استراتيجيات البقاء في عصر الانقراض

  • مراجعة لكتاب «الاشتراكية أو الانقراض. معنى الثورة في زمن الأزمة البيئية». تأليف مارتن إمبسون. هو كتاب ممتاز وحاسم يجب على الثوّار والناشطين في حركة المناخ مطالعته. كُتِب على نحو يسهل استيعابه، وهو يلامس القضايا الأساسية التي تساعدنا على وعي السبب الذي يستوجب الثورات الهادفة إلى إعادة تنظيم علاقاتنا مع الطبيعة

في العام 1915، في خضم الحرب العالمية الأولى، استشرفت الثورية البولندية روزا لوكسمبورغ مُستقبلين بالإمكان: الاشتراكية أو البربرية. وفي كتابه الجديد، يجادل المؤلِّف مارتن إمبسون بأنّ هذا المُخطَّط لم يعد يتطابق مع القرن الحادي والعشرين. ففي وقتنا الحالي، يتعلق الأمر بالاشتراكية أو الانقراض.

لقد وُضِعَ العديد من الكتب المتبصِّرة حول أزمة المناخ من منظور اشتراكي، مثل كتاب جون بيلامي فوستر وبريت كلارك وريتشارد يورك «الصدع البيئي: حرب الرأسمالية على الأرض»، وكتاب «الأنثروبوسين: الرأسمالية المتحجِّرة وأزمة النظام الأرضي». يطمح العديد من هذه الأعمال نظرياً أو يسعى إلى النفاذ صوب طبيعة الأزمة. يتكئ إمبسون على تلك الأدبيات، إلّا أنه يُولي الانتباه إلى الحاجة إلى استراتيجية ثورية لمجابهة التغيّر المناخي. وفي واقع الأمر، تمتلك فكرة «تغيير النظام» بالفعل صدى واسعاً في حركة المناخ. بيد أن المشكلة تكمن في أن فهم المعنى المقصود من تغيير النظام، والكيفية التي يمكن أن يتحقّق بها، تتفاوت بشكل كبير. يُشكِّل كتاب الاشتراكية أو الانقراض، من ثم، مداخلةً محمودة في النقاشات الدائرة حول تغيّر المناخ ومساهمة ميزّة في الجدال المُتعلِّق بالاستراتيجية الاشتراكية اليوم.

النظام الرأسمالي وأزمة المناخ

يبدأ الكتاب بفصلٍ عن الآثار الاجتماعية والبيئية المدمِّرة للرأسمالية. إن أزمة المناخ هي ظاهرة عالمية، لكن يتباين تأثيرها من مكانٍ إلى مكان، وهو ليس واحداً بالنسبة للجميع. تقسِّم الرأسمالية الناس على أساس الطبقة والعرق والجنس، وبالتالي، فإن المجموعات المُضطهَدة والمناطق الفقيرة تتضرّر بشدّة. على سبيل المثال، يُعدُّ السود والآسيويون الأكثر تضرُّراً لأنّهم ينزعون إلى العيش في مناطقٍ أكثر عرضة للتأثيرات الناجمة عن تغيّر المناخ وأقرب إلى الصناعات شديدة التلوّث. هذه الآثار غير المتكافئة هي نتيجة للتطوّر التاريخي للرأسمالية العالمية. يجادل إمبسون بأنّ ثروة الدول في الشمال العالمي تستند على «الثروة والموارد الطبيعية المُعاد توزيعها من جنوب العالم إلى الشمال». ونتيجة لذلك، تعاني بلدان الجنوب العالمي من الافتقار إلى الوسائل اللازمة لمواجهة الأزمة على نحوٍ فعّال. أضف إلى ذلك أن الشمال العالمي يُعدُّ المسؤول عن غالبية انبعاثات الكربون، فيما تتحمّل الولايات المتّحدة وحدها المسؤولية عن «25% من الانبعاثات التاريخية». هذا في الوقت الذي يقبع فيه الجنوب العالمي مُحاصراً بطوقٍ من الإمبريالية والنيوليبرالية والديون. تَبدُّل المناخ، مع انعدام القدرة على التصدّي له، يتركان تلك المناطق غير صالحة للعيش، ولا يتبقى لغالبية السكّان من خيارٍ سوى الارتحال عن أوطانهم والهجرة.

في الفترة التي سبقت الثورة السورية، تفاقمت آثار الجفاف بسبب الصناعات الزراعية واسعة النطاق، التي استهلكت كمّيات هائلة من المياه الجوفية وحرمت الفلّاحين من مصادر رزقهم. ممّا دفع بالناس إلى الهجرة صوب المدن، حيث اندمج غضبهم في سخطٍ أكثر اتساعا وبلغ ذروته في الاحتجاجات الجماهيريةإن الرأسمالية، بلا جدال، هي السبب الجذري لأزمة المناخ. يشير إمبسون إلى أنّ كارل ماركس وفريدريك إنغلز قد وضّحا بالفعل «كيف تسبَّب النظام الرأسمالي في الاستغلال والجَوْر والتدمير البيئي». تقود الرأسمالية آليتين رئيسيتين: استغلال العمّال والمنافسة بين الرأسماليين. يُسفِر التنافس على الأرباح والسعي الدائم للتراكم عن قَدْرٍ هائل من الهدر وعن ميلٍ للإفراط في الإنتاج، في آنٍ معاً. يُحيل النمو اللانهائي الطبيعة نفسها إلى سلعة، وبالتالي يقوِّض العلاقة بين البشر والطبيعة. والأهمّ من ذلك، أن هذا «التراكم الجامح للثروة» بواسطة الرأسماليين إنّما يعتمد على استغلال العمّال. وهذا ما يُفسِّر، على المستوى الأساسي، لماذا تتباين تأثيرات الأزمة البيئية على الناس. ومع ذلك، ففي بعض المواضع من تحليل إمبسون، تبدو العلاقة بين الشمال العالمي والجنوب غامضة بعض الغموض. مثلاً، «الثروة الضخمة المُعاد توزيعها» من الشمال نحو الجنوب المُتقدم ذكرها، تقترب كثيراً من الصورة الشائعة الناتجة عن إحياء نظرية التبعية في حركة المناخ. وتوضيح حقيقة أن الطبقات الدنيا في الشمال لا تعيش على حساب الجنوب العالمي كان سيغدو أكثر فائدة.

لماذا لا تنجح الإصلاحات

كيف نتصدَّى لأزمة المناخ؟ هل من المُمكن إصلاح الرأسمالية عن طريق لجم السوق؟ يجادل إمبسون بشكل مُقنع بأنّ ثمّة مشكلة حتّى في الإصدارات الأكثر راديكالية من الصفقة البيئية الجديدة، والتي تغفل عن مقاومة الطبقة الرأسمالية أو طابع الدولة. تهدف الصفقة الجديدة الخضراء إلى تأميم صناعات الوقود الأحفوري والنضال ضدّ التمييز وعدم المساواة، الأمر الذي يتطلّب خلق المهن المُرتبطة بالأنشطة «الخضراء». على سبيل المثال، تدعو حملة «مليون وظيفة مناخية»، التي يدعمها في بريطانيا مجموعات مثل «الحملة ضدّ تغيّر المناخ»، إلى خلق الوظائف النقابية ذات المرتبات المُجزية في اقتصاد مستدام. في استطاعة هذه الأفكار أن تؤدّي دوراً مهمّاً في النضال من أجل تغيير النظام، ومع ذلك، فهي تلقى أشدّ المعارضة من الشخصيات السياسية اليمينية، ومن صناعة الوقود الأحفوري نفسها بطبيعة الحال. في بريطانيا القرن التاسع عشر، أضحى الوقود الأحفوري محورياً في العديد من المجالات الاقتصادية، من الزراعة إلى إنتاج الطاقة، ووفّر الأساس للتوسّع الإمبريالي، ونتيجة الضغوط التنافسية، سرعان ما أصبح الوقود الأحفوري جزءاً أساسياً من النظام الرأسمالي. إن التنافس بين الرساميل بهدف تعزيز طاقتها الإنتاجية وزيادة أرباحها مع ما رافقها من اعتصار العمّال، قاد الرأسماليين واحداً تلو الآخر إلى الانخراط في صناعة الوقود الأحفوري، وساهم في النفوذ الهائل لهذه الصناعة. اليوم، تقاتل صناعة الوقود الأحفوري القويّة للحفاظ على أرباحها وحماية مصالحها، ممّا يجعلها خصماً لدوداً لكلّ تحوّلٍ عادلٍ نحو اقتصادٍ مستدام. إن الدولة الرأسمالية، التي ينظر إليها المدافعين عن الصفقة الخضراء الجديدة باعتبارها الأداة الرئيسية لتنفيذ الخطّة، ليست مستقلّة عن صناعة الوقود الأحفوري، وإنّما متشابكة بعمقٍ معها. لذلك، ووفقاً لإمبسون، ينتظر الفشل كلّ «استراتيجية إصلاحية تسعى، برلمانياً، لتحقيق عالم مستدام».

يجادل إمبسون بأنه على الرغم من أن الدولة تبدو مُحايدة وتقف فوق المجتمع، إلّا أنها تندرج في الواقع ضمن إطار العلاقات الطبقية. فهي تمثِّل مصالح الرأسماليين، وتحافظ على سيطرتهم على الطبقة العاملة، وتساعد رؤوس الأموال الوطنية على التوسّع دولياً. تعتمد الدولة عادة على «أشكال دقيقة من الإكراه والسيطرة»: تنظيم المنافع العامّة مثل الرعاية الصحّية والتعليم، وكذلك تقسيم الناس على أسس مختلفة، بما فيها الأُسس المُرتبطة بالخلفية العرقية والميول الجنسية. فضلاً عن ذلك، تُكرّس المؤسّسات السياسية الرأسمالية «وهم المشاركة». إلى جانب ذلك، تعتمد الدولة على ما يصفه لينين بـ «هيئة من الرجال المسلحين»، والتي تشمل القوات المُسلّحة والشرطة، أي المنظّمات المُستعدّة للدفاع على النظام عبر ممارسة القوة الجسدية، كما رأينا في حالة الإطاحة بالرئيس الاشتراكي التشيلي، سلفادور أليندي، بواسطة جيش البلاد في العام 1973. وهذا يعني أن الاستراتيجية الإصلاحية القائمة على الصفقة الخضراء الجديدة لا يسعها أن تغضّ النظر عن عدائية الأجهزة القمعية التي تشكِّل جزءاً أساسياً من الدولة الرأسمالية.

الثورة كبديل

إذا كان استخدام الدولة ليس بالخيار القابل للتطبيق، فما هو البديل إذن؟ هناك سلسلة واسعة من الأفكار المختلفة، في إطار حركة المناخ، بدءاً من العصيان المدني السلمي لجماعات مثل «تمرّد ضدّ الانقراض» إلى العمليات التخريبية والحركات الجماهيرية التي دعا إليها الكاتب البيئي الماركسي أندرياس مالم. وتُشكِّل معالجة هذا الجدال الاستراتيجي والمقارنة بين أساليب الاستراتيجية الاشتراكية قوّةً استثنائية لكتاب إمبسون. في حين أن الكتابات الأخرى، مثل الصدع البيئي لفوستر على سبيل المثال، لا تولي هذه المسائل الاهتمام إلّا بالكاد. فيما يتجاهل مؤلِّفون آخرون، مثل مالم، وعلماء السياسة الألمان أولريش براند وماركوس ويسن، قوّة الطبقة العاملة. ووفقاً لإمبسون، فإنّ الجماعة الأخيرة «تُخضع الحركة الجماهيرية لنشاط المجموعات الصغيرة»، وتؤكِّد في النهاية على الإجراءات الحكومية. ولا سيّما في عمل مالم، حيث يبدو «موضوع الثورة المناخية غائباً بالكامل». يجادل بأنّه على الرغم من أن معظم نضالات العمّال لا تُركّز صراحةً على مسألة تغيّر المناخ، إلّا أن تغيير علاقات الإنتاج لا يزال إلى حدّ كبير مسألة قوة. أمّا هال درابر، الكاتب الماركسي الأميركي الذي يشير إليه إمبسون في موضعٍ آخر، فيصف الطبقة العاملة بأنها «طبقة خاصة» على أساس وضعها الاجتماعي باعتبارها الطبقة التي تؤدّي العمل الضروري للحفاظ على دوران عجلة النظام الرأسمالي. وكتب: «البروليتاريا هي الطبقة الوحيدة التي تتمتّع بالثقل الاجتماعي والسلطة اللازمة لإلغاء النظام القديم وبناء مجتمع جديد». تعجز معظم التحليلات عن تبيان مكمن القدرة على تحدّي الخصوم، مثل صناعة الوقود الأحفوري.

تقود الرأسمالية آليتين رئيسيتين: استغلال العمّال والمنافسة بين الرأسماليين. يُسفِر التنافس على الأرباح والسعي الدائم للتراكم عن قَدْرٍ هائل من الهدر وعن ميلٍ للإفراط في الإنتاج، في آنٍ معاًوعليه، يقترح إمبسون استراتيجية اشتراكية. وهو يقرّ، كما ذكرنا آنفاً، بأن الرأسمالية نفسها تستخدم العنف، وبالتالي فلا سبيل إلى استبعاد العنف كوسيلة لمواجهة القوة المسلّحة للدولة الرأسمالية. كما أنه يؤيِّد الحركات الجماهيرية، ويؤكِّد على الدور الحاسم للطبقة العاملة. يجادل الكتاب بأن الطبقة العاملة لم تفقد قوَّتها، كما يزعم الكثيرون، سواء نتيجة تراجع وظائف التصنيع أو بسبب انعدام الاستقرار المُتفاقم المُعبَّر عنه في العقود صفرية الساعات والعمل المؤقّت. بل على العكس، تُعدُّ الطبقة العاملة أكبر عدداً من أي وقت مضى، ولا تزال قادرة على تنظيم الإضراب ضدّ رأس المال. ربّما لا يكون معظم العمّال ثوريين في خلال الأوقات العادية، إلّا أن الأفكار تتغيّر في الحراك الجماعي. في النضال من أجل ظروف العمل وفي خضم الحركات الجماهيرية، يمكن لقناعةِ الناس العاديين وإيمانهم أن يتغيّرا، وهو ما يمكن أن يقود إلى وعي ثوري. ربما تَلوحُ الثورات كأحداثٍ نادرة الوقوع في القرن الماضي إلّا أنها تُشكِّل، كما يكتب إمبسون، «حقيقة النظام الرأسمالي». من كومونة باريس في العام 1871 إلى الأحداث الجارية في السودان (التي يشير إليها إمبسون بالتفصيل)، تعلِّمنا الثورات لا إمكانية الإخفاق فحسب، بل تكشف كذلك عن قوّة الناس العاديين.

مستقبل اشتراكي

لن يكون استيلاء الطبقة العاملة على السلطة سوى الخطوة الأولى في العملية الثورية. لن يختفي الرأسماليون ببساطة. بل سوف يكون من المتعيّن تحطيم الدولة الرأسمالية واستبدالها بمؤسّسات الطبقة العاملة التي نشأت من أسفل. سوف تكون هذه المؤسّسات مختلفة في الجوهر عن الدولة الرأسمالية التي نعرفها اليوم. وسوف تتضمَّن سيطرة الغالبية على «مصلحتهم الجماعية». بما أن الدول هي نتاج المجتمع الطبقي، فعندما تختفي الطبقات في نهاية المطاف، سوف تختفي الدولة بالتبعية، أو، كما قال لينين، سوف «تضمحل». إن المجتمع الاشتراكي المستقبلي سوف ينهض على «المؤسّسات التي ينشِئها العمّال أثناء الثورة» ومن المحال التخطيط لها مسبقاً. وعلى الرغم من ذلك، يمكن للتجارب التاريخية أن تمدَّنا بالدلائل حول الشكل الذي سوف يبدو عليه المجتمع الثوري، ويشير إمبسون إلى بعض الخصائص الأساسية. فهذا المجتمع الاشتراكي سوف يتمّ تخطيطه بواسطة مجالس العمّال في ضوء احتياجات الناس والبيئة؛ لن يكون مدفوعاً بتحقيق الربح. سوف تختفي الرساميل المتنافسة الوجود. وبالتالي، يصير بالإمكان معالجة إرث الاستعمار والإمبريالية من خلال توزيع الثروة والموارد بالتساوي. في مثل هذا العالم، لن يكون للحدود السياسية وجود.

لا تتوقّف الرأسمالية عن خلق الظروف الثورية، طالما أنّها تُشكِّل نظاماً قائماً على القهر والاستغلال. لا يستطيع الاشتراكيين أن يخلقوا ثورة بأنفسهم، لكن المهمّة الملقاة على عواتقهم تتمثَّل في أن يكونوا جزءاً من الحركات الاجتماعية وأن يساعدوا في «تطوير كفاحية وتنظيم العمّال». وعبر هذه الطريق «يمكن لوجود الثوّار المنظّمين أن يعين الحركة العمّالية على المُضيّ قدماً بخطواتٍ حاسمة واجتياز التضاريس السياسية المُتعرِّجة». وفضلاً عن ذلك، وكما يتبيَّن من العديد من الأمثلة التاريخية، «تمسُّ الحاجة إلى منظّمة ثورية جماهيرية ترتبط بمئات الآلاف أو الملايين من العمّال المنخرطين في حركة ثورية». تجيء الدعوة الماركسية إلى «التحرّر الذاتي للطبقة العاملة» في الوقت المناسب كما كانت دائماً. في الواقع، إنها الاستراتيجية الوحيدة القابلة للتطبيق لتجنّب الانقراض.

لا يمكن إنكار أن إمبسون يطرح عدداً من النقاط الحاسمة. ومع ذلك، فقد كان بالإمكان القيام بربطٍ أكثر وضوحاً مع مسألة المناخ. وهو يؤكّد أن الظروف الثورية جزءٌ من واقعنا الرأسمالي، لأن الرأسمالية تحرمنا من مصادر العيش. ومع ذلك، فإن إمكانية أن تتسبّب أزمة المناخ نفسها في نشوب الصراعات، ليست واضحة كفاية. أكثر فأكثر، أصبحت المطالب البيئية جزءاً لا يتجزّأ من الاحتجاجات. في ما يُسمّى بالربيع العربي، على سبيل المثال، أدّى ارتفاع أسعار المواد الغذائية الناجم عن الجفاف والمضاربة إلى زيادة الضغوط على الشعوب التي عانت بالفعل من التكيّف الهيكلي النيوليبرالي. في الوقت نفسه، في الفترة التي سبقت الثورة السورية، تفاقمت آثار الجفاف بسبب الصناعات الزراعية واسعة النطاق، التي استهلكت كمّيات هائلة من المياه الجوفية وحرمت الفلّاحين من مصادر رزقهم. ممّا دفع بالناس إلى الهجرة صوب المدن، حيث اندمج غضبهم في سخطٍ أكثر اتساعا وبلغ ذروته في الاحتجاجات الجماهيرية.

منذ عهد الاستعمار، تفاقم التدهور البيئي، مثلاً، عبر الإدخال النيوليبرالي للمحاصيل النقدية على حساب خصوبة التربة. في الوقت نفسه، دفعت خصخصة الأراضي بالمزارعين إلى ترك أراضيهم. وعلى هذه الخلفية، كان للجفاف والتغيّر في أنماط سقوط الأمطار وارتفاع درجات الحرارة تأثيرات مدمّرة أجَّجت النزاعاتتعمل حالات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة على زعزعة أسس الحياة ومقاومة القيادة. في السنوات القليلة المُنصرمة، خرج الناس في مدينة البصرة الساحلية في جنوب العراق إلى الشوارع للاحتجاج على الحكومة اعتراضاً على انقطاع التيّار الكهربائي الذي أدّى إلى تعطُّل وحدات التكييف في وقتٍ بلغت فيه درجات الحرارة 50 درجة مئوية. مثال آخر هو  السودان، الذي تطرّق إليه أيضاً إمبسون، حيث أدّى المناخ المُتغيِّر إلى تكثيف النزاعات على الأرض. منذ عهد الاستعمار، تفاقم التدهور البيئي، مثلاً، عبر الإدخال النيوليبرالي للمحاصيل النقدية على حساب خصوبة التربة. في الوقت نفسه، دفعت خصخصة الأراضي بالمزارعين إلى ترك أراضيهم. وعلى هذه الخلفية، كان للجفاف والتغيّر في أنماط سقوط الأمطار وارتفاع درجات الحرارة تأثيرات مدمّرة أجَّجت النزاعات.

خاتمة

إن كتاب إمبسون الاشتراكية أو الإنقراض، هو كتاب ممتاز وحاسم يجب على الثوّار والناشطين في حركة المناخ مطالعته. كُتِب على نحو يسهل استيعابه، وهو يلامس القضايا الأساسية التي تساعدنا على وعي السبب الذي يستوجب الثورات الهادفة إلى إعادة تنظيم علاقاتنا مع الطبيعة. إن الموضوعات التي يتناولها في كلّ فصل على حدة يمكن لها أن تملأ كتاباً كاملاً. ومع ذلك، استطاع إمبسون معالجة النقاط الجوهرية في كتابٍ من نحو 200 صفحة، يغطّي العديد من النقاشات المعقّدة نظرياً، صاباً تركيزه باستمرار على أهمّيتها العملية. وعلى الرغم من أن انتقاداته تكشف عن اختلافات كبيرة مع المواقف التي اتخذها الكتاب والناشطون الآخرون داخل حركة المناخ، فلا شكّ في أنه لا يزال يؤيِّد النضال المشترك. لا يتستر الكتاب على وحشية الرأسمالية وتأثيرها المدمِّر على الكوكب، ولكنه لا يختتم القصّة بهذه اللحظة الحاضرة الحالكة. إنها دعوة مُشجِّعة للثورة، ويشدِّد إمبسون باستمرار على قدرة الناس العاديين على الفعل وتغيير الظروف الاجتماعية التي يعيشون في ظلها. من خلال التأكيد على راهنية الثورة، يشير إمبسون إلى طريقٍ للخروج من الأزمة البيئية، ويحفِّزنا على النضال من أجل مستقبل اشتراكي.

نُشِرت هذه المراجعة في International Socialism في 14 كانون الثاني/ يناير 2023.