هديل فرفور

ما يعزِّز المخاوف من انتشار المرض، هو أن القطاع الصحّي في لبنان لم يشهد تغيّرات جذرية تحاكي العدوان الإسرائيلي ولا الأزمة الاقتصادية الجارفة، ولا تزال صحّة الناس مُعلّقة بهوس القطاع الخاص بتحقيق الأرباح.

ساهمت الظروف الصحّية الكارثية في ظل المجازر والحصار المُطبق بانتشار مجموعة كبيرة من الأمراض التي كان يمكن الشفاء منها بعلاجات بسيطة.

وفاة واحدة من كل 8 حالات وفاة سببها التعرّض لتلوث الهواء الذي حصد حيوات نحو 8.1 مليون شخص في العام 2021، علماً أن نحو 135 مليون وفاة بسبب تلوث الهواء سجلت خلال العقود الأربعة الماضية عبر التسبب في أمراض القلب والرئة والسكتات الدماغية وغيرها.

خطر تفشّي الأوبئة في لبنان قائم، ورمي المسؤولية على اللاجئين السوريين لن يبدد القلق، طالما أن التقييم العلمي الموضوعي يعتبر أن مصدر هذه الأوبئة هو انهيار البنى التحتية

سجَّل لبنان نحو 13,000 حالة جديدة بالسرطان في العام 2022. وفي ظل الأزمة الاقتصادية وتقاعس الدولة عن مهامها يعجز هؤلاء عن تأمين الحدّ الأدنى من كلفة علاجهم. ففي حين قُدِّرت كلفة علاج السرطان في لبنان بنحو 6,690 دولاراً لكلّ حالة سنوياً قبل الأزمة، فإن مجمل ما تقدّمه الوزارة حالياً من كلفة العلاج لا يتجاوز 560 دولاراً سنوياً، فيما يصل الحدّ الأدنى للأجر السنوي إلى 2,400 دولار، وكلاهما عاجزان عن تأمين كلفة العلاج، ما يجعل الموت من المصائر المحتومة للعديد من المرضى.

أكثر من 12 مليون فدان مخصّص لزراعة الموسم الصيفي في ولايات دارفور وغرب وجنوب كردفان في السودان والجزيرة، تعذّر زراعتها بسبب المعارك المسلّحة التي أثّرت على قدرة المقيمين على الوصول إلى أراضيهم الزراعية وخفّضت العمالة المتاحة وعطّلت القدرة على إيصال المعدّات والأسمدة الزراعية، وهو ما يهدّد بمفاقمة أزمة الجوع المتفجّرة في بلد القسم الأكبر من سكّانه يقتات من الغذاء المنتج محلياً.

إن منطقة الشرق الأوسط مُهدّدة بخسارة 75% من مياهها العذبة بسبب تغيّر المناخ، وبعد سنواتٍ قليلة من اليوم، سيضطر عشرات المُزارعين المُقيمين فيها إلى ترك أراضيهم والتوجّه إلى المدن ممّا يهدّد بخلق أزمة حضرية وزيادة البطالة والتوترات الاجتماعية لا سيما أن العديد من البلدان لا تملك الموارد الكافية للاستعداد والتكيّف مع التغير المناخي.

في كل دقيقة مرّت من العام 2023، كان العالم يخسر ما يعادل 10 ملاعب كرة قدم من الغابات الإستوائية الأولية. وفي نهاية العام الماضي، بلغت حصيلة الخسارة نحو 3.7 مليون هكتار من الغابات، الأمر الذي تسبّب بإنتاج 2.4 غيغا طن من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، وهو ما يعادل نصف انبعاثات الوقود الأحفوري السنوي التي تنتجها الولايات المتحدة الأميركية. تأتي هذه المعطيات في وقت يواجه فيه العالم أزمة مناخ آخذة في التفاقم، علماً أن الحدّ من إزالة الغابة هو واحد من التدابير الأكثر فعالية من حيث التكلفة للتخفيف من تغيّر المناخ.

لا توجد قارة «مُحصّنة» من الكوارث الطبيعية  التي يؤجِّجها تغيّر المناخ، ولا تسلم بقعة جغرافية من فيضان أو حريق أو زلزال، لكنّ الثمن البشري والمادي يختلف حُكماً مع اختلاف إمكانيات الدول ومدى استعداداتها لمواجهة هذا النوع من الأزمات. فقد سجّل العام 2023 نحو 399 كارثة طبيعية، أودت بحياة نحو 86.5 مليون شخصاً، غالبيتهم في بلدان نامية وفقيرة، كما كبّدت خسائر اقتصادية بقيمة 202.7 مليار دولار أميركي.

فيما يتم الرهان على إدخال المُساعدات الغذائية لمحاربة التدهور الغذائي ووقف المجاعة وتجنّب سقوط الأجساد الهزيلة على الطرقات، تؤكّد المعطيات الحالية أن سكان غزة أمام خيارين، وهما التدهور السريع للوضع الغذائي أو تدهوره ببطء، وكلاهما يقودان إلى المزيد من الموت.

حتى نهاية كانون الثاني/يناير 2024، دمّرت دولة الاحتلال وألحقت أضراراً بنحو 80% من المدارس الموجودة في قطاع غزّة، بحسب تقييم أجرته مجموعة التعليم في الأراضي الفلسطينية المحتلة التابعة للأمم المتحدة. مُعلّقة بذلك مستقبل نحو 625 ألف تلميذ من سكان القطاع، وكذلك مستقبل جيل سيولد بعدهم.

فيما كانت قمة المناخ منعقدة في دبي، كانت إسرائيل تقصف قطاع غزة بآلاف الأطنان من المتفجرات، التي بعثت نحو 60 مليون طن من الكربون في خلال 35 يوماً فقط من الحرب المستمرّة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي. ومع ذلك، غابت المأساة التي تصنعها دولة الاحتلال في غزّة بالكامل عن نقاشات المناخ، ولم يتخذ أي تدبير لوقف الجرائم الإسرائيلية.