس كيف أدى إدخال الآلات إلى تبسيط المهارات المطلوبة من العمال، وبالتالي السماح بنقلهم من صناعة إلى أخرى وفقًا لمتطلّبات رأس المال: يخضع العمل الملموس والمنتج لقيم استخدام معيّنة، للعمل المجرّد والمنتج لقيمة عالمية. أنظر Marx, Capital, vol. 1, pp. 520.
  • 12وبالتالي إلى الحدّ الذي ترتبط فيه الحاجات جوهرياً بالجدوى المتصوّرة لإشباعها، من المرجّح أن يتبع تحويل المجتمع الساعي للربح إلى مجتمع مخصّص لتلبية الحاجات والقدرات البشرية الطموحة اتجاهات مماثلة، إلّا أن عقدها لا يزال غير واضح، ولا يوجد شكل معيّن لتطوّرها بحسب مفهوم ماركس للمجتمع الشيوعي. لمزيد من المناقشة حول انعكاسات الجوانب المتنوّعة لهذه القضايا، راجع: Norman Geras, Discourses of Extremity (London: Verso, 1990), especially Part II, also Marx and Human Nature: Refutation of a Legend (London: Verso, 1983).
  • 13العلاقات الاجتماعية في مجتمع شيوعي حقيقي لن تكون بالضرورة أكثر انسجامًا مما هي عليه في المجتمع الرأسمالي المعاصر. مع ذلك، مع التطبيق الصحيح "لمبادئ العدالة"، يشير التحليل إلى أن التوتّر سيكون أقل تواتراً في الأول منه في الأخير. لدعم هذه الحجة يمكن العودة إلى: G. A. Cohen, “Freedom, Justice and Capitalism,” New Left Review, 126, March/April, 1981, pp. 3-16, and his Self-ownership, Freedom and Equality (Cambridge: Cambridge Univ. Press, 1995), especially Chapters 2-6 and 8. للاطلاع على حجة معارضة تؤكّد أن هذه الخلافات لن تكون خطيرة لاستدعاء مبادئ العدالة في المجتمع الشيوعي، أنظر: Allen E. Buchanan, Marx and Justice: The Radical Critique of Liberalism (Totowa, NJ: Rowman and Littlefield, 1982); also Allen W. Wood, “The Marxian Critique of Justice,” in Marshall Cohen, Thomas Nagel and Thomas Scanlon (eds.), Marx, Justice and History (Princeton: Princeton Univ. Press, 1980), pp. 3-41.
  • 14من الإنصاف الإشارة إلى أن مصطلح عامل ينطبق على العمل البدني وكذلك العقلي. لقد تطوّر تحديد طبيعة العمل ونطاقه في المجتمعات الصناعية المتقدمة، لكن أساس الاستغلال كما هو محدد أعلاه لا يزال قائماً.
  • 15 See “Exploitation in Marx: what makes it unjust?” in Self-ownership, Freedom and Equality, pp. 195-208.
  • 16هناك قضية لصيقة ومثيرة للاهتمام تتعلق بالملكية الذاتية لم نتاولها هنا. فيما يرتبط بالعلاقة بين التفسير الماركسي للاستغلال الرأسمالي وأطروحة الملكية الذاتية، يجادل كوهين بشكل مقنع بأن الاستغلال لا يمكن اعتباره غير عادل من دون رفض هذه الأطروحة (المرجع نفسه، ص 116-143). ويشير كذلك (ص. 144-164) أن بعض الماركسيين يؤكدون ضمنيًا فرضية الملكية الذاتية في تفسيرهم للاستغلال، وهو ينتقد بشكل خاص كتابات ألن وود على سبيل المثال كارل ماركس، لندن ، 1981، والماركسيون ما بعد الماركسيين لإرنتسور لاكلو وشانتال موف. (وقد قدّم نورمان جيراس نقداً للأخير بعنوان: Post-Marxism?” in his Discourses of Extremity, pp. 61-125)، وإلين ميكسينز وود في Retreat from Class (London: Verso, 1986).
  • 17Cohen, Self-ownership, Freedom and Equality, p. 199 (emphasis in original).
  • 18Karl Marx and Frederick Engels, Selected Works, (Moscow: Progress Publ., 1969-70), vol. 3, pp.16-19.
  • 19راجع المقطع المقتطف من مقدمة عام 1859 وما تلاها من مناقشة في القسم الثاني.
  • 20تجدر الإشارة إلى أن "أفق الحق البرجوازي فقط، وليس أفق حقوق أوبرهاوبت ، هو الذي تم تجاوزه في الانتقال إلى المرحلة الأعلى". R. J. Arneson, “What`s Wrong With Exploitation?” Ethics 91 (January, 1981), p. 216.
  • 21من المناسب الإشارة إلى عمل إي بي طومسون الأكاديمي، ولا سيما الفصل 16 ص.778-829: The Making of the English Working Class (NY: Vintage Books, 1966) يقدّم طومسون نظرة ثاقبة لقضية شائعة في ذلك الوقت في دوائر الطبقة العاملة الراديكالية، وهي وجوب امتلاك منتج العمل بالكامل من العمال الذين أنتجوه.
  • 22Karl Marx: Selected Writings in Sociology and Social Philosophy, T. B. Bottomore and M. Rubel (eds.) (Penguin Books, 1990 ed.), pp. 249-257.
  • 23Marx and Engels, The Marx-Engels Reader, R. W. Tucker (ed.), (NY: Norton, 2nd ed., 1978), pp. 529-30 (emphasis in original).
  • 24Ibid., pp. 530-31 (emphasis in original).
  • 25Geras, “The Controversy about Marx and Justice,” op. cit., pp. 78-9.
  • 26Marx and Engels, The Marx-Engels Reader, p. 531.
  • 27Geras, “The Controversy about Marx and Justice,” op. cit., p. 60.
  • 28Ibid., pp. 60-61 (emphasis in original).
  • 29Marx and Engels, Collected Works (London, 1975), vol. 5, pp. 537-8 (emphasis in original).
  • 30Marx, Capital, vol. 1, p. 772.
  • 31Ibid., p. 739.